أصبح من الواضح سلفاً أنّ احتمال الوفاة بكوفيد-19 مضاعف لدى الرجال. ونظراً لهذه الخطورة البالغة، قد تتوقعون منهم أن يرغبوا باتخاذ كل الاحتياطات اللازمة. لكن البحوث الجديدة تشير إلى العكس. فالنساء هنّ من تتضاعف احتمالات ارتدائهن الكمامات، فيما يعتقد الرجال أنها لا تبدو رائعة وتدلّ على الضعف. ومن الصعب استحضار مثال أكثر وضوحاً على الكبرياء القاتل.
غير أن المزيد من الرجال سيرتدون الكمامات إن طُلب منهم ذلك، وإذا أصبح استعمالها إلزامياً، كما يحدث داخل المحلات وفي أماكن أخرى قريباً. لكن ليس من الضروري إجبار النساء على التزام لبسها، لأنهن يقبلن طوعاً أن هناك جهداً شخصياً ينبغي بذله من أجل حماية المجتمع الأوسع، ويدركن أهمية هذا الجهد.
بيد أن هذا الفارق بين الجنسين في مسألة ارتداء الكمامات يتناسب مع نمط متأصّل. فالرجال أيضاً أقل ميلاً لغسل أيديهم، وهو تدبير احترازي أساسي معروف أنه يقلّل من احتمالات الإصابة بالعدوى.
وتشكّل هذه البحوث كذلك تذكيراً مفيداً بأهمية الدور الذي تلعبه النظرة إلى الأمور، ولا سيّما في مجال الصحة. غالباً ما تفترض النظريات الصحية بأنّ الناس سيتصرفون بمنطق. اعرضوا عليهم الوقائع وسيستجيبون على النحو الذي تقتضيه. لكن هذا الافتراض إشكالي بوضوح، كما يظهر من خلال قلة التزام الرجال بأساسيات النظافة الشخصية، أو قلة استعدادهم لاستخدام الكمامات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبيّنت جائحات سابقة مثل إنفلونزا الخنازير هذا الفرق بين الجنسين في المخاطرة، وفي اتخاذ الخطوات اللازمة للحدّ من الوباء. وعندها أيضاً، كانت النساء هنّ الأكثر ميلاً لارتداء الكمامات في الأماكن العامة.
ومع أنّ هذا التصرف غير منطقي، لكنه يصبح مفهوماً عندما ننظر بشكل أوسع إلى الاختلافات بين الرجال والنساء. يُعرف عن الشباب انجذابهم إلى المخاطر أكثر من الشابات. تذّكروا أن شركات التأمين تجري تقييماً دورياً للسائقين الشباب فيما لا تقيّم الشابات بالطريقة نفسها، وتفرض عليهن رسوم تأمين أقل أيضاً.
ويُعتقد أنّ هذه القابلية لركوب المخاطر هي من أسباب ارتفاع تعاطي المخدرات غير المشروعة بين الشباب مقارنة بالشابات. وهو اختلاف ملحوظ من جيل إلى آخر.
من المغري التفكير بأن عرض الوقائع على الرجال، أو تثقيفهم بشأن المخاطر هو كل ما يلزم كي يرتدعوا. لكن العكس هو الصحيح، لأنهم إمّا يتجاهلون التثقيف الهادف الذي يتلقونه، أو يحدث ما هو أسوأ من ذلك، فهذه المعلومات قد تثير فضولهم بشأن المخدرات ما يؤدي بهم إلى تجربتها بينما لم يكونوا ليفعلوا ذلك في حالات أخرى.
والاختلاف في الرغبة باتخاذ المخاطر يوضح لنا بأننا بحاجة لتطبيق طرق أذكى من أجل إقناع الرجال بالتزام ارتداء الكمامات. لن تنفع الرسائل الموجهة للجمهور العريض. ولن تجدي محاولة تحفيز جانب الإيثار [التضحية من أجل الآخرين] لديهم، علينا التفكير في سلوكهم الأناني، وفي توفير معلومات تُظهر لهم بوضوح أنهم ليسوا خالدين. لا يعلم الكثيرون على الأرجح بارتفاع معدلات الوفاة من كوفيد-19 بين الرجال. ومن الجيد الانطلاق من هذه النقطة. وبدل وضع مات هانكوك وزير الصحة في موقع كبير المسؤولين المكلفين إقناع الرجال، نحن بحاجة إلى شخصيات تتمتع بالمصداقية لتكون قدوة تُحتذى، وإلى لاعبي كرة القدم وشخصيات أخرى معروفة. لن يتطلب الأمر كثيراً من الجهد، ويأمل المرء أن تكون هذه الشخصيات مستعدة لتأدية دورها دون مقابل مادي.
كما يمكن أن يساعد تصميم الكمامات بشكل يناسب الرجال على إقناعهم بلبسها. لا ننسى أن البحوث تشير إلى أن عدم الالتزام يعود جزئياً إلى الكبرياء، لذلك قد يساعد وجود كمامات شكلها أقل أنثوية على تخطي هذه العقبة.
تُظهر هذه البحوث فعلياً كيف أن الافتراضات الأساسية المتعلقة بالجندر تشكل الخطر الحقيقي. نحن لا ننظر إلى الرجال على أنهم يتخذون قرارات عاطفية، لكنهم يفعلون ذلك. كما نميل إلى الاعتقاد بأنّ الاهتمام بالشكل هو أمر يخصّ النساء.
مهما كانت الأسباب والحلول لمسألة التزام ارتداء الكمامات، هناك أمر أكيد، وهو أن الرجال لا يقدمون بلاء حسناً في إطار هذا الموضوع. على عكس النساء.
إيان هاميلتون محاضر في شؤون الصحة العقلية في قسم العلوم الصحية بجامعة يورك.
© The Independent