بينما تحاول الحكومة اللبنانية لملمة التشرذم الذي رافق خطتها الاقتصادية والانقسام الحادّ بين وزارة المالية ومصرف لبنان وباقي المصارف، ما انعكس تعليقاً للمفاوضات مع صندوق النقد، فعّل الاجتماع الأخير الذي عُقد في السراي الحكومي، ملف خطة الإنقاذ الاقتصادي الحكومية في ظل توافق حول خطة معدّلة يُعاد بناؤها مع الأخذ ببنود الخطة المقترحة من قبل المصارف التجارية. وبالفعل، أول الغيث إعلان إنشاء لجنة خاصة في مصرف لبنان تحت مسمّى لجنة إعادة هيكلة المصارف، علماً أن وزير المالية كان قد طلب أيضاً من الوزارات والمؤسسات الرسمية تقديم لوائح عن ممتلكاتها، ما يندرج ضمن أحد بنود الخطة المتعلّق بإنشاء صندوق يضمّ أصول الدولة، التي ستجري إدارتها بشكل مستقل، والاستفادة من عوائده لإطفاء الخسائر المقدرة بحسب خطة الحكومة، عند حوالى 68 مليار دولار .
لا اندماجات ولا تصفيات للمصارف في لبنان
وتؤكد جمعية مصارف لبنان لـ"اندبندنت عربية"، أن كل المعلومات التي تحدثت عن تصفية أو اندماج بعض المصارف، غير صحيحة، فاللجنة أُنشئت للحفاظ على سلامة القطاع المصرفي، والمذكرة الإدارية التي صدرت عن مصرف لبنان في هذا الإطار واضحة، وهي عموماً حدّدت مهمة اللجنة بأربع نقاط:
-دراسة التعديلات المقترحة على القرارات المتعلقة بتطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية IFRS9
-دراسة التعديلات المقترحة على القرار الأساسي الخاص بالإطار التنظيمي لرساميل المصارف العاملة في لبنان
-دراسة إعادة هيكلة المصارف اللبنانية واقتراح تعديلات ضرورية على الضوابط الاحترازية (prudential regulations) لعمل المصارف
- دراسة الأداء المالي لكل المصارف اللبنانية واقتراح الخطوات اللازمة للحفاظ على سلامة القطاع المصرفي
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأُعطيت للّجنة صلاحية الاستعانة بمَن تراه مناسباً لتنفيذ مهماتها، كما تجتمع بدعوة من رئيسها وترفع تقاريرها عبر الرئيس إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وبيّنت جمعية المصارف أنها مرتاحة لإنشاء هذه اللجنة كونها تلبي أحد المطالب المصرفية الأساسية، وهي بحسب قانون النقد والتسليف تعيد مسؤولية هيكلة القطاع ومراقبته إلى مصرف لبنان وهيئة الرقابة على المصارف، فمن غير الطبيعي أن تتدخل الدولة بإعادة هيكلة قطاع مصرفي كما كان مطروحاً في الخطة الحكومية المثيرة للجدل .
وأوضحت الجمعية لـ"اندبندنت عربية" أن المعايير الدولية تغيرت بعد كورونا، خصوصاً معايير لجنة بازل، كما ضرورة تطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية IFRS9
ومن هنا ضرورة أن تكون المصارف في لبنان المنفتحة على العالم، ممتثلة للتوصيات الدولية .
البنوك تحت اختبار الجدارة
إن قيام حاكم مصرف لبنان بإنشاء لجنة لدراسة إعادة هيكلة المصارف، تؤكد أن موضوع البنوك قد بدأ يدخل سباق البحث الجدّي، بحسب المحامي في بيروت وباريس والمتخصص في الشؤون المصرفية أنطوان صفير.
فالخلاف كان واضحاً حول الأرقام والسيولة والملاءة، ما انعكس سلباً على سمعة القطاع المصرفي والوضع الاقتصادي، كما برزت مخاوف من تعثّر الاستيراد والاستحصال على الأموال.
ويرى صفير أن الوضع المصرفي والاقتصادي في لبنان مرشّح لمزيد من التدهور، ما يُدخل البلاد في دائرة الخطر ويحتّم بدء العمل على إنقاذ القطاع المصرفي المرتبط عضوياً بالدولة، بالاقتصاد وبمصرف لبنان. ارتباط دفع المؤسسات الدولية إلى الاتجاه صوب إعادة تكوين القطاع المصرفي.
وإنشاء لجنة إعادة هيكلة المصارف هي أولى الخطوات على طريق متطلّبات المؤسسات الدولية، كما العمل على الخروج من الأزمة عبر التدقيق في وضع المصارف لجهة إمكانية استمرار بعضها في تأدية دوره وخدماته أو ضرورة غياب بعضها الآخر عن الساحة، بناء على تآكل ملاءته أو سيولته.
مصارف خارج السوق لا محالة
وستطيح اللجنة بعددٍ كبيرٍ من المصرفيين، وتدخّل شركاء جدد وربما بنوك دولية أو متموّلين بشروط جديدة إلى القطاع المصرفي اللبناني، بحسب صفير، وذلك لإعادة الثقة إلى القطاع المصرفي.
فاللجنة هدفها دراسة ميزانيات المصارف وقدرتها على تلبية حاجات السوق. وبالنظر إلى الحالة النقدية والاقتصادية التي يعيشها لبنان، سيشهد هذا القطاع بالتأكيد تغييراً وتبدّلاً في شكله، إن لناحية المساهمين أو لجهة استمرارية بعض البنوك.
ويؤكد المتخصص في الشؤون المصرفية أن هذا العدد الكبير من البنوك لن يستطيع أن يستمر في ظلّ الأزمة الخانقة التي يمر بها لبنان. فالنقص الكبير بالسيولة أو الملاءة المالية واقع. وقبل الكلام عن إعادة الهيكلة، على القطاع المصرفي أن يخضع لإعادة جدولة خاصة في ضوء الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها البنوك عبر عملياتها خارج لبنان، في بلد شهد توتّرات كثيرة قبل ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، ومن ثم الخسائر الكبيرة الناتجة من تعثّر الدولة اللبنانية وعدم سداد ديونها.
اللجنة رقابية والتنفيذ للمصرف المركزي
ويوضح صفير أن اللجنة ليست لديها قرارات تنفيذية بالشطب أو تعديل مكونات أي مصرف من الناحية التنظيمية أو المالية. ويعود إلى مصرف لبنان القرار بإعادة تصويب القطاع بالتنسيق مع وزارة المالية والحكومة.
ويشرح أن إنشاء اللجنة ليس إلّا بداية لمسار طويل يجب استكماله بإقرار قوانين عبر البرلمان، كما إقرار أنظمة من قبل الحكومة بمواكبة مصرف لبنان وجمعية المصارف .
إذاً تستعد المصارف اللبنانية لإجراء تغييرات كبيرة بعد أن غرقت البلاد في أزمة مالية، وأدى الانهيار إلى شح في الدولار، تترجم بتجميد البنوك للودائع والتحويلات المالية التي أصبح من المعروف أنها استُخدمت لتمويل الدولة المثقلة بالديون، ليبقى من تفادى الأخطاء واستحق البقاء.