ما إن أعلن الجيش الوطني الليبي عودته عن قراره، بفتح صمامات النفط المقفلة منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، حتى عاد التصعيد ليطفو على واجهة المشهد الليبي. واختفت تماماً اللهجة الودودة، التي طغت على الخطاب السياسي، لكبار المسؤولين في حكومة "الوفاق"، عندما أعلن الجيش السماح بإنتاج النفط وتصديره، ودخول أول سفينة شحن لميناء السدرة شرق البلاد.
نهج التصعيد في لغة الخطاب لم يقتصر على القادة السياسيين في طرابلس فقط ، بل طغى أيضاً على بيان صادر عن السفارة الأميركية بشكل غير مسبوق، اتهمت فيه أطرافاً خارجية بالضغط على قيادة الجيش في بنغازي للرجوع عن تعهداتها باستئناف الإنتاج النفطي، التي لعبت دور الوسيط في المفاوضات التي دارت بشأنها.
لهجة أميركية غاضبة
أعربت السفارة الأحد 12 يوليو (تموز)، عن "انزعاجها من التدخل الأجنبي ضد الاقتصاد الليبي، بعد أيام عدّة من النشاط الدبلوماسي المكثف، بهدف السماح للمؤسسة الوطنية للنفط، باستئناف عملها الحيوي غير السياسي، كوسيلة لنزع فتيل التوترات العسكرية".
وأبدت أسفها لـ"الجهود المدعومة من الخارج ضدّ القطاعين الاقتصادي والمالي الليبي، التي أعاقت التقدم وزادت من خطر المواجهة".
واتهمت ضمنياً، روسيا بإفشال مساعي التسوية النفطية، بقولها إن "غارات مرتزقة فاغنر"، على مرافق المؤسسة الوطنية للنفط، والرسائل المتضاربة المصاغة في عواصم أجنبية، التي نقلتها من تسمّى بالقوات المسلحة العربية الليبية، (هكذا وصفتها لأول مرة) في 11 يوليو (تموز)، أضرّت بجميع الليبيين الذين يسعون لمستقبل آمن ومزدهر".
وهددت من وصفتهم بـ"الذين يقوّضون الاقتصاد الليبي ويتشبثون بالتصعيد العسكري، أنهم سيواجهون العزلة وخطر العقوبات".
وكان الناطق باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري، أعلن في بيان له، السبت الماضي، شروطاً للقيادة العامة، قبل استئناف إنتاج النفط.
وحدد المسماري هذه الشروط بـ"فتح حساب خاص في إحدى الدول تودع فيه عوائد النفط، مع آلية واضحة للتوزيع العادل لكل الشعب الليبي، بضمانات دولية، مع مراجعة حسابات مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، لمعرفة أين أنفقت عائدات النفط خلال السنوات الماضية وكيف؟ ومحاسبة من تسبب فى إهدارها في غير محلها".
المؤقتة تنتقد البيان الأميركي
ردت وزارة الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة في بنغازي، على بيان السفارة الأميركية، ببيان انتقد ما جاء فيه حول خوفها وانزعاجها، من التدخل الأجنبي في الاقتصاد الليبي.
وقالت الوزارة، إن "حكومة السراج غير الدستورية تحتكر الاقتصاد الوطني ومدخرات الليبيين، في مصرف ليبيا المركزي بطرابلس، لجلب المرتزقة الإرهابيين الأجانب من سوريا، وبواسطة الحكومة التركية، وأمام مرأى ومسمع العالم أجمع، في تحد صارخ للشرعية الدولية، وانتهاك صريح للقانون الدولي، ومخالفة للاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة، واستخدامهم، وتمويلهم، وتدريبهم، التي صادقت عليها ليبيا".
ودعا البيان "السفارة الأميركية، للعمل مع مختلف الأطراف الليبية، وخصوصاً القوات المسلحة العربية الليبية، التي تستمد شرعيتها من الشعب ومجلس النواب المنتخب منه، الذي أعطى لها الشرعية لمحاربة الإرهاب والإرهابيين، في المدن الليبية كافة".
توضيح من الجيش
بعد صدور البيان الأميركي، عاد المسماري ليوضح في تصريحات تلفزيونية، الأسباب التي دفعتهم لتجميد استئناف إنتاج النفط، بقوله إنه "في الوقت الذي تعاني فيه ليبيا بالكامل من شح السيولة في المصارف، أصدر السراج أوامر لمصرف ليبيا المركزي بصرف 2.4 مليار دينار ليبي لصالح الميليشيات، قبل عام، نقلت بسيارات مسلحة ووُزّعت عليها"، مضيفاً أن "السراج أنفق حوالى 12 مليار دينار ليبي (تسعة مليارات دولار أميركي تقريباً) على الميليشيات".
وأشار إلى أن "المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، ضللت الجميع بإعلان رفع حالة القوة القاهرة عن تصدير النفط الليبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تغيير في لهجة "الوفاق"
بعد يوم واحد من تصريحاته، بعد إعلان إعادة إنتاج النفط، طغت عليها دعوات تغليب الحوار وصوت العقل، عاد وزير الداخلية في حكومة "الوفاق" فتحي باشاغا ليشن هجوماً لاذعاً على قيادة الجيش، قائلاً إن "قفل إمدادات النفط ابتزاز سياسي يأتي على حساب المواطن الليبي، ويعد جريمة"، واصفاً من أقفلوا النفط لأغراض سياسية، بأنهم "لا يعرفون إلا القمع والاستبداد"، في إشارة إلى الجيش الوطني الليبي. وأضاف أن "مسار تدقيق ومراجعة أداء القطاع المالي والمصرفي، وفقاً لمعايير دولية، لم يعد يحتمل التأجيل والتأخير".
من جانبه، رد فايز السراج، على إعلان الجيش تأجيل استئناف العمليات النفطية حتى تتحقق شروطه، بخطوة ذات دلالة تصعيدية، ليجتمع في اليوم التالي، بأمراء المناطق العسكرية الغربية، وطرابلس، والوسطى التابعة لحكومته، وآمر غرفة عمليات سرت الجفرة إبراهيم بيت المال.
وبحث الاجتماع، بحسب المكتب الإعلامي لرئاسة وزراء حكومة "الوفاق"، الوضع العسكري في البلاد بشكل عام، وجهوزية القوات في مختلف المناطق، وسير العمليات في منطقة سرت والجفرة".
كما ناقش تنظيم "المؤسسة العسكرية"، وآليات تنفيذ برنامج دمج واستيعاب "التشكيلات العسكرية المساندة"، وبرامج تطوير القدرات الدفاعية في إطار برامج الشراكة مع عدد من الدول الصديقة".
أما المسؤول الثالث، في مثلث القيادة السياسية غرب ليبيا، رئيس مجلس الدولة خالد المشري، فهاجم بعد ساعات من إعادة انتخابه رئيساً للمجلس للمرة الثالثة، قائد الجيش المشير خليفة حفتر، بقوله "حفتر ومن معه مجرد أدوات، لدول أضرت بليبيا كثيراً، نحن لا نعير لكلام حفتر أي قيمة، وعازمون على تطبيق الاتفاق السياسي، بما في ذلك النص الذي يدعو لسيطرة حكومة الوفاق على كامل التراب الليبي، والمحافظة على ثروات الليبيين".
تراكم الإشكالات يزيد التعقيد
فسر الصحافي الليبي معتز بلعيد، تجدد التصعيد بين المسؤولين، في طرابلس وبنغازي، في سياق المؤشرات المتراكمة، على التوجه للمواجهة العسكرية، قائلاً إن "الإشكالات كثيرة وعميقة، ونقاط الخلاف التي تعقّد المشهد من الصعب محوها، لمقاربة الحل السياسي".
موضحاً في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "الصراع على منابع الطاقة، هو من الإشكالات الأساسية، التي لا يبدو أن هناك حلاً لها. والسيطرة على المواقع النفطية ستكون الفتيل الذي سيشغل المواجهة العسكرية، مع باقي الملفات الملغمة، التي لا يبدو فعلياً أنها تشهد أي تقارب في وجهات النظر، يبشر بتفاهمات من أي نوع، وفي أي وقت قريب".
من جهته، انتقد المحلل الاقتصادي عيسى رشوان، مقترح فتح حساب إيرادات النفط الليبي في الخارج، الذي اقترحه الجيش، خارج سيطرة، وإشراف، ورقابة القضاء والقانون الليبي، قائلاً إنه "يجعلها عرضةً للحجز عليها، في قضايا التعويضات الدولية من الشركات الأجنبية عموماً، والقضايا الأخرى مثل قضية الجيش الإيرلندي"، متسائلاً "من صاحب الاقتراح من الأساس، الذي مرره على طاولة النقاش؟".