دموع وزير المالية التونسي محمد الحبيب السلامي، خلال لقاء جمعه مع لجنة المالية في مجلس النواب التونسي، السبت 13 يونيو (حزيران) الجاري، تعكس مدى ما وصلت إليه الأوضاع من صعوبة في البلاد، وبحسب النائب عن كتلة "قلب تونس" أسامة خليفي، فإن الوزير بكى خلال حديثه عن أوضاع المالية العمومية للدولة التونسية وأكد أن "الوضع خطير للغاية متسائلاً لماذا لا نضع برنامجاً محدداً لإخراج البلاد من الوضعية الكارثية الحالية".
إضرابات واعتصامات بالجملة
الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها تونس مثل الكثير من دول العالم جراء كورونا، والتي زادت من تعميق الأزمة التي ورثتها حكومة الياس الفخفاخ بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي شهدتها تونس نهاية السنة الماضية، تمثّل التحدي الأكبر الذي تواجهه في المرحلة المقبلة.
والاحتجاجات اندلعت الأحد 21 يونيو في ولاية تطاوين، أقصى جنوب البلاد، والتي يوجد على أراضيها عدد من الشركات النفطية، وتعاني هذه المنطقة الصحراوية مثل بقية المناطق من غياب التنمية وارتفاع نسب البطالة بين الشبان، هي تأتي على خلفية عجز الحكومة عن تنفيذ تعهدات كانت الحكومات السابقة قد تعهدت بها قبل ثلاث سنوات لشبان المنطقة بإيجاد فرص عمل في الشركات البترولية، ودفع الاستثمار فيها، والتي هي، بحسب عدد من المراقبين بقيت من دون تنفيذ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تداعيات اقتصادية سيئة
الاحتجاجات المتصاعدة جراء إغلاق المؤسسات السياحية، والتي تسببت بفقدان عشرات الآلاف من العمال والموظفين وظائفهم، فضلاً عن تضرر مؤسسات الخدمات التي تتعامل مباشرة مع القطاع، إضافة إلى المؤسسات التي تقوم بتصدير منتجاتها إلى الأسواق الخارجية، كما عدد العمال الذين فقدوا وظائفهم أو المهددين بفقدانها بحدود نصف مليون شخص، يفاقم التحديات التي تجد الحكومة نفسها في مواجهتها، الأمر الذي يفرض اتخاذ إجراءات صعبة وقاسية للمواجهة.
خطة إنقاذ وكسب الثقة
الحكومة انطلقت في محاولة لتقييم التبعات الاقتصادية والمالية المباشرة لنتائج كورونا على الاقتصاد التونسي في ظل توقعات بتراجع نسبة النمو الى حوالي 4.7 في المئة سلبي، وبحسب الوزيرة المكلفة بالمشاريع الوطنية الكبرى لبنى الجريبي، فإن الحكومة ستتوجه إلى مجلس النواب بخطة تراهن عليها لانعاش الاقتصاد.
كما سيتقدّم رئيس الحكومة الياس الفخفاخ في مجلس النواب الخميس 25 يونيو، بمشروع خطته لإنقاذ الاقتصاد واستعادة الثقة، والتي تتضمن بحسب ما ذكرت الوزيرة الجريبي لوسائل الإعلام، تخصيص ستة مليارات دينار تونسي (حوالي 2.2 مليار دولار أميركي)، لدفع الاقتصاد عبر دعم الاستثمار المحلي والأجنبي، أحد أهم محركات التنمية، ودعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص من خلال عقود الاستثمار للإسراع في إنجاز المشاريع العمومية المعطلة سواء المشاريع التي وعد بها ولم تنجز، أو المشاريع التي انطلق إنجازها وتعثرت لأسباب إدارية وفنية.
أحلام لا تطابق الواقع
الاقتصادية جنات بن عبد الله، نبّهت في تقييمها مشروع الحكومة، من مخاطر تمرير خطة الإنقاذ الاقتصادي التي تم إنجازها بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول "التأثيرات في الاقتصاد التونسي سنة 2020" إلى أن هذه الإجراءات ستؤثر سلباً في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير في تونس، لأن هذا المشروع يثير الاستغراب في تعاطي الحكومة مع تحاليل خبراء صندوق النقد الدولي وقبولها بإسقاط النظرية الليبرالية على اقتصاد هشّ وغير مهيكل على غرار الاقتصاد التونسي، الذي يعاني من أزمة مديونية حادة، وتوقع تحقيق نتائج مماثلة لتلك المسجلة في الاقتصادات الليبرالية والبلدان المصنّعة التي تتحكم في الأسواق العالمية من خلال عملتها القوية.
واعتبرت بن عبد الله لـ "اندبندنت عربية" أن هذه الخطة تبعث على التخوّف جراء إصرار من الحكومة والبنك المركزي وصندوق النقد الدولي على الإمعان في ضرب المقدرة الشرائية، بناء على ما جاء في بيان النقد الدولي الذي طالب باستمرار بخفض التضخم الذي يقلص القدرة الشرائية للمواطنين، وتعميم مرونة سعر صرف العملات الأجنبية، أي مزيد من انزلاق الدينار التونسي.
مؤشرات مقلقة
وستضاعف مواجهة تداعيات الأزمة التي تمر بها البلاد الانكماش الاقتصادي، والذي بحسب المحلل الاقتصادي عز الدين سعيدان، سيتجاوز الأرقام المعلنة من قبل الحكومة، التي تقدر بحدود 4.3 في المئة، والتي قد تصل إلى 10 في المئة وهو رقم سلبي جداً، واعتبر سعيدان أن قرار الحجر الصحي كان غير صائب وتسبب بشلل 50 في المئة من الاقتصاد ما أدى إلى تراجع كبير للناتج الداخلي بسبب الحجر الذي أغلق المؤسسات الاقتصادية بينما كان الالتزام به في المستوى العام قليلاً جداً.
وقال سعيدان لـ "اندبندنت عربية" إن كل دول العالم ستواجه انكماشاً اقتصادياً بنسب مختلفة، والمؤسسات الاقتصادية توقفت مصادر دخلها بينما نفقاتها قائمة ومطالبة بدفع المستحقات التي عليها، وأهمها أجور العاملين فيها، وهي تعاني اليوم من نقص كبير في السيولة المالية، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لدعمها جاءت متأخرة، وهناك مخاوف كبيرة من أن كثيراً من المؤسسات الصغرى والمتوسطة ستكون عاجزة عن إعادة الانطلاق من جديد، ما يعني ارتفاع نسبة العاطلين من العمل إلى حدود 20 في المئة وستكون لذلك تبعات كبيرة جداً في المستوى الاجتماعي.
سداد الديون على الرغم من الأزمة
وأعلن البنك المركزي التونسي عن سداد تونس قرضاً بمئات ملاين الدولارات، الأمر الذي جاء مفاجئاً للمراقبين في السوق المالية بعد مطالبات بإعادة جدولة الديون المستحقة، وهو ما اعتبره سعيدان قراراً صائباً، لأن أي بلد يطلب إعادة جدولة ديونه وخصوصاً المستحقة من مؤسسات مالية خاصة يدفع غالياً ثمن ذلك، لأنه سيفقد صدقيته أمام المؤسسات الدولية والتي ستتردّد مستقبلاً في منح قروض لدعم الاقتصاد.