قفزت في رأس الحكومة المصرية مجدداً فكرة إحياء شركتها العريقة المتخصصة في صناعة السيارات التي صدر قرارٌ حكومي بتصفيتها قبل 11 عاماً لعدم جدوى بقائها في ظل تقادم معداتها وتأخر التكنولوجيا التي تدار بها عن الركب العالمي، قبل أن تتراجع القاهرة بعد 7 سنوات وتلغي قرار تصفية "النصر للسيارات" مع تكثيف البحث عن شريك أجنبي متخصص في الصناعة عالمياً.
محاولات ألمانية وإيطالية وروسية فاشلة
بعد فشل محاولات ألمانية وإيطالية وروسية سابقة في تشغيل الشركة منذ عام 2014 وحتى عام 2019، تتمسك الحكومة المصرية هذه المرة بطموح الشراكة الصينية على أمل إنتاج 25 ألف سيارة كهربائية سنوياً، على أن تبدأ الإنتاج الفعلي قبل نهاية العام المقبل تزامناً مع شراكة أخرى مع ماليزيا لإنتاج نحو 20 ألف سيارة سواء كهربائية أو تقليدية.
اتفاق مع الصين لإنتاج 25 ألف سيارة
وأعلنت وزارة قطاع الأعمال العام المصرية، الخميس الماضي، التوصل إلى اتفاق مع شركة "دونغ فينغ" الصينية المتخصصة في مجال صناعة السيارات، عبر تقنية الفيديوكونفرانس.
وأسفر الاتفاق عن توقيع مذكرة تفاهم بين شركة النصر لصناعة السيارات (المملوكة للدولة) والجانب الصيني لإنتاج 25 ألف سيارة كهربائية سنوياً على خطوط الشركة تحت العلامة التجارية العريقة "النصر".
بوابة إلى شمال أفريقيا
عقب توقيع الاتفاق، قال وزير قطاع الأعمال المصري، هشام توفيق، إن المشروع يعد بمثابة انطلاقة لصناعة السيارات الكهربائية في مصر وبوابة لإدخال هذه التكنولوجيا في شمال أفريقيا.
وأضاف في بيان صحافي، أن إدارة شركة "النصر" ستعمل في الوقت ذاته على إنهاء كافة الدراسات وخطط العمل التفصيلية بالتنسيق مع إدارة "دونغ فينغ" قبل نهاية صيف 2020، لبدء الإنتاج قبل نهاية 2021.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
9 أشهر من التفاوض
وأكد أن المفاوضات بين الجانبين استمرت على مدار الأشهر التسعة الماضية، والتي تأخرت نتيجة أزمة وباء كورونا خصوصاً أن مصانع شركة "دونغ فينغ" تقع في مدينة ووهان الصينية، التي انطلق منها الوباء المميت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وفي سبتمبر (أيلول) العام الماضي التقى الوزير المصري وزير الصناعة الصيني وكبار مصنعي السيارات في البلد الآسيوي، وزار مصنع شركة "دونغ فينغ"، وبعد شهرين رد الجانب الصيني الزيارة للاطلاع على مواقع الشركة في القاهرة والحصول على كافة المعلومات اللازمة.
اتفاق آخر مع ماليزيا لإنتاج 20 ألف سيارة
قبل 72 ساعة من توقيع مذكرة التفاهم المصرية – الصينية، وقعت الشركة القابضة للصناعات المعدنية (التي تتبعها النصر للسيارات)، اتفاقاً آخر مع شركة "بروتون" الماليزية لإنتاج نحو 20 ألف سيارة في عنبرين من عنابر شركة النصر للسيارات، بهدف الوصول إلى الطاقة القصوى للشركة بإنتاج نحو 45 ألف سيارة سواء كهربائية أو تقليدية.
مذكرة التفاهم بمثابة عقد فعلي
وقال مدحت نافع، رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية، إنه عقب التوقيع مباشرة بدأ استكمال الدراسات الفنية الخاصة بنوع السيارة الكهربائية التي سيتم إنتاجها في مصر.
وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن الاتفاق نص على إنتاج أحدث الطرازات التي تنتجها "دونغ فينغ" التي تتناسب مع السوق المصرية وحققت نجاحاً كبيراً في الصين خلال السنوات الماضية.
تصنيع سيارة طراز "E 70"
وأوضح أن الطرازات التي جرى الاتفاق عليها هي من نوعية "E 70"، وذلك في ضوء الدراسة التي أجريت في هذا الشأن، كما تم الاتفاق على اختبار عدد محدود من السيارات من هذا الطراز في مصر خلال الفترة المقبلة.
وحول مذكرات التفاهم السابقة مع الشركات الروسية، كشف أنها "لم تكن سوى بروتوكولات لاستيضاح النوايا، وهذا أمر مختلف عن المذكرة الأخيرة التي وُقِعت مع الجانب الصيني وجاءت بعد مفاوضات استمرت شهوراً وهي أقرب إلى عقد فعلي يُنفذ قريباً".
3 آلاف دولار دعماً لأول 100 ألف مشترٍ
وزير قطاع الأعمال المصري أوضح في البيان "دَرَسنا التجربة الصينية في صناعة السيارات الكهربائية، وتواصلنا مع عددٍ من الجهات الحكومية المعنية بشأن الإعداد لمشروع إنتاج السيارات الكهربائية، واتفقنا على وضع حزمة من المحفزات الخاصة بالسيارات الكهربائية من بينها دعم بقيمة 50 ألف جنيه (نحو 3 آلاف دولار أميركي) لأول 100 ألف مشترٍ وفقاً لضوابط محددة، والتنسيق مع وزارتي الكهرباء والتنمية المحلية لإنشاء 3 آلاف محطة شحن سريع على مدار 3 سنوات، ومشروع إحلال التاكسي الأبيض بسيارات كهربائية أسوة بمشروع إحلال التاكسي الأبيض في عام 2008".
مراحل تأسيس "النصر"
تأسست شركة النصر لصناعة السيارات في عام 1961 حين انتهج الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في تلك الحقبة سياسة التنمية الصناعية الشاملة المتكاملة لشبكة من الصناعات الثقيلة والخفيفة في آن واحد لقطاعات مثل الحديد والصلب والغزل والنسيج والألومنيوم والسيارات والأدوية.
وبعد التأسيس انطلقت "النصر للسيارات" لتصبح في تلك الفترة من الشركات القليلة في منطقة الشرق الأوسط المتخصصة في إنتاج اللوري والحافلات والجرارات الزراعية وسيارات الركوب، وتطور إنتاج الشركة تطوراً كبيراً بفضل العمالة الماهرة والمدربة عن طريق أكبر مراكز التدريب الألمانية، وتحول الحلم إلى حقيقة لتتحول الشركة إلى مشروع قومي، وقد بدأت بـ290 عاملاً حتى وصلت إلى أكثر من 12 ألف عامل مُدرّب، بالإضافة إلى العمالة في مصانع الصناعات المغذية للشركة.
السيارة "رمسيس" بسعر أقل من المستوردة
ونجحت "النصر" في إنتاج سيارة مصرية الصنع اشتهرت باسم "رمسيس" بأسعار منخفضة مقارنة مع نظيرتها المستوردة من الخارج، واستمرت في إنتاجها من عام 1960 حتى توقف إنتاجها تماماً بحلول عام 1972.
ومنذ طرحها في الأسواق لاقت السيارة "رمسيس" ترحيباً وإقبالاً من المواطنين، تشجيعاً منهم للمنتج الوطني، بجانب سعرها المنخفض الذي كان يعتبر أقل مقارنة مع أسعار السيارات الأخرى. واستطاعت الشركة إنتاج 8 سيارات من موديل "رمسيس" يومياً، ونجحت في تجميع سيارات "فيات" الإيطالية في مصانعها، وشهدت إقبالاً من المصريين لانخفاض ثمنها، بالإضافة إلى قطع غيارها المتوافرة لدى الشركة.
ومن أهم السيارات التي أنتجتها "النصر" السيارة "فيات 128" و"نصر شاهين"، وهى موديل مُعدّل في شركة "توفاش" الصربية، وكذلك السيارة "فيات 131" و"فلوريدا" بالتعاون مع شركة "يوجو" الصربية، وهي نموذج مُعدّل من سيارة "فيات 128". وما زال إنتاج شركة "النصر" يمد السوق المحلية بالحافلات والجرارات، بل تعتمد القوات المسلحة والشرطة في مصر على منتجات لوريات الـ"8 أطنان" التي تنتجها الشركة حتى الآن.
تراجع بسبب المنافسة
بدأت الشركة في التراجع مع مطلع التسعينيات من القرن الماضي مع تشجيع الحكومة المصرية القطاع الخاص على ضخ الاستثمارات في كافة القطاعات والتوسع في إنشاء مصانع خاصة لإنتاج وتجميع السيارات. ومع دخول عدة شركات عالمية لإنشاء مصانع لها في مصر وتقديم عدة موديلات حديثة تلبي احتياجات المستهلك مقارنة بما كانت تقدمه "النصر" من موديلات أوقف إنتاجها في مصانع "فيات" منذ سنوات، خصوصاً مع ظهور ماركات أخرى مثل سوزوكي وهيونداي وبيجو، وفي الوقت نفسه لا تزال الشركة تحافظ على تصنيع وتجميع سيارات اللوري والحافلات التي تعتمد عليها القوات المسلحة في نقل الجنود.
التصفية ثم العودة إلى الحياة
في عام 2009 أعلنت الحكومة المصرية تصفية الشركة، ثم تراجعت عن قرارها بعد 7 سنوات لتعلن إلغاء التصفية وإعادة التشغيل مجدداً في سبتمبر 2016، وبدأت الحكومة تبحث عن شريك أجنبي متخصص في صناعة السيارات وتلقت عروضاً سابقة صينية وألمانية وروسية وإيطالية.
وقطعت الحكومة أشواطاً هائلة من المفاوضات مع إحدى الشركات الروسية في عام 2017، ثم مفاوضات أخرى مع شركة إيطالية في عام 2018 لم تكلل بالنجاح، إلى أن استقرت على الشراكة الصينية في نهاية الأمر.