Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فرنسا متهمة بدعم مسلحي الساحل الأفريقي انتقاما لطردها 

مراقبون: تسعى إلى العودة للمنطقة بكل الطرق لكن لا أدلة قاطعة على تورطها في مخططات لزعزعة الاستقرار هناك

قادت فرنسا عديداً من العمليات العسكرية الرامية إلى تحجيم نفوذ الجماعات المسلحة والآن تُتهم بدعمها (أ ف ب)

ملخص

على رغم استعانة الأنظمة المنبثقة من انقلابات عسكرية في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر بحليف عسكري جديد هو روسيا، فإن الهجمات المسلحة لا تزال تتصاعد.

بعد أعوام من إجبارها على مغادرة المنطقة، تواجه فرنسا اتهامات متصاعدة بدعم الجماعات المسلحة في دول الساحل الأفريقي من أجل إرباكها، حيث تخرج الأمور حالياً على السيطرة بصورة كبيرة في ظل هجمات دموية تشنها تلك الجماعات من حين إلى آخر.

وعلى رغم استعانة الأنظمة المنبثقة من انقلابات عسكرية في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر بحليف عسكري جديد هو روسيا، فإن الهجمات لا تزال تتصاعد، خصوصاً تلك التي تشنها جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" الإرهابي، والانفصاليون الطوارق في مالي، وغيرهما، مما أدى إلى مقتل عشرات الجنود والمدنيين.

وتواجه الجيوش النظامية وضعاً معقداً الآن، لا سيما إثر الخسائر الفادحة التي تكبدها جيش مالي منذ يوليو (تموز) الماضي عندما نصب الانفصاليون الطوارق كميناً محكماً قُتل فيه عشرات الجنود الماليين وأيضاً من مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية الروسية.

لا أدلة

أحدث الاتهامات الموجهة إلى فرنسا بمحاولة زعزعة استقرار الساحل الأفريقي جاءت على لسان وزير الخارجية النيجري باكاري ياو سانغاري الذي قال أخيراً إن "فرنسا تقوم بإعلام وتدريب وتمويل وتسليح الجماعات الإرهابية في المنطقة".

أما رئيس المجلس العسكري في بوركينا فاسو وهو الحاكم الفعلي للبلاد إبراهيم تراوري، فاعتبر أن "فرنسا تحاول زعزعة استقرار الساحل الأفريقي"، لكنه ذهب إلى أبعد من ذلك عبر اتهام ساحل العاج وبنين بـ"التواطؤ مع فرنسا من خلال استضافة قواعد عسكرية لها من أجل استهداف واغادوغو".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والتزمت فرنسا التي خسرت بصورة كبيرة نفوذها في المنطقة، الصمت تجاه هذه الاتهامات التي من المحتمل أن تعمق الشرخ بينها ودول الساحل الأفريقي المأزومة أمنياً واقتصادياً.

وقال الباحث السياسي النيجري عبدول ناصر سيدو إن "الثابت أن فرنسا تسعى إلى العودة للمنطقة بأية طريقة، خصوصاً أن لها شركات استفادت لعقود من امتيازات لم تُمنح لشركات أخرى، ونعرف أن دولاً مثل النيجر كانت تلبي حاجات باريس من اليورانيوم وغير ذلك".

وأوضح سيدو لـ"اندبندنت عربية" أن "المشكل أن كل هذه الاتهامات تبقى مجرد ادعاءات ما لم يتم تقديم أدلة دامغة عليها، وقد وعد تراوري بتقديم هذه الأدلة لكن لم يفعل بعد، وبناء على ذلك فإنها تبقى مجرد ادعاءات".

 

وتابع أن "الوضع فوضوي للغاية في الساحل الأفريقي في ظل تدخل كثير من الأطراف، ورأينا كيف تفاخر مسؤولون أوكرانيون بدعم الانفصاليين في مالي لاستهداف الجيش وحلفائه هناك، مما سيزيد من عزلة فرنسا والقوى الغربية بصورة عامة".

واستنتج أن "تراوري لا يمكن أن يتحدث من فراغ، خصوصاً بحكم منصبه إذ إنه يتقلد رئاسة بوركينا فاسو، لكن التساؤلات الملحة الآن هي لماذا لم يلجأ إلى مجلس الأمن الدولي إذا كان يملك أدلة قاطعة على تورط فرنسا في مخططات لزعزعة استقرار بلاده؟. علينا أن ننتظر ما ستحمله المرحلة المقبلة لأن المعطيات الراهنة تنذر بكثير".

تضخيم الانتقادات

وكانت فرنسا تدخلت في منطقة الساحل الأفريقي التي تضم دولاً كانت في السابق مستعمرة من قبل باريس، من خلال كثير من العمليات العسكرية على غرار "برخان" التي تستهدف تحجيم نفوذ الجماعات المسلحة.

لكن هذه التدخلات فشلت في تحقيق أهدافها، وباتت فرنسا تواجه مزاجاً شعبياً مناوئاً لها، خصوصاً في ظل اتهامات لاحقتها بدعم نخب سياسية فاسدة لا تستجيب لتطلعات شعوب المنطقة.

وقال الباحث السياسي الفرنسي والمؤرخ رولان لامباردي إن "الاتهامات التي وجهها زعماء النيجر وبوركينا فاسو وغيرهما من الجهات الفاعلة الأفريقية ضد فرنسا تأتي في سياق جيوسياسي متوتر بصورة خاصة، وعلى رغم جدية هذه التصريحات فإنه يجب تحليلها بحذر ومن منظور واقعي، مع الأخذ في الاعتبار المصالح الاستراتيجية المعرضة للخطر والديناميات المحلية وعناصر التفاعل السياسي الراهنة في المنطقة".

 

وأضاف لامباردي لـ"اندبندنت عربية"، "ربما لا تسعى فرنسا إلى زعزعة استقرار دول الساحل، بل على العكس من ذلك، كانت لباريس تاريخياً مصلحة في الحفاظ على أنظمة مستقرة في المنطقة للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية".

وأوضح أن "من أهم هذه المصالح مكافحة الإرهاب لتجنب انتقال العدوى إلى أوروبا، وحماية الشركات الفرنسية التي تعمل في قطاعات رئيسة مثل الموارد الطبيعية على غرار اليورانيوم في النيجر، وكذلك الحفاظ على نفوذها الجيوسياسي في المنطقة في مواجهة توسع القوى الأخرى مثل روسيا عبر أدوات مثل ’فاغنر‘ والصين".

دعاية أم حقائق؟

هذه الاتهامات تأتي في وقت تزحف روسيا نحو منطقة الساحل وغرب أفريقيا من خلال أدوات أمنية وعسكرية بحتة، إذ دفعت موسكو بمئات من المدربين والمستشارين العسكريين وعناصر "فاغنر" إلى دول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو وأخيراً غينيا الاستوائية.

وكثيراً ما واجهت روسيا اتهامات بأنها تقود حملات إعلامية ودعائية ضد فرنسا والقوى الغربية في المنطقة التي تكافح للخروج من نفق عدم الاستقرار الأمني والسياسي.

ويرى لامباردي أن "اتهام فرنسا بتمويل وتسليح الجماعات الإرهابية يبدو مبالغاً فيه ولا يحظى بدعم كبير، بل إن هذه الادعاءات هي دعاية أكثر من كونها اتهامات تتضمن أدلة ملموسة. ومن المحتمل أيضاً أن تكون هذه الاتهامات جزءاً من استراتيجية تواصل تديرها جهات معارضة للنفوذ الفرنسي، لا سيما روسيا".

ولفت إلى أن "من غير المرجح أن تكون لفرنسا مصلحة مباشرة في زعزعة استقرار منطقة الساحل، نظراً إلى التزاماتها الأمنية تجاه المنطقة"، لكنه يضيف أنه "مع ذلك، فإن السياسة الفرنسية الأبوية المتغطرسة والمنفصلة عن الواقع والتي تتجسد للأسف أكثر من أي وقت مضى في موقف الرئيس إيمانويل ماكرون، تغذي هذه الاتهامات التي هي قبل كل شيء أدوات سياسية للأنظمة التي تسعى إلى اكتساب الشرعية".

المزيد من تقارير