لا تزال مدينتا سرت والجفرة، محط الأنظار في ليبيا وخارجها، للشهر الثاني على التوالي، ومصدر التوتر في المشهد المعقد للبلاد، ونقطة الصدام المحتملة، بين طرفي النزاع، بمشاركة داعميهما الإقليميين والدوليين.
وواصلت حكومة الوفاق تلقي التجهيزات العسكرية من تركيا، استعداداً لهذه المواجهة المفصلية، مقابل تصعيد عسكري وسياسي من قبل الطرف الآخر، شرق البلاد، بينما استمرت مصر في توجيه رسائل التحذير، من أي محاولة من معسكر الغرب لتجاوز خطوطها الحمر التي رسمتها قبل أسابيع.
جسر جوي مفتوح
في هذا الإطار، استمرت مواقع المراقبة الجوية في رصد طائرات عسكرية تركية، في رحلات متواصلة إلى ليبيا، كان آخرها في اليومين الماضيين طائرة الشحن العملاقة من طراز "البوينغ"، حطت في قاعدة الوطية الجوية، بعد إقلاعها من قاعدة قونيا في تركيا.
كما رصدت طائرة شحن أخرى، نوع "آيرباص"، مقبلة من قاعدة قيصري الجوية، قبل أن تهبط في مصراتة.
وكان الجيش الوطني الليبي، أعلن أكثر من مرة رصد شحنات جديدة من السلاح، أرسلتها أنقرة إلى حكومة الوفاق، عبر البحر والجو، خلال الأسابيع الماضية، معتبراً إياها انتهاكاً لحظر توريد السلاح إلى ليبيا، المفروض بقرار صادر عن مجلس الأمن.
فرنسا تدعو إلى تدخل واشنطن
ومع تواصل إمدادات السلاح التركي إلى غرب ليبيا، دعت فرنسا شركاءها، بمن فيهم الولايات المتحدة، إلى تكثيف إجراءاتهم لمنع الانتهاكات المتكررة لحظر السلاح.
وحذرت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان لها، الجمعة 17 يوليو (تموز)، من تفاقم التدخلات الخارجية في النزاع الليبي، ما لم يكن ثمة تدخل قوي لوقف التهريب غير المشروع للنفط والأسلحة، انسجاماً مع قرارات مجلس الأمن الدولي ومخرجات مؤتمر برلين.
ولم تتوانَ أنقرة كالعادة، في الرد على أي تصريح يصدر من باريس، في إطار التصعيد المستمر بين البلدين، منذ أشهر، حول الملف الليبي، حيث جدد وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، الجمعة، مطالبة بلاده فرنسا بالاعتذار عن مزاعم التحرش بسفينتها، معتبراً أن "تركيا موجودة في ليبيا بناء على طلب رسمي من الحكومة الليبية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وبموافقة البرلمان التركي".
تقرير البنتاغون
لم يطل الوقت، بعد الدعوة الفرنسية، حتى كشف تقرير لافت للبنتاغون، أن "تركيا أرسلت ما بين 3500 و3800 مرتزق إلى ليبيا، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي".
وأوضح التقرير أن "تركيا قدّمت مبالغ مالية مع عروض لمنح جنسيتها إلى آلاف المرتزقة المقاتلين، مقابل الذهاب إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق"، مشيراً إلى أنه "لم يعثر على صلة هؤلاء المرتزقة بالتنظيمين الإرهابيين، داعش والقاعدة"، مرجحاً "أن الدوافع التي دفعتهم للذهاب إلى ليبيا، ليست أيديولوجية أو سياسية".
صدى واسع لتحركات القاهرة
في سياق آخر، لا يزال صدى الاجتماع الذي عقده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع زعماء القبائل الليبية، في القاهرة، والكلمة التي ألقاها خلاله، متواصلاً في ليبيا وخارجها.
وفي الوقت الذي لقيت الكلمة ترحيباً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية شرق ليبيا ندّدت القيادات السياسية، في طرابلس، بها وهدّدت بالردّ عليها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد السيسي في كلمته للقبائل الليبية أن "القوات المسلحة المصرية لن تسمح بتحوّل ليبيا ملاذاً آمناً للخارجين عن القانون"، مؤكداً "قدرتها على تغيير المشهد العسكري بشكل سريع وحاسم".
وأوضح السيسي أن "الخطوط الحمر التي حددها في ليبيا، دعوة إلى السلام وإنهاء الصراع في ليبيا".
ليرد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات له، بعد كلمة الرئيس المصري، باتهام القاهرة بـ"مخالفة القانون الدولي من خلال تصرفاتها في ليبيا"، مؤكداً عزم بلاده المضي بأعمالها العسكرية، قائلاً "لن نترك الليبيين يواجهون وحدهم العدوان العسكري".
وقال وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، إن حكومته "لن تقبل الانتقاص من السيادة وتجاوز الحكومة الشرعية"، متحفظاً بشدة على ما وصفه بـ"مغالطات وردت في اجتماع القاهرة"، داعياً الحكومة المصرية إلى أن "تدرك بأن مصالحها هي مع الحكومة الشرعية، فاستقرار ليبيا من استقرار مصر".
تفعيل اتفاقية الدفاع مع مصر
كشف رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب الليبي عيسى العريبي، عن تحركات جارية من رئاسة المجلس، لتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، بشكل ثنائي مع مصر.
وقال العريبي، في تصريحات صحافية، إن "رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، منوط به تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، بصفته رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية".
أطماع أردوغان وقود التصعيد
علّق الباحث والأكاديمي الليبي مبروك الغزالي على التطورات المتسارعة في الملف الليبي، نحو التصعيد العسكري، بقوله "مرة أخرى، يتأكد أن نصف أهداف أردوغان من التدخل في ليبيا وربما أكثر، يكمن خلف سرت والجفرة، حيث توجد منابع النفط وتقبع أيضاً أهدافه الجيوسياسية، ممثلةً في المواقع التي رسم فيها الحدود البحرية مع حكومة الوفاق، قبالة سواحل الشرق الليبي".
ويشير الغزالي في حديث لـ"اندبندنت عربية" إلى أن "مجازفة الرجل وإصراره على تحدي القوى العسكرية الدولية، التي يدرك أنه سيواجهها، إذا اخترق خط سرت الجفرة، تؤكد أنه لا يستطيع التراجع، وإلا خرج صفر اليدين من ليبيا، ما يفتح عليه باب النقد اللاذع من المعارضة المتربصة به في بلاده، والتي رفضت منذ البداية تدخله في ليبيا وحذرت من تداعياته".
ويضيف "أرجح وقوع الصدام قريباً، بسبب أطماع وأهداف أردوغان، التي قد تجره مع المنطقة بأسرها إلى مواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات".