بعد ما فشلت وعود الديمقراطية وادّعاء المظلومية في إيصالها إلى مسعاها الذي لا يتنازل عن سلطة وثروة الدنيا مع وعود نعيم الآخرة، نشهد اليوم لجوء جماعات "الإسلام السياسي" إلى تنظيم أنفسها ضمن إطارات دولية، فاتحة أحضانها لـ"داعمين جدد"، وإن كانت تتخذهم في الأمس القريب عدواً، جهاده واجب.
ولجأت الجماعات إلى انتهاج سلوك التقارب السياسي في ما بينها، وإن كان مسعاه، كما جرت العادة، مرحليّاً، حتى يتسنى لطرف الاستحواذ التام والإجهاز على الآخر، متى سنحت الظروف الموضوعية، عقب كل دورة عنف تنشأ بواكيره من دواخلها، باعتباره ديدناً وسلوكاً معروفاً عنها، مستجلبة من تاريخ نهجها الدموي، مصطلحات مؤججة، مثل التكفير والطائفية، التي لا ترى في الآخر المختلف عنه سوى عدو يجب الخلاص منه.
رسائل وتفاهمات
وفي نموذج، يكشف جانباً من تناقض هذه الجماعات تبعاً لمواقفها البراغماتية عبر التاريخ، وهي المواقف التي قضوها ما بين القصر وأنشطة "جهاد قول الحق" عبر أحزاب وجماعات، ما كشفته رسائل العشق الذي شهدت أيامه تصاعداً ملحوظاً بين حماس والحوثيين، وكلاهما جنديان مطواعان في المعسكر الإيراني، رغم الخلاف التاريخي بين مشروعي "الصحوة" و"الولاية" في المنطقة، وما تلاه من حالات استقطاب دولي حاد، كان لليمن منه أوفر نصيب.
وحسب وسائل إعلام محسوبة على ميليشيات الحوثي، فإنّ ما يسمّى بـ"المكتب السياسي" (أعلى هيئة سياسية للحوثيين) تلقى رسالة من المكتب السياسي لحركة حماس، عبّر فيها إسماعيل هنية عن "بالغ التحية والتقدير لكل أبناء اليمن قيادة وشعباً". وبلغةٍ مؤيدة سلوك الحوثي في اليمن والمنطقة، أشاد هنية "بدورهم في نصرة القضية الفلسطينية".
خطان يلتقيان في طهران
عندما بدا الأمر مستغرباً للبعض كون الحوثي سلطة مغتصبة، تفهّم آخرون هذا التقارب العلني، في علاقة كل من حماس والحوثي بإيران وحرسها الثوري بالمنطقة، تلك العلاقة التي تمنح المتتبع إدراكاً كافياً للخلفيات التي عززت هذا التعاون الجديد والانسجام المشترك بينها في التعاطي مع جملة ملفات المنطقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينما فسّر متابعون بروز العلاقات الحوثية بحماس بأنها تندرج في إطار جهود التقارب الذي تقوده الأخيرة بين حزب الإصلاح (ثاني أكبر الأحزاب اليمنية ذات المرجع الإخواني) والحوثيين، بعد الخلافات التي طرأت بينهما منذ ما قبل اجتياح الحوثيين صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014، باعتبارهما طرفين يقعان ضمن دائرة الحلفاء الاستراتيجيين للمشروع الإيراني في المنطقة، وهو ما يؤكد تحرّك قوى إقليمية تعمل على التقارب بين جماعات الإسلام السياسي، الأمر الذي خلق خطوط تنسيق مشترك في ما بينها.
رد حماس
وفي معرض رده على سؤال اندبندنت عربية بشأن طبيعة العلاقة بين الحوثيين وحماس رفض الناطق باسم الحركة حازم قاسم التعليق، كما لم يوضح فيما إذا كان هنالك عمل مشترك بين الجانبين.
وقال حازم إن موقفنا ثابت من القضية الفلسطينية وندعم "فكرة التحرر من قيود إسرائيل، ودائماً نساند النضال الشعبي بوجه الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني."
تقارب
ويؤيد المحلل والباحث في الشأن الإيراني عدنان هاشم، هذا الطرح، قائلاً إنه "لا يستبعد أن يكون لهذه الرسائل علاقة بموضوع التقارب أو الوساطة بين الحوثي والإصلاح بواسطة حماس".
ويضيف، "يمكن فهم هذا التواصل في سياق أوسع يتعلق بعلاقة حركة حماس والحوثيين بإيران، وليس لها علاقة باليمن والحرب فيها بشكل مباشر".
من جانبهم، رحّب الحوثيون بالرسالة واعتبروا أنها تأتي في طريق إفشال مساعي التطبيع مع اسرائيل.وقال عضو المكتب السياسي للحوثيين، حزام الأسد خلال حديث له على قناة الساحات، "نبادل الأخوة في حركة حماس المشاعر ذاتها وندعو أبناء الأمة الإسلامية إلى جمع الكلمة والتحرك الجاد والمسؤول بوعي وبصيرة لمواجهة مشاريع الأعداء وإفشال مساعي التطبيع والتقارب مع كيان العدو الصهيوني"، على حدّ تعبيره.
وسبق وأعلن عبد الملك الحوثي، زعيم الجماعة في نهاية مارس (آذار) الماضي، استعداد جماعته للإفراج عن خمسة سعوديين، بينهم طيار، مقابل الإفراج عن أعضاء في حركة حماس الفلسطينية موقوفين لدى الرياض.
وقال في خطاب متلفز بثته قناة "المسيرة" الناطقة باسم الجماعة، "نعلن استعدادنا للإفراج عن أحد الطيارين السعوديين وأربعة من ضباط وجنود النظام السعودي، مقابل الإفراج عن المعتقلين المظلومين من أعضاء حركة حماس في السعودية".
تنسيق بين الأصدقاء
من جانبه، يرى الصحافي في الرئاسة اليمنية، ثابت الأحمدي، أن رسالة رئيس حركة حماس للحوثيين "تأتي في إطار العلاقات الإيرانية بحماس".
وفي تفسير دلالاتها، قال، "معلوم للجميع العلاقة الحميمية بين الطرفين (حماس وإيران)، وكون الحوثي إحدى الأذرع الإيرانية في المنطقة فإنّ حماس تنظر إليه من باب (صديق صديقي)، ربما لإنجاز تنسيق من نوع خاص بين الحوثي والإصلاح، أو تبني رؤية أخرى ترعاها دولٌ تعمل ضد اليمن والسعودية".
عداء للاستهلاك
الأحمدي قال "حالة العداء الطائفي بينهما تشبه رفع الحوثيين شعار القضية الفلسطينية، وتشبه تسميتهم أنفسهم بالمسيرة القرآنية، بينما هم يفجّرون دور القرآن في اليمن، كمجرد شعار مرفوع للاستهلاك الإعلامي، سواء لدى الحوثيين أو إيران".
ويختتم، "تتمتع إيران تاريخيّاً بعلاقة حميمية سرية مع إسرائيل، وبين الطرفين تخادم كبير في بعض القضايا، بينما هما يرفعان شعار المعاداة لبعضهما بعضاً".
استثمار القضية
ومن وجهة نظر حزب الإصلاح، قال الكاتب والمحلل السياسي الموالي للحزب، مارب الورد، "علاقة حماس بالحوثي لا تندرج في سياق أي تنسيق بين الإصلاح والحوثيين".
وأضاف، "موقف الإصلاح واضح فهو أول حزب يمني يعلن رسمياً تأييده قرار عاصفة الحزم، لهذا لا يمكن للحزب أن يتخذ أي قرار بمعزل عن القيادة الشرعية والتحالف العربي بقيادة السعودية الشقيقة".
ورأى أن مضامين تواصل الحوثي وحماس، "تتعلق بالعلاقات القوية التي تجمع الأخيرة بالمكونات اليمنية كافة، بمن فيها الحوثي، وعزز من ذلك علاقتهما بإيران".
ويقرأ الورد مبادرة الحوثيين بخصوص الأسرى بأنها تندرج في إطار "استثمار القضية الفلسطينية فقط".