أثار حفر محطة مترو منطقة الزمالك بالقاهرة أزمة، بعدما تعرّض عقار الشربتلي، إحدى العمارات العريقة بالمنطقة، لميل ناتج عن هبوط أرضي من جراء الحفر، الأمر الذي استدعى إخلاؤها من السكّان، لحين فحصها، وترميمها.
وبهدف الطمأنة، قالت الهيئة القومية للأنفاق، في بيان صحافي، إنه لم يحدث أي نوع من الانهيارات، مؤكدة أن كل ما حدث هو "هبوط بسيط" في أحد أركان العمارة، استدعى الإخلاء المؤقت، وتعويض الأهالي ماليّاً للإقامة البديلة، لحين عودتهم.
وزار وزير النقل المصري كامل الوزير العمارة المتضررة، وأكد أن تنفيذ أعمال الترميم "لن تتعدى أسبوعين"، مضيفاً "الماكينة حفرت من النيل إلى موقع العقار تقريباً في حدود مئتي متر، وتوجد خمسة عقارات قبل عمارة الشربتلي، ولم تتأثر، والمنشآت التي حول المحطة آمنة تماماً"، مشيراً إلى أن المحطة عبارة عن "صندوق خرساني قوي جدّاً، يتكوّن من حوائط وأرضية وأسقف مدعمة".
وعن مخاوف سكّان الزمالك من تأثر عقارات المنطقة نتيجة حركة قطارات المترو في ما بعد أثناء تشغيله مستقبلاً، قال الوزير، "القطار خفيف، يسير على قضبان معزولة في نفق معزول، والقضبان محمولة على (بزلت)، وهو ما حدث في خطوط المترو التي تعمل حاليّاً مثل الخطين الأول والثاني، وقد نُفّذت المراحل كلها وفق أسس هندسية، مثلها مثل شبكات المترو بالعالم، وفق أسس هندسية".
"الشربتلي" ملتقى الفنانين
وعمارة الشربتلي موضع الأزمة الحالية هي واحدة من البنايات العريقة في حي الزمالك، يعود إنشاؤها إلى أربعينيات القرن الماضي، على الطراز الكلاسيكي، وتتكوّن من 11 طابقاً، كل منها يضم ثلاث شقق، عاش فيها كثير من الفنانين المصريين من مشاهير الزمن الجميل، مثل الفنان محمود المليجي وزوجته علوية جميل، والمخرج الراحل عز الدين ذو الفقار، والفنانة نجاة الصغيرة التي لا تزال قاطنة بها حتى الآن.
وكان الجهاز القومي للتنسيق الحضاري قد وضع لوحات تذكارية على العمارة بأسماء أهم ساكنيها ضمن مشروعه (عاش هنا)، لتوثيق مكان إقامة الشخصيات المهمة والمؤثرة في تاريخ مصر على كل المستويات.
تقول الفنانة المعتزلة كوثر شفيق، زوجة المخرج الراحل عز الدين ذو الفقار، التي ما زالت تسكن بالعقار وإحدى المتضررات، "العمارة تعدُّ من تراث منطقة الزمالك، أسكن فيها منذ 60 عاماً، حينما انتقلت إليها مع زوجي الراحل في الخمسينيات، ومن وقتها لم أتركها، ولم أغادر حي الزمالك".
وأضافت، في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "العقار بُني في الأربعينيات علي يد شخص يوناني، ثم اشتراه بعد ذلك أحد أفراد عائلة الشربتلي، وسُمّي باسمه حتى الآن، وكان أمامه حديقة واسعة بها نباتات نادرة. وقتها كان الوضع مختلفاً في حي الزمالك تماماً، الذي كان يتميز بالهدوء والجمال، وعماراته وقصوره ذات طابع مميز وعريق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابعت، "وقت بداية سكني في العمارة كانت سفارة الهند في أحد الأدوار قبل نقلها إلى موقعها الحالي، وكان يسكن محمود المليجي ونجاة الصغيرة، وكنا أسرة واحدة، وشهد منزلنا ومنزل نجاة جلسات عمل فيلم (الشموع السوداء) الذي أخرجه عز الدين ذو الفقار، الذي كان يشجّع النادي الأهلي بتعصب، فأسند بطولته إلى صالح سليم رمز النادي، وكذلك جلسات العمل التحضيرية لفيلم (نهر الحب) الذي كان من بطولة فاتن حمامة (الزوجة السابقة لعز الدين ذو الفقار)، التي كانت تأتي بصحبة الفنان عمر الشريف زوجها آنذاك".
واختتمت شفيق، "(الشربتلي) جزء من تاريخ القاهرة، يجب الحفاظ عليه، فمثل هذه البنايات القديمة في الزمالك وغيرها مع الزمن أصبحت علامات مميزة بتصميمها وتاريخها وقاطنيها، ونتمنّى أن تنتهي الأزمة بسلام، ويرمم العقار، ونعود إلى أماكنا وذكرياتنا".
محطة صفاء حجازي
جدل محطة المترو بالزمالك لم يقتصر على تصدّع العمارة وإخلائها، إذ بمجرد إعلان اسم المحطة الرسمي ليكون "صفاء حجازي"، رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون السابق، أثيرت التساؤلات على مواقع التواصل الاجتماعي عن سبب اختيار الاسم، وعلاقة حجازي بالمنطقة.
وأعربت الإعلامية سارة حازم، ابنة شقيقة الراحلة صفاء حجازي، عن سعادتها بإطلاق الاسم على محطة المترو، ونشرت في تدوينة على صفحتها بـ"فيسبوك" أن سبب الاختيار يعود إلى أنّ حجازي عاشت في حي الزمالك 30 عاماً، وكانت تذهب إلى عملها في ماسبيرو سيراً على الأقدام، حيث كان المشي في شوارع الزمالك إحدى هواياتها المفضّلة.
ليست الأزمة الأولى
مشروع إنشاء محطة مترو الأنفاق في حي الزمالك واجه عديداً من الأزمات منذ أن كان في طور الفكرة، فبمجرد إعلان الحكومة منذ عدة سنوات نيتها مد خط المترو الثالث إلى المنطقة انتفض الأهالي رافضين الأمر برمته، ليستمر الجدل والحوار المجتمعي بين ممثلي الحكومة وأهالي المنطقة فترة طويلة، وكل منهما متمسك بموقفه، لتنتصر الحكومة لرأيها في النهاية، وتبدأ في الخطوات التنفيذية للمشروع، ليقترب من نهايته بعد مُضي سنوات.
وكان المبرر الذي ساقه السكان الرافضون المشروع وقتها هو أن دخول المترو إلى الزمالك سيفقده خصوصيته وهدوءه وطابعه المميز، كما أن طبيعة المنطقة لا تتحمّل أعمال الحفر لقِدم معظم المباني، ومن ناحية أخرى وجود محطة مترو بكل ما تمثله من زحام، يمكن أن يدفع الحي إلى العشوائية.
إلا أن هذا الرفض من سكّان الزمالك قوبل وقتها باستنكار، إذ اعتبر الأهالي أن هذا نوعٌ من التعالي والطبقية، وأن المترو خدمة عامة لجموع المصريين في القاهرة.