مع الأرقام والمؤشرات السلبية القائمة حتى الآن، من المتوقع أن تنتقل غالبية دول العالم إلى تصنيفات مرتفعة المخاطر، خصوصاً مع ارتفاع حجم الديون وبلوغها مستويات قياسية، واستمرار تداعيات جائحة كورونا التي كبدت الاقتصاد العالمي خسائر حادة وعنيفة حتى الآن.
في تقرير حديث، توقعت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، أن ينجم عن موجة خفض التصنيفات الائتمانية السيادية غير المسبوقة التي تسبب فيها فيروس كورونا ارتفاع عدد الدول ذات التصنيف "عالي المخاطر" ليتجاوز الدرجة الجديرة بالاستثمار، وهي سابقة لم تحدث من قبل.
ودفعت الأزمة فيتش، بالفعل إلى اتخاذ 32 إجراء تصنيفياً سلبياً أثرت في 26 دولة هذا العام، لكن من المتوقع قفزات أخرى في الوقت الذي ما زال فيه أكثر من ثلث تصنيفاتها السيادية البالغ عددها 118 ينطوي على تحذيرات بالخفض مع "نظرة مستقبلية سلبية".
ومن المتوقع، أن يؤثر ذلك في التوازن بين الدول الأقوى مالياً التي تضمها "الدرجة الجديرة بالاستثمار"، التي تدور تصنيفاتها بين A وBBB، وتلك ذات الأوضاع المالية الأضعف التي في الفئة "عالية المخاطر" أو ما تعرف "بدرجة المضاربة".
دول عديدة تنتقل إلى تصنيفات مرتفعة المخاطر
وفق التقرير، قال كبير محللي "فيتش" لشؤون التصنيفات السيادية جيمس مكورماك، إن "هناك خمسَ دول تصنيفها السيادي عند BBB- والنظرة المستقبلية لها سلبية، مما يشير إلى أن عدد تصنيفات درجة المضاربة سيفوق قريباً وللمرة الأولى تلك التي في الدرجة الجديرة بالاستثمار".
ويمكن أن يُحدث سقوط دول من الدرجة الجديرة بالاستثمار إلى الدرجة عالية المخاطر موجة من المشكلات. حيث يُقصي ذلك سندات البلد بشكل تلقائي من مؤشرات استثمارية رفيعة المستوى، مما يعني أنه لن يظل بمقدور الصناديق المتحفظة، التي تشمل المستثمرين النشطين والمتابعين الخاملين، شراؤها أو بيعها. ويمكن أيضاً أن ترفع تكاليف الاقتراض وتقلص من قيم السندات كضمان في أنشطة البنوك المركزية للتمويل.
وفي نظر وكالة "فيتش"، فإن الدول المعرضة للخطر هي كولومبيا والهند والمغرب ورومانيا وأوروغواي. وإلى جانب ذلك فإن إيطاليا والمكسيك، اللتين لديهما اثنتان من أكبر أسواق السندات في العالم، مصنفتان عند BBB- أيضاً وإن كانت النظرة المستقبلية للتصنيفين "مستقرة".
ولا تخلو منطقة في العالم من خمسة تصنيفات سيادية على الأقل ذات نظرة مستقبلية سلبية. والأرقام في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا في خانة العشرات. وتشير تقديرات الوكالة إلى أن الفيروس سيخلف وراءه عجزاً مالياً عالمياً قدره 9.7 تريليون دولار هذا العام، وهو ما يعادل 12 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي.
ومن المتوقع أن يبلغ إجمالي الديون نحو 76 تريليون دولار، بما يوازي 95 في المئة من الناتج العالمي، وبما يتجاوز ضعفي مستوى 34 تريليون دولار الذي كان عليه قبل الأزمة المالية العالمية في 2007 و2008.
أكبر خفض في تاريخ الوكالة
وقبل أيام، أجرت وكالة "فيتش"، تخفيضات لعدد قياسي من الدول خلال النصف الأول من العام الحالي، في واقعة قالت الوكالة إنها تحدث للمرة الأولى في تاريخ المؤسسة. وذكرت أنها خفضت التصنيف السيادي لـ33 دولة وكياناً، كما أعطت نظرة مستقبلية لـ40 دولة أخرى. ويرتبط الخفض بشكل مباشر مع تداعيات فيروس كورونا.
وقال رئيس التصنيفات السيادية لدى "فيتش" جيمس ماركورماك، إن الوكالة أعطت نظرة مستقبلية سلبية لـ40 دولة وكياناً سيادياً، مما يشير إلى أن الوكالة قد تتخذ مزيداً من قرارات خفض التصنيف السيادي في المستقبل. وأوضح أن "فيتش" لم تتخذ في أي عام من قبل 33 قراراً بخفض التصنيف السيادي، لافتاً إلى أن هذا التخفيض تم خلال 6 أشهر فقط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أنه كما لم يتم قبل ذلك إعطاء نظرة سلبية مستقبلية لـ40 دولة دفعة واحدة قبل ذلك. ومن ضمن الدول التي خفضت "فيتش" تصنيفها الائتماني بريطانيا وأستراليا وهونغ كونغ. مشيراً إلى أن العديد من الحكومات زادت الإنفاق لحماية اقتصاداتها من تداعيات فيروس كورونا، الأمر الذي قد يؤدي إلى تدهور الوضع المالي لجميع الدول الخاضعة للتقييم من قبل الوكالة وعددها 119 دولة.
وأشار ماركورماك، إلى أن هذا التدهور يمكن أن يتخذ شكل عجز أكبر أو فائض أصغر في الميزانيات الحكومية أو زيادة في الدين. مؤكداً أن "فيتش" سوف تراقب ما إذا كان بوسع الحكومات أن تخفض مستويات ديونها بعد خروج الاقتصادات من الجائحة.
وحذرت الوكالة من أن حالات التخلف عن سداد الديون يمكن أن تصل إلى مستوى قياسي هذا العام بسبب جائحة كورونا، وتراجع أسعار النفط، مشيرة إلى أنه بالفعل تخلفت دول الأرجنتين والإكوادور ولبنان عن سداد ديونها هذا العام.
وفي تقرير الشهر الماضي، ذكر صندوق النقد الدولي، أن إجراءات الإغلاق المفروضة بالعديد من الدول للحد من انتشار فيروس كورونا أضرت بالاقتصاد العالمي أكثر من المتوقع، محذراً من أن الدين العام العالمي يمكن أن يصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق ويزيد على 100 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي.
ضغوط كبيرة على الجدارة الائتمانية السيادية
وذكرت "فيتش" أنه كان هناك المزيد من تخفيض التصنيفات السيادية في النصف الأول من العام الحالي مقارنة بأي عام كامل سابق، حيث قررت نظرة مستقبلية سلبية لنحو 40 دولة نتيجة التأثير السلبي عليها من تداعيات جائحة كورونا، وهو رقم قياسي من حيث القيمة وكنسبة من الدول المصنفة من الوكالة.
وقالت إن جائحة كورونا أحدثت ضغوطاً كبيرة على الجدارة الائتمانية السيادية بجميع المناطق وفئات التصنيف، حيث تتحمل الحكومات تكاليف الركود الشديد مصحوباً بالأزمات الصحية. وبالإضافة إلى ذلك، تواجه دول الأسواق الناشئة ضغوط تمويل خارجية مرتبطة بتقلبات أسعار السلع الأساسية وتقلبات أسعار صرف العملات، والتغيرات في شهية المستثمرين للمخاطر.
وفي ما كانت الاستجابات السياسة العالمية كبيرة وسريعة، لكنها تركت الحكومات مثقلة بأعباء الديون بينما لا تزال تواجه عدم اليقين حول التوقعات الاقتصادية المستقبلية ومسار الفيروس في الفترة المقبلة.
ومن الناحية التاريخية، كان تخفيض التصنيف السيادي من النظرة السلبية يستغرق في المتوسط 9 أشهر من وقت تصنيف النظرة المستقبلية، كما أن 56 في المئة من تقديرات النظرة المستقبلية السلبية أفضت إلى تخفيض التصنيف، أما التوقعات السلبية القائمة حالياً فهي موجودة بواقع 3.3 أشهر في المتوسط.
وبحلول نهاية يونيو (حزيران)، كان هناك 10 تقييمات سيادية في فئة أدنى مقارنة مع منتصف عام 2019، 9 منها مصنفة على أنها من فئة "دون الاستثمارية"، ولما كان عدد التصنيفات السيادية من الدرجة الاستثمارية والأخرى المضاربة مقسوماً بشكل متساوٍ تقريباً، وخمس دول ذات تصنيف BBB - أصبحت سلبية حالياً، فمن المحتمل أن يفوق عدد الدول السيادية من الدرجة "دون الاستثمارية" عدد الدول ذات التصنيف الاستثماري للمرة الأولى.
الوكالة أشارت إلى أن تقلبات التصنيف العالمي، كما تم قياسها بمجموع التغيرات في التصنيف على أساس 12 شهراً لكل 100 دولة مصنفة، فإنها تتجه لتقترب من أعلى مستوى لها على الإطلاق على نحو تتوقع معه الوكالة أن تواصل ارتفاعها في الأشهر المقبلة. وذكرت أن السجلات السابقة حول ضبط أوضاع المالية العامة وبدء المراكز المالية العامة بالنسبة للدول النظيرة في التصنيف، سوف تستمر كمصدر معلومات للوكالة في تحديد الآثار المترتبة على تصنيف الأزمة الحالية.
وقالت إن السياسات النقدية القادرة على التكيف، تساعد الحكومات على إدارة عبء خدمات الفوائد المرتبطة بمستويات عالية من الديون، لكنها غير قادرة على أن تعوض تماماً التدهور العام في مقاييس الائتمان السيادي العالمي التي ستستمر في ممارسة ضغوط تصنيفية هبوطية في النصف الثاني من العام الحالي.