مع تخفيف إجراءات الإغلاق الذي فرضه تفشّي فيروس "كورونا" في المملكة المتّحدة، أعرب موظّفون يعملون في مكاتب المؤسّسات والشركات، عن أملهم في أن يُمنحوا خيار العمل بطريقةٍ أكثر مرونةً عندما تخرج البلاد كليّاً من حال الحجر.
ومنذ أن أرسي الإغلاق في بريطانيا في الثالث والعشرين من مارس (آذار)، تعيّن على الناس في جميع أنحاء البلاد وفي مختلف القطاعات، أن يتكيّفوا مع بيئات عملٍ جديدة، مع اضطرار عددٍ من موظّفي المكاتب إلى التأقلم مع نهج العمل من المنزل أثناء الجائحة.
وتؤكّد الحكومة البريطانية في الوقت الراهن أنها تُشجع الموظّفين القادرين على العمل بفاعلية من منازلهم، داعيةً "أرباب العمل إلى بذل كلّ جهدٍ ممكن لدعم العمل من أماكن السكن".
وعلى الرغم من صدور علامات تردّد أولية من بعض أصحاب العمل، يرى كثير من الموظّفين أن اشتراط العمل من المنزل أثناء الجائحة، قد أظهر أن الأداء من المنزل في معظم الوقت، لا بل طوال الوقت، يمكن أن يكون نموذجاً ناجحاً للتطبيق في مرحلة ما بعد الحجر.
وقد نظّم موقع YouGov الشركة الرائدة في مجال أبحاث السوق عبر الإنترنت، مجموعتي نقاش مركّز حصريّتين لمصلحة "اندبندنت"، من أجل استكشاف آمال الموظّفين واحتياجاتهم المستقبلية. وتبيّن أن كثيرين منهم أعربوا عن تفضيلهم شكلاً من أشكال العمل من بُعد، في المرحلة المقبلة.
وأكّد عددٌ من العاملين أنه قبل فترة الحجر، كان لديهم فعلاً بعضٌ من المرونة للعمل من المنزل، ليومٍ واحد أو إثنين في الأسبوع. وأوضح أحد المشاركين في النقاش يُدعى نيكولاس* يبلغ من العمر 32 ويعيش مع زوجته، أن معاملة شركته كانت "رائعة في توفير مرونة في العمل"، فهي حدّدت لعددٍ من الموظّفين أياماً منتظمة خلال الأسبوع، يشتغلون فيها دائماً من المنزل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي المقابل، أعربت بيبا البالغة من العمر 33 والتي تعيش خارج لندن مع والديها، إنها في الوقت الذي كانت دائماً ترغب في الحصول على فرصة عملٍ من المنزل، فقد تولّت مناصب "لم تتوافر فيها المرونة اللازمة التي تتيح لها القيام بذلك".
وتبيّن أنه منذ فرض الحجر، كانت نظرة الموظّفين للعمل من بُعد إيجابيةً إلى حدّ كبير. أما الدافع الرئيسي الذي استشهد به أغلب المجيبين للتعبير عن رغبتهم في مواصلة العمل من المنزل بشكل أكثر انتظاماً، فيتعلّق بتوافر مزيدٍ من الوقت لهم خلال اليوم، لعدم حاجتهم إلى التنقل.
وأكّد عددٌ من الأشخاص أن هذا العامل منحهم مزيداً من الوقت للقيام بمهمّاتهم المنزلية وممارسة التمارين الرياضية بشكلٍ متكرّر، إضافةً إلى تمكينهم من قضاء مزيدٍ من الوقت مع أفراد أسرهم. وفي هذا السياق، قالت كارولين الموظّفة الحكومية التي تبلغ من العمر 28، إنها تشعر وكأنها عوّضت "الوقت المهدور" سابقاً نتيجة انتفاء حاجتها إلى التنقّل ما بين المنزل ومقرّ العمل، في حين أن تارا وهي موظّفة جامعية تبلغ من العمر 43، لاحظت تحسنّاً ملحوظاً في صحّتها الذهنية بسبب عدم اضطرارها إلى الانتقال إلى مكان عملها.
وفي السياق نفسه أشارت ساكورا البالغة 33 سنة والتي تعمل في أحد المكاتب خارج لندن، إلى أنها تستمتع بالقدرة على أن تكون فاعلةً لدى جلوسها إلى طاولة العمل، إذا وجدت أن طاقتها متراجعةً في المنزل. وقالت: "إن فترات استراحتي هي مثمرة"، موضحة أنه يمكنها القيام بالأعمال المنزلية بين فترات العمل. وأضافت: "أستطيع أن أغمض عينيّ بشكل مريح إذا كنت أرغب في التأمل مدة 30 ثانية، أو أن أرقص على مكتبي إذا كنت أعاني من نعاس. أما الوقت الذي كنتُ أمضيه على رحلات الانتقال إلى المكتب، فقد بات مخصّصاً للتمارين".
ورأى موظّفون آخرون أن إتاحة المجال للعمل من المنزل في المستقبل تعني لهم أن مديريهم يضعون ثقتهم فيهم. وأوضح يانيس (25 سنة) الموظّف في خدمة العملاء، أن العمل من مقرّ السكن أثبت أنه "يمكن الوثوق فينا وأننا نبلي بلاء جيّداً". وأضاف قائلاً: "أتطلّع إلى أن يصبح ذلك قاعدةً معتمدة وأن أتمكن من التفاوض من أجل تحقيق هذا الأمر لدى تقدّمي للحصول على أيّ دور وظيفي جديد في المستقبل".
وأكّدت كارولين أنها كمديرة، تثق في أن فريقها يعمل بجدارة من المنزل. وأضافت: "أعتقد أن ذلك ينبع من مبدأ تعزيز ثقافة المسؤولية لدى الفريق في أداء وتسليم مهامهم".
وإضافةً إلى الوقت الذي يتم توفيره من خلال عدم الاضطرار إلى الانتقال ما بين المنزل ومقرّ العمل، أشار عددٌ من أفراد مجموعة التركيز (العينة)، إلى أنهم شعروا بتحسن في مستوى إنتاجيتهم خلال فترة عملهم من المنزل، وذلك لغياب أيّ مقاطعة أو تشتيت غير مرغوب فيه خلال العمل من قبل زملاء لهم كما يحصل عادةً في المكاتب.
وفي هذا المجال، لفت رايان، 43 سنة، والذي يعمل مسؤولاً في مكتب إحدى المؤسّسات، إلى أن بعض أعضاء الفريق الذي يتولّى إدارته "هم في الواقع أكثر إنتاجية خلال عملهم من المنزل، لأنهم في مقرّ المؤسّسة يميلون أكثر إلى المخالطة والمحادثات الاجتماعية مع الآخرين".
وأوضح أحمد أنه فيما لا تزال هناك عوامل من شأنها أن تشتت التركيز خلال العمل من المنزل، فإن في إمكانه "التعامل معها والتغلّب عليها بشكل أفضل" ضمن بيئته المنزلية. إلا أن ليليان 37 سنةً والتي تعيش مع زوجها، رأت عكس ذلك، فقد قالت إنها تجري محادثات مع أعضاء فريقها بشكلٍ فردي أكثر ممّا كانت تفعله في السابق. وأضافت: "إن اجتماعات فريقنا هي أكثر تركيزاً وفائدة".
لكن على الرغم من وجود عددٍ من المزايا للعمل من بُعد، إلا أن هذه الممارسة جعلت بعض الناس يشعرون بعزلةٍ عن زملائهم، كما أوضح زين أحد العاملين في المجال الخيري. ومع أن هذا الشاب البالغ من العمر 32 سنةً يعيش بمفرده، فقد وجد أن أمسيات يوم الجمعة يمكن أن تكون "موحشة للغاية" في غياب الجانب الاجتماعي الذي تمنحه البيئة المكتبية.
ويؤكد ذلك أيضاً أحمد، محلّل البيانات الذي يبلغ من العمر 34، من خلال الإشارة إلى أنه على الرغم من أن العمل من المنزل منحه "مرونة أكبر" في أداء وظيفته، إلا انه يفتقد "الجانب الاجتماعي مع زملاء المكتب"، في حين أن كارولين لاحظت أنها وجدت صعوبةً في "بناء علاقة" مع أعضاء جدد في الفريق، نتيجة الابتعاد عن المكتب.
وفي وقت سمح العمل من المنزل لعددٍ من الموظّفين بأن يشعروا وكأن لديهم المزيد من الوقت لتنفيذ المهمّات اليومية، إلا أنه صعّب في المقابل على البعض أن يميّزوا بين العمل وأوقات الفراغ. وأوضح زين في هذا السياق، أن العمل من بُعد "أدّى إلى تبديد الخطوط الفاصلة بين الساعات المخصصة للعمل والحياة المنزلية بشكل أكبر بكثير"، مشيراً إلى أنه في حاجةٍ إلى التوصل إلى "التوقّف عن العمل" بشكل أفضل.
ولدى مناقشة الإطار المستقبلي المثالي لمكان العمل في عالم ما بعد جائحة "كورونا"، أجمع معظم أعضاء مجموعة النقاش المركّز على أن خيار العمل من المنزل سيكون مفيداً، بحيث أعرب كثير منهم عن الرغبة في أن يُتاح لهم العمل من بُعد لبضعة أيامٍ في الأسبوع، كجزءٍ من نظامٍ جديد يكون أكثر مرونة.
وقالت كارولين إن "الترتيب المثالي يكون في المزج بين العمل من المنزل ليوم أو يومين في الأسبوع، والعمل إلى جانب الزملاء داخل المكتب في بقية الأسبوع". وأضافت إنها مسرورة من المرونة التي تمنحها لها مؤسستها.
وأوضح يانيس من جهته، أنه "يعتزم التفاوض بجدّ للعمل من بعد متى تسنت له أيّ فرص عمل في المستقبل"، بينما قال أحمد إنه يرغب في أن تقوم شركته بـ "الاستثمار أكثر في توفير إطار عمل مناسب انطلاقاً من المنزل".
واعتبرت ليليان أنها على الرغم من رغبتها في العمل من المنزل طوال الوقت، إلا أنها تشعر "بالثقة" بشأن التفاوض حول السماح لها بالعمل أقلّه لثلاثة أيام من المنزل.
وأوضح بعض المشاركين في حلقات النقاش أنه إذا ما مُنحوا خيار العمل من المنزل، فإنهم سيفكّرون في نقل مقرّ سكنهم، ولا سيما لجهة الخروج من العاصمة لندن، حيث يمكنهم العثور على مساكن أقلّ كلفة، تتوافر فيها مساحة أكبر، وتتيح لهم الاستمتاع بمقدار أكبر من المساحات الخضراء.
يُشار إلى أن إدارة مجموعتي النقاش المركّز والتي استمرت مدّة 60 دقيقة لكلٍّ منهما عبر الإنترنت، أدارها فريق النوعية التابع لموقع YouGov الذي قام أيضاً باختيار المشاركين في المجموعتين من داخل المملكة المتّحدة.
وقد ضمت المجموعتان أشخاصاً راشدين تتفاوت أعمارهم ما بين 25 و43 سنة، كانوا يعملون من منزلهم خلال فترة الإغلاق، وكان جميع المستجيبين يشغلون وظائف بدوام كامل ضمن مقر المؤسّسات والشركات. ومن بين هؤلاء 10 أشخاص عملوا في لندن، بينما عمل تسعة منهم خارج العاصمة الإنجليزية.
* جرى تغيير الأسماء حفاظاً على الخصوصية
© The Independent