يعكف السوريون هذه الأيام بعدما خيّم "قانون قيصر" الأميركي على بلادهم، على اتخاذ إجراءات تقشّفية، لا سيما في ما يخصّ المنتجات الغذائية والدوائية بعد ارتفاع أثمانها ثلاثة أضعاف في الأسواق.
مصلحة الشعب
وجاء الارتفاع الشاسع قبل دخول قيصر بأيام، في وقت يعاني السوري من أزمات عدّة عقب جائحة كورونا وتأثر العالم بتداعيات الإغلاق العام وما تركه من آثار اقتصادية.
وعلى الرغم مِمّا مثّله قانون حماية المدنيين في سوريا من ضربة قاضية في الوقت الضائع، إلّا أنّ دمشق تحاول لملمة جراحها، بخاصة بعد إطلالة وزير الخارجية وليد المعلم اليوم 23 يونيو (حزيران) في مؤتمر صحافي، واصفاً المسؤولين الأميركيين بـ"جوقة من الكذابين"، بحسب تعبيره.
وبرّر المعلم وصفه هذا بـ"أنّ من يريد مصلحة الشعب السوري لا يتآمر على لقمة عيشه"، بينما ذهب إلى القول إنّ دمشق لن تقلّل بالتأكيد من آثار القانون، لكن بلاده اعتادت على العقوبات الأميركية أحادية الجانب.
غير مستهدفة
في حين تحافظ العاصمة السورية على صورة متماسكة لصمودها، غير آبهة بكل التطورات التي تحيط بها، خرج رئيس النظام بشار الأسد وأفراد عائلته بلباس رياضي مع عدد من الجنود في جولة على نقاط عسكرية من دون صدور أي تعليق عمّا يُثار حول القانون الجديد.
على المقلب الآخر، أكدت واشنطن عبر مبعوثها الخاص إلى سوريا جيمس جيفري أكثر من مرة أن الغذاء والدواء لا تستهدفهما العقوبات. وقال جيفري "هدفنا لا يكمن في تدمير الاقتصاد السوري بل إلحاق ألم حقيقي بالأشخاص المقرّبين من الأسد".
في السياق ذاته، يرى المبعوث الخاص إلى سوريا، وضمن مؤتمر افتراضي نظّمه معهد الشرق الأوسط أن العقوبات غير موجّهة لعرقلة المساعدات الإنسانية للبلاد، بما فيها المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
في مقابل ذلك، حذّر المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسون من تلك العقوبات التي ستضعف البلاد اقتصادياً وألمح في كلمة له قبل يوم من تنفيذها إلى ضرورة "احتواء الوضع الاقتصادي المتدهور قبل أن تدقّ المجاعة الأبواب".
وأبدى بيدرسون في الوقت ذاته أمله بعقد جلسة سياسية في جنيف حول سوريا في أواخر أغسطس (آب) المقبل للوصول إلى حلول وتجنيب الشعب السوري مزيداً من المآسي.
العيش المرّ
وعلى وتيرة متصاعدة، تفقد السلطة الحاكمة رصيداً متزايداً من الموالين لها بعد انفلات وفوضى متفاقمَيْن من دون أي تدخل حكومي ناجع.
وتحدث مسؤول طبي لـ"اندبندنت عربية" فضّل عدم الكشف عن هويته إلى وجود تخبّط سياسي، مطالباً بضرب مَن وصفهم بـ"تجار الأزمة"، إذ يحتكر تجار المواد الطبية والدوائية أصنافاً من أدوية لأمراض معضلة ومزمنة.
ويتخوّف المسؤول الطبي شأنه شأن غالبية الأطباء والمتخصّصين من تقويض القانون، الإمكانيات الطبية وحتى التجهيزات التي تدخل في مهنة الطب مع منع الاستيراد، إذ "ما يقارب 500 مستشفى ستواجه صعوبات كثيرة في تأمين قطع التجهيزات الطبية".
ويقول أحد الصيادلة "باتت ألاعيب تجار الدواء مكشوفة فتُخبَّأ الأدوية وبأصناف وأعداد كبيرة، حتى مع غلائها، طمعاً بزيادة أثمانها مستقبلاً. لا بد من مكافحة الفاسدين ومحاسبتهم. نحن الصيادلة لا ذنب لنا، هم يتحكّمون بالأسعار".
من جهة ثانية، يبدو مصير القطاع الطبي مجهولاً، بعد كل التحدّيات التي جابهته خلال الحرب ودمار مستشفيات بأكملها، وهروب أطباء في فترة 2011 وبعدها إلى الخارج كي لا يُساقوا إلى الخدمة الاحتياطية بالتوازي مع هجرة كبار الأطباء.
اللوم على الفساد
من جهتهم، يلقي المواطنون اللوم على الحكومة، كونها لم تتعاطَ سريعاً مع التجار واحتكاراتهم من دون توقف. ويوضح الباحث الاقتصادي رضوان مبيض أن "آثار قانون قيصر لم تظهر بعد على الرغم من كل ما يحصل من ارتفاع في الأسعار".
ويرجّح "سنشاهد المزيد من التضييق والارتفاع في أسعار المنتجات، بخاصة الغذائية منها بعد إحجام المستهلك السوري عن شراء السلع الكمالية وسط نقص شديد ومتزايد بالمواد".
في المقابل، ينبّه مبيض إلى ضرورة أن تتحرّك الحكومة بسرعة وتتّخذ إجراءات استثنائية في هذا الظرف الصعب، من خلال زيادة الإنتاج الزراعي والصناعي.
ويقول "راتب الموظف 25 دولاراً وهي كافية لخمسة أيام ثمن وجبات الطعام، وهذا ما سيهدّد السوريين بمزيد من مجاعات مقبلة، ناهيك عن أن البلاد تقبع تحت خط الفقر".
يصف الناس ما يحدث على الأرض بنظام الغابة "القوي يأكل الضعيف"، ويتخوّفون مِمّا تحمله قابل الأيام من خطورة نقص المواد، بخاصة توقّف استجرار القمح من مناطق الجزيرة.
في سياق متصل، تمثل موسكو وطهران زورق النجاة لدمشق في كل التحديات عبر السنوات التسع العجاف الماضية ولا مناص من إكمال عقد من الزمن والاعتماد على مساعدات خارجية وسط أصوات قرع طبول الحرب في الشمال مجدداً.