استمتاع الجميع بموضوع بريكست بات مؤكداً الآن. وقد اختلط الحابل بالنابل لدرجة بات من السهولة أن يمر من طريق الخطأ تعديل يقدمه شخص ما في مجلس العموم يؤكد لنا أن بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي ستتحول إلى قرية في لابلاند، شمال فنلندا، وهي منطقة شبه مقفرة، فنتعهد باستبدال شبكة السكك الحديدية بحيوانات الرنة. الأخبار المسائية صارت أشبه بتعليق على مباراة كرة قدم أميركية، إذا يُعلمنا مقدمو النشرات التالي: "هذه ركلة تسجل 303 أصوات مقابل 258 على التعديل المعدل لاتفاق الخروج، أمام هجمة مرتدة تنفذها مجموعة البحث الأوروبية، المحافظة البريطانية، التي تتوقع أن 85 في المئة يؤيدون للمضي قدماً نحو تمديد المادة 50. إنها شبكة أمان رائعة للغاية. ما رأيك بأداء هذا الفريق اليوم يا صاحبي؟".
من المحتمل جداً أن تكون تيريزا ماي قد استقالت بالفعل، إلا أن أحداً لم يسمعها لكونها فقدت صوتها، فتندلع أزمة دستورية على وقع جدل بين الساعين إلى قراءة حركة شفتيها لمعرفة ما إذا كانت لا تزال رئيسة للوزراء، مع إصرار وزير البيئة، مايكل غوف، على أن كحتها يجب أن تُترجم بناء على شفرة المورس، و"أعتقد أن علينا القيام بكل ما يريده مايكل"!
نألف هذا الوضع الميؤوس منه. فلو أطلت علينا مذيعة أخبار "بي بي سي"، فيونا بروس، قائلة "ننتقل الآن إلى بث مباشر من مجلس العموم" وظهر جميع النواب على الشاشة عراة يتوسّطهم رئيس المجلس وهو يصرخ بأعلى صوته "ابدؤوا بالرش" ورأينا حلوى الكاسترد تنهمر على المقاعد بينما تجدّف وزيرة الخارجية في حكومة الظل إيميلي ثورنبيري بزورق، إلى أن يصرخ رئيس المجلس جون بيكرو "فريق حلوى الترايفل يسيطر، فريق حلوى الترايفل يسيطر" فسنجد معظم المشاهدين يتذمرون "أوه لا، لا (نريد أخبار) بريكست مجدداً" وسيغيرون القناة ويعودون لمشاهدة قناة الرياضة، يوروسبورت.
ولا بد أن تُسنّ قاعدة تنصّ على تذكير وزير التجارة، ليام فوكس، كل ساعة في لقاء مباشر على شاشة "بي بي سي" بما قاله ذات مرة أن بريكست سيكون "أسهل صفقة في التاريخ". لو كان فوكس مكلفاً ببعثة الكابتن البريطاني روبرت سكوت لاستكشاف القطب الجنوبي، لقال لطاقمه أثناء الاستعداد للانطلاق: "سيكون الجو دافئاً وممتعاً، أتمنى ألا تكونوا قد نسيتم الواقي الشمسي أو الكرسي المطوي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كل التفاصيل منتقاة بعناية لجعل بريطانيا تبدو وكأنها تتباهى بالغباء. فعلى الرغم من إصرار رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، على أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل بتعديل الاتفاق، هرعت ماي هذا الأسبوع إلى استراسبورغ لتكتشف أن موقفها في البداية كان مصيباً، لكنها اضطرت طوال العام إلى تأكيد ما هو غير صائب، لأن أعضاء الاتحاد عدلوا الصفقة. في المرة المقبلة ستوفر نفقات السفر وتكتفي بمرافقة باعة الحليب في جولة في إيلينغ، غرب لندن، أو ستنادي على الناس "من المؤكد الآن أنكم ستصوتون لصالح صفقتي، لقد خضت لتوي عشرين جولة في أحد منتجعات في البلاد".
وتشير الأمور إلى أن تيريزا ماي ستحاول مرة ثالثة تمرير صفقتها التي مُنّيت لتوها بهزيمتين تاريخيتين. عليها أن تفعل ذلك، وإلا قد ينتهي بنا المطاف باستفتاء ثانٍ، وهو أمر غير أخلاقي، إذا لا يمكنك أن تتوقع الحصول على فرصة للتصويت لمرة ثانية لمجرد أنك خسرت الأولى.
طوال الوقت، كانت شخصيات مثل ديفيد ديفيس، وهو كان وزير شؤون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، تقول لنا إن دول الاتحاد الأوروبي ستتراجع لأنهم يحتاجوننا أكثر مما نحتاج إليهم. فالاقتصاد الأوروبي سينهار برمته لو لم نشتر منهم الدراق. ولكن الأمور لم تسر على هذا النحو: الأوروبيون يواصلون حياتهم في شكل طبيعي، ويشاهدوننا بكل افتتان، تماماً كما يفعل مشاهدو قناة "بي بي سي"4، هم يتابعون فيلماً وثائقياً عن قرية ويلت شاير حيث يقوم سكانها بتدبيس أعضائهم التناسلية بأشواك حيوان النيص مرة في العام.
لهذا نسمع حالياً المتصلين في البرامج الإذاعية وهم يزمجرون "صمدنا أثناء الحملة النازية العسكرية على لندن، ويسعنا الصمود وتجاوز في هذه المرحلة". وهذا صحيح في الواقع. لكن المقارنة ليست صحيحة تماماً، فنحن لم نصوت لصالح قصف لندن في استفتاء قيل لنا أن إنفاقنا على هيئة الخدمات الصحية الوطنية سيكون أكثر بكثير في حال دمّرت الطائرات الحربية الألمانية المنازل على الجانب المقابل من الشارع، وقال سياسيون وهم يرفعون الصوت إن الخيار الذي صوت لصالحه 17.4 مليون شخص سيحرق البلاد وعلينا الاختباء في جحر حفرناه في الحديقة مدة ثلاث سنوات. لكن وجهة نظرهم مصيبة.
آخر القصص التي أثارت سخطهم، هي ادعاء الوزيرة السابقة إستر ماكفي أن الاتحاد الأوروبي مصر على "إلزام كل أعضائه تبني اليورو" بعد العام 2020، على الرغم من أن الأمر لا ينطبق على المملكة المتحدة مع أنها لا تزال عضواً في الاتحاد. الأسبوع المقبل ستنادي "بدءاً من العام 2023 سيتوجب على كل رجل من مواطني الاتحاد الأوروبي أن يدخل عضوه الذكري في إناء مليء بالنمل الأحمر مدة ثلاث دقائق أسبوعياً. ثم سيقولون إن مخلوقات داليك المدمّرة من مسلسل الخيال العلمي، ستنضم إلى الاتحاد الأوروبي، وستكون لها حرية التنقل، في مسعى إلى خفض الأجور في قطاع الهدم، إذ إنها قادرة على تحطيم المباني خلال 20 دقيقة، وبعدها سيدخلون حرف "ز" على كل الكلمات إرضاءً للبولنديين، وفي العام 2024 سيجبر الاتحاد الأوروبي كل أعضائه على الانضمام إلى فيلم جديد من سلسلة أفلام عصر الجليد وذلك وفقاً لتقرير يمزج البولندية والإنجليزية عنوانه بريطانيا ستغطى بالجليد وتمتلئ بالماموث.
في الوقت الراهن، كل المحاولات لحل بريكست تسعى إلى استرضاء هؤلاء الناس. لكنهم أقلية صغيرة. وهذه هي فرصتهم للحديث عن القضية التي اختاروها، لكنهم غير قادرين على تجييش أحد. ليست هناك أفواج من الناس ولا مسيرات، إنها مجرد قائمة من المتصلين الغاضبين في البرامج الإذاعية.
لا يمثل هؤلاء أي شخص تحت سن الأربعين، على الرغم من أن رئيس مجموعة البحث الأوروبية جاكوب ريس موغ استثناء واضح، لأنه كتب باللاتينية "هذا اليوم، يوم الغضب" وبالتالي هو محسوب على شريحة الشباب الناطقين باللاتينية المنتشرين على نواصي الشوارع وهم يرددون "رجل قال أتيت، رأيت، غزوت، وهذا الرجل هو جاكوب" في محاكاة لعبارة يولويس قيصر اللاتينية الشهيرة.
لو كان لدينا قائد مستعد لتجاهلهم، لربما توصلنا إلى حل وسط. ولكن مثل هذا الحال كان ليكون كارثة، لأنه يسلبنا تسليتنا المسائية - وهي أشد إمتاعاً من الحصول على الدواء أو الطعام.
© The Independent