"لنا سفينة واحدة، مختلفون على رُبّانها؛ لكننا متفقون على إنقاذها من الغرق"، جملة قالها نائب المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري خلال مؤتمر صحافي مشترك مع أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" جبريل الرجوب، تُعد بمثابة توصيف دقيق للاتفاق بين الحركتين الفلسطينيتين حول رؤية مشتركة لإفشال الخطة الأميركية للسلام ومشروع ضم إسرائيل الضفة الغربية، الذي تضمنته.
وأعلن العاروري والرجوب أن اتفاق الحركتين جاء بعد أسابيع من الحوار "العميق الهادئ" بين قيادتيهما.
تهديد تكتيكي
كما جاء الاتفاق "كورقة تهديد تكتيكي" يلوّح بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في وجه إسرائيل لمنعها من تنفيذ خطتها للضم، غداة تهديده بحل السلطة الفلسطينية، وتحميل إسرائيل كقوة احتلال المسؤولية عن الأراضي الفلسطينية.
كذلك تحتاج حركة "حماس" إلى الدخول في المعركة ضد الضم، إثر تعاظم الانتقادات الموجهة لها "بالبقاء بعيدة من أجل الحفاظ على حكمها في قطاع غزة".
وجمّد الاتفاق بين الحركتين الخلافات "الجوهرية والعميقة" بينهما، والتي منعت إنهاء الانقسام منذ 13 سنة، وجاء للتصدي لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام والتي يصفها قادة فتح وحماس بأنها "تصفية للحقوق الفلسطينية كافة".
تلك الخلافات التي تتعلق ببناء "منظمة التحرير الفلسطينية" والانتخابات العامة والحكومة والسلاح وتمثيل الشعب الفلسطيني، سببت فشل مئات لقاءات المصالحة واتفاقات عدة عُقدت بين الحركتين في أكثر من عاصمة عربية.
لذلك لم تكن مصادفةً أن يتصدر الإعداد والإعلان عن الاتفاق الجديد كل من الرجوب والعاروري، اللذَين لم يكن لهما دور بارز في المحاولات السابقة لتحقيق الوحدة الوطنية خلال السنوات الماضية. إذ كلفت "حركة فتح" الرجوب قبل أسابيع بقيادة التحرك الشعبي السلمي لمواجهة خطة الضم، كما أن العاروري المقيم في بيروت لم يتدخل سابقاً في جهود إنهاء الانقسام، بينما يُعرف عنه العمل الميداني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
معركة مفصلية
وقال الرجوب خلال المؤتمر الصحافي المشترك "هي معركة مفصلية، وتحديات استثنائية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية"، مشيراً إلى أن "الفلسطينيين أمام خيارين، فإما الاستسلام أو السمو فوق الصغائر"، مؤكداً أن "لا مجال إلا الوحدة الوطنية".
وأشار الرجوب إلى أن "الأيام والأسابيع المقبلة ستشهد وحدة ميدانية بين حركتي حماس وفتح ضمن المقاومة الشعبية السلمية في الضفة الغربية وقطاع غزة حتى إفشال خطتَي ترمب والضم".
لكن المسؤول الفتحاوي لمّح في تهديد إلى إسرائيل؛ إلى أن الحركتين ستتفقان معاً على عمل مشترك إذا نفذت تل أبيب خطتها للضم، واصفاً ذلك بأنه سيكون "إعلان حرب ورصاصة الرحمة على حل الدولتين"، مضيفاً أن الفلسطينيين "لن يموتوا ويعانوا وحدهم، ولن يستسلموا".
وشدّد الرجوب على أن "الاتفاق مع حماس ليس تكتيكاً بل إستراتيجيي، ويُعتبر مدخلاً لتحقيق الوحدة الوطنية"، مشيراً إلى أنه "جاء بتحرك فلسطيني - فلسطيني، ومن دون تدخل إقليمي".
رسالة إلى العالم
واعتبر العاروري أن الاتفاق يوجه رسالة إلى الشعب الفلسطيني وإسرائيل والعالم، عبر "الوحدة الميدانية" لحركتَي حماس وفتح لمواجهة خطة ترمب، مشيراً إلى أن تلك الخطة "فرضت تحديات غير مسبوقة على الفلسطينيين".
وشدّد العاروري على أن "ميدان المعركة حالياً في الضفة الغربية، وليس في قطاع غزة"، مؤيداً التحركات السياسية والقانونية لمنظمة التحرير ضد إسرائيل.
من ناحية أخرى، رأى مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية، هاني المصري أن "الاتفاق بين حركتَي فتح وحماس يختلف شكلاً ومضموناً ومنهجاً عن الاتفاقات السابقة"، مضيفاً أن "القائمين عليه غير الذين تصدروا الاتفاقات السابقة، كما أن التحديات مختلفة هذه المرة".
وتوقّع المصري أن يُترجم الاتفاق على الأرض "من خلال مقاومة شعبية تشارك فيها الحركتان"، مشيراً إلى أن "مصير الاتفاق مرتبط بخطة الضم وتنفيذها من عدمه".
وأوضح المصري أن "الاتفاق على الوحدة الميدانية لم يعالج الخلافات الجوهرية العميقة بين الحركتين، كمنظمة التحرير والانتخابات والحكومة، لكنه قد يساهم إن نجح، في تهيئة الأجواء لإنهاء الانقسام".
وأشار المصري إلى أن "الرئيس عباس بحاجة إلى تحرك شعبي قوي وحاسم لإفشال خطة ترمب التي تقضي على مقاربته (أي عباس) لحل الصراع"، مضيفاً أن "حركة حماس تريد أن تظهر بأنها مشاركة في المعركة ضد الضمّ بسبب الضغط الشعبي المتزايد عليها".