شهيرة أبو الفضل، أول فتاة قررت أن تمتهن مهنة الجزارة بمركز إسنا في محافظة الأقصر بجنوب صعيد مصر، لتكون بذلك أول جزارة بهذا الإقليم الذي تسوده العادات والتقاليد العرفية المتحفظة التي تحظر عمل المرأة في الوظائف التي بها اختلاط بالرجال. إلا أن شهيرة صممت أن تكسر كل هذه العادات والتقاليد، من أجل مساعدة أسرتها المكونة من 6 أفراد بعد أن أصيب والدها بالشلل النصفي، لتصبح بذلك نموذجاً جديراً بالاحترام والتقدير.
عدسة موقع "اندبندنت عربية" زارت شهيرة أبو الفضل أو كما يطلق عليها الأهالي "المعلمة شهيرة"، للتعرف أكثر إلى قصتها بموسم عيد الأضحى المبارك الذي يعتبر الموسم الأهم في أسواق اللحوم المصرية.
مرض الأب
قالت شهيرة أبو الفضل لـ "اندبندنت عربية" إنها اتخذت قرار أن تكون أول جزارة في صعيد مصر، بعد أن أصيب والدها بالشلل النصفي، وبات لا يستطيع أن يمسك الساطور في محل جزارته، الذي يعتبر الأشهر بمدينة إسنا بمحافظة الأقصر، وباتت الأسرة بلا عائل بعد مرض والدها، بخاصة أن لديها ثلاثة أشقاء من ذوي الاحتياجات الخاصة وأصبح مرض والدها يتطلب علاجاً يتجاوز 1000 جنيه مصري (62 دولاراً) شهرياً، لذلك كان لزاماً عليها أن تتخذ هذا القرار الصعب بأن تحل محل والدها في مهنته الأصعب في الأسواق المصرية، لما تتطلبه مهنة الجزارة من جهد شاق.
أضافت شهيرة أنها كانت ترافق والدها قبل مرضه إلى محل الجزارة الخاص به طيلة فترة الطفولة والمراهقة، وكانت تراقبه خلال تقطيع اللحوم وفرمها وبيعها، لم تكن في حاجة إلى تدريب، لتبدأ العمل على الفور.
العادات والتقاليد
أشارت شهيرة أبو الفضل، إلى أن فور نزولها لسوق العمل، اصطدمت بصخرة العادات والتقاليد بصعيد مصر، حيث تحظر الأعراف عمل المرأة في الوظائف الشاقة التي يعتريها اختلاط الرجال بالنساء، بخاصة أن مهنة الجزارة، التي لم تجرؤ امرأة في جنوب صعيد مصر على العمل بها، لافتة إلى أن جميع من في سوق بيع اللحوم توقع لها الفشل السريع.
ذكرت شهيرة أنها عزمت على ألا تلتفت إلى ما يثار في السوق عنها بعد امتهانها لمهنة الجزارة بدلا من والدها، لأنها لا يوجد لديها خيار أن تتعطل عن مهمتها الخاصة بتوفير نفقات علاج والدها وأشقائها الثلاثة، مضيفة أنها خلال الشهر الأول من العمل لاحظت تجمع الأهالي أمام محل الجزارة خلال العمل لتصويرها، مما أكسبها ثقة في نفسها، وكثيراً ما كان يسألها الزبائن: لماذا قررت العمل بهذه المهنة الشاقة؟ فتحكي لهم قصة مرض والدها وأشقائها الثلاثة، فسرعان ما تنتزع احترام وتقدير كل من حولها، بات يطلق عليها الأهالي بمركز إسنا قلب "شهيرة الجدعة".
أوضحت شهيرة أبو الفضل – التي لم تتجاوز 30 سنة، ولم تتلق أي نوع من أنواع التعليم النظامي - أن الإيمان بالهدف هو سبب نجاحها على مدار 9 أعوام في سوق الجزارة، لأنه لم يكن لديها خيار سوى النجاح حتى تعيل أسرتها البائسة، فكثيراً ما سمعت جملاً محبطة من جيرانها في سوق اللحوم، إلا أنها كانت تعزز عزيمتها بكسب ثقة الزبائن والأهالي. وبمرور الوقت بات محل جزارتها هو الأشهر، مضيفة أنها حينما نزلت إلى سوق اللحوم كانت مهنة الجزارة حكراً على الرجال فحسب، وفي غضون عام واحد استطاعت أن تتفوق على كل من في السوق، فأصبحت تعرض ضعف كميات اللحوم التي يعرضها أقرانها الرجال في السوق، لكثرة الإقبال عليها.
وأكدت شهيرة أن مهنة الجزارة تحتاج مجهوداً شاقاً يومياً، حيث يبدأ يوم الجزار يومياً قبل الساعة 6 صباحاً، بنحر الذبائح من خراف أو عجول داخل السلخانة، تنفيذاً لتعليمات الأجهزة التنفيذية في مصر، ثم ينقل الجزار اللحوم إلى مقر جزارته لتقطيعها، تمهيداً لعرضها للبيع، ليستقبل الزبائن إلى نهاية غروب الشمس، كما تتطلب مهنة الجزارة شخصية قوية، تركيزاً عالياً خلال استخدام الساطور والسكاكين خلال تقطيع اللحوم.
موسم عيد الأضحى وكورونا
عن موسم عيد الأضحى قالت شهيرة أبو الفضل، إن هذا الموسم يعتبر الأكثر رواجاً في أسواق اللحوم على مدار العام، ويعمد الجزارون إلى عرض ضعف الكميات المعروضة مقارنة بالشهور الأخرى، نظراً لكثرة الإقبال على عمليات الشراء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عن سؤال "اندبندنت عربية"، ما هي نصائحك للقراء خلال شراء اللحوم، لمعرفة الجيد منها من المغشوش؟ أجابت شهيرة أنه لا بد من التأكد قبل الشراء من وجود أختام المجازر الحكومية على جسم الذبائح، كذلك اللحوم الجيدة ذات طراوة وليونة عند الملمس بلون أحمر فاتح، لأن اللحوم الداكنة اللون تشير إلى كبر عمر الذبيحة، وهو ما يطلق عليه في السوق "لحمة عجوزة" وهي تتسبب عادة في عسر الهضم، لافتة إلى أن وجود نقط نزيف في أنسجة اللحوم يشير إلى عدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي وفسادها جراء مرض قد تعرضت له الذبيحة.
وأشارت شهيرة إلى أن أسواق اللحوم تأثرت بقوة جراء أزمة فيروس كورونا منذ مارس (آذار) الماضي، وانتظر الجزارون موسم عيد الأضحى بفارغ الصبر لتعويض خسائرهم الفادحة، بل شهدت بعض نوافذ البيع إغلاقاً كاملاً نظراً لقلة الطلب على شراء اللحوم.