من الحديث المستمر عن الإنجازات الاقتصادية في 2019 إلى أزمات ومخاطر كارثية في 2020، هذا هو ما فعله فيروس كورونا المستجد بالاقتصاد الأميركي في عهد الرئيس دونالد ترمب، الذي يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل للفوز بولاية ثانية. إذ أشار تحليل حديث إلى أن هناك كثيراً من الأسباب التي تدعو إلى القلق بشأن الخسائر الاقتصادية القياسية، التي عانتها الولايات المتحدة في الربع الثاني من العام الحالي.
وذكرت وكالة بلومبيرغ، في تقرير حديث، أنه يأتي على رأس هذه الأسباب أن التأثير في العمال والأسر كان شديداً، كما أنّ أجزاء كثيرة من الاقتصاد ستضرر سنوات.
وأشارت إلى الأنباء الاقتصادية السيئة المعلنة الخميس الماضي حول جولة أخرى من الأخبار الجيدة المخادعة في الخريف، التي قد تؤدي إلى ثقة لا مبرر لها تمنح صنّاع السياسة حجة لتقديم دعم غير مناسب للاقتصاد الضعيف.
وفق البيانات والأرقام الرسمية، فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني بوتيرة سنوية 32.9 في المئة، ويعد هذا أكبر انخفاض على الإطلاق، ويعكس تأثير كورونا وأوامر البقاء في المنزل على الصعيد الوطني في معظم فصل الربيع. وهذه الخسائر جميعها تؤكد الزيادة المتوقعة للناتج المحلي الإجمالي، التي قد تتجاوز عشرة في المئة خلال الربع الثالث من 2020.
سندات جديدة بـ112 مليار دولار
وبخلاف الديون الضخمة التي تثقل كاهل الولايات المتحدة الأميركية، فقد قررت وزارة الخزانة تعزيز خطط إصدار ديون طويلة الأجل في الأشهر المقبلة، بعد الاعتماد بشكل أساسي على أذون خزانة قصيرة الأجل، لتمويل الزيادة القياسية في إنفاق الحكومة الفيدرالية لمعالجة أزمة كورونا.
وقالت، في بيان حديث، إنها ستصدر سندات بمبلغ قياسي 112 مليار دولار في الأسبوع المقبل في ما يعرف بعملية إعادة تمويل فصلية لسندات الخزانة الطويلة الأجل. ومن شأن هذا الإصدار أن يجمع نحو 62.5 مليار دولار من السيولة النقدية الجديدة مع إعادة تمويل نحو 49.5 مليار دولار من سندات الخزانة المملوكة للقطاع الخاص.
وستكون السندات المصدرة مقسّمة كالتالي، أوراق مالية لأجل ثلاثة أعوام بـ48 مليار دولار، وسندات مستحقة السداد بعد عشرة أعوام بنحو 38 مليار دولار وديون بقيمة 26 مليار دولار يحلّ موعد سدادها بعد 30 عاماً.
وعلى مدى الثلاثة أشهر التي ستنتهي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ستعمل الوزارة على زيادة "إصدارات الكوبونات الاسمية"، بما مجموعه 132 مليار دولار، مقارنة مع الربع السابق له. وتشمل الكوبونات مدفوعات الفائدة، على عكس أذون الخزانة، التي لا تحتوي على ذلك.
كيف يكون الناتج المحلي الأميركي؟
يقدّر الاقتصاديون في "جي بي مورغان" أن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأميركية ليونيو (حزيران) الماضي يزيد خمسة في المئة على متوسط الثلاثة أشهر المنتهية في يونيو. لذا، حتى لو لم ينم الاقتصاد على الإطلاق في يوليو (تموز)، وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول)، فإنّ الربع الثالث من المتوقع أن يتفوّق على الربع الثاني بهامش كبير.
وفي تقرير صدر في أوائل يوليو الماضي، توقع مكتب الميزانية في الكونغرس أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لأميركا في الربع الثالث بوتيرة سنوية تبلغ 17 في المئة. لكن يجب إجراء مراجعة هبوطية لهذه التوقعات، نظراً إلى الأداء الاقتصادي الضعيف في يوليو، لكن نمو الناتج المحلي الإجمالي المكوّن من رقمين لا يزال محتملاً. كما يتوقع مكتب الميزانية في الكونغرس نمواً سنويّاً 7.9 في المئة خلال الربع الرابع.
لكن، الأداء الاقتصادي الإيجابي الذي يلفت الأنظار بعد الخسائر الاقتصادية التي لا مثيل لها ليس مفاجئاً، فإحصاءات النمو الفصلية هذه نسبية، والانخفاض الهائل في النشاط الاقتصادي في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) يعني أن أداء الاقتصاد في أغسطس وسبتمبر يمكن أن يبدو جيداً جدّاً، رغم أنها ستظل ضعيفة للغاية بالمعنى الأهم.
تخفيض مدمر في الإنتاج والدخل
وعلى الرغم من المكاسب الكبيرة في النصف الثاني من 2020، فإن مكتب الموازنة بالكونغرس يتوقّع أن الاقتصاد قد يتقلص 5.9 في المئة بنهاية عام 2020 مقارنة بنهاية عام 2019، وسيكون هذا، وبالتأكيد، تخفيضاً مدمراً في الإنتاج والدخل والازدهار.
ولن تُنشر أرقام الناتج المحلي الإجمالي الرسمية للربع الثالث من الحكومة حتى وقت الانتخابات الرئاسية تقريباً في نوفمبر، لكن سيكون هناك كثير من المؤشرات من الآن وحتى ذلك الحين ستعكس الديناميكية الخادعة نفسها: اقتصاد ضعيف جدّاً، يتحسّن بسرعة.
على سبيل المثال، يمكن أن ينخفض معدل البطالة 20 في المئة بين يونيو وأكتوبر (تشرين الأول)، وهذا سيعكس تحسّن سوق العمل بسرعة، لكن الانخفاض 20 في المئة مستوى مرتفع بشكل كارثي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشكّل هذه الإحصاءات المربكة والمتناقضة خطرين، أولاً، يمكن أن يؤدي نمو الناتج المحلي الإجمالي القياسي والتحسّن السريع للمؤشرات الاقتصادية إلى دفع عديد من الأشخاص الذين لا يتأثرون بشكل مباشر بالاقتصاد الضعيف إلى الاعتقاد بأن الاقتصاد سليم أو حتى مزدهر. وهذا يؤدي إلى المشكلة الثانية، وهي خطر تقويض الدعم السياسي من قِبل الكونغرس لتدابير إضافية لدعم التعافي الاقتصادي.
ويبدو أن التحسّن السريع في سوق العمل وإنفاق المستهلكين في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) أسهما في الرضا عن النفس لدى عديد من المشرعين الجمهوريين الذين لا يبدو أنهم يقدّرون أنه حتى مع هذين الشهرين الجيدين، فإن الاقتصاد لا يزال أسوأ مما كان عليه منذ الكساد الكبير.
وبعد الاضطرابات في يوليو، بسبب عودة الفيروس في جنوب وغرب البلاد، فإن وتيرة التحسّن الاقتصادي خلال الخريف والشتاء أقل تأكيداً. ومن الممكن أن يكون اقتصاد الولايات المتحدة في المستقبل بمثابة "رجل يأخذ ثلاث خطوات إلى الأمام، ثم خطوة إلى الوراء".
لكن، من الصعب تخيّل أن الاقتصاد في بداية الإدارة الرئاسية المقبلة لن يكون أقوى بكثير مما هو عليه اليوم. ومن الصعب أيضاً أن نتخيل أن الاقتصاد في ربيع عام 2021 لن يكون ضعيفاً للغاية، مع بطالة عند مستويات الركود. ورجّح التحليل أن تغذي الأخبار الاقتصادية الجيدة الرضا عن النفس الذي قد يصبح تهديداً كبيراً للتعافي الاقتصادي، فلا يجب أن ينخدع الكونغرس.
خطة تحفيز جديدة بتريليون دولار
في تصريحات أمس، قال عضو الاحتياطي الفيدرالي، روبرت كابلان، إن عودة ظهور عدوى كورونا أضعفت التعافي الاقتصادي، مشيراً إلى أنه يجب دعم الاقتصاد من خلال الاستمرار في تقديم إعانات البطالة ومساعدة مالية للولايات والحكومات المحلية.
وأضاف، "أعتقد أن الاقتصاد يحتاج إلى استمرار إعانات البطالة، قد لا تكون بالقدر الحالي نفسه، لكننا بحاجة إلى استمرارها".
ويناقش المشرعون في الكونغرس الأميركي خطة تحفيز جديدة بقيمة تريليون دولار، لكن لا تزال هناك اختلافات بشأن عدة قضايا، من ضمنها قيمة إعانات البطالة، التي كانت تبلغ 600 دولار في قانون المساعدات الأخير ذات الصلة بالوباء.
ورفض كابلان تحديد مقدار المساعدة التي يعتقد أن على المشرعين تقديمها، لكنه قال إن الدعم إلى جانب الاستخدام الواسع للأقنعة، أمر حاسم لمساعدة الاقتصاد على التعافي.
وتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بمعدل سنوي يبلغ 20 في المئة خلال الربع الثالث، لكنه لا يزال يتوقع أن ينكمش الاقتصاد الأميركي بنحو خمسة في المئة لهذا العام بعد تراجع قياسي بلغ 32.9 في المئة خلال الربع الثاني.
وأضاف، "المشكلة تكمن في أن عودة الفيروس أدّت إلى تباطؤ التعافي الذي كنا نتوقعه، لذا، كلما نجحنا في إدارة أزمة الفيروس مرة أخرى، كان الاقتصاد قادراً على التعافي".