يبدو أن سباق التسلّح بين الجزائر والمغرب هزّ المملكة الإسبانية التي عبّرت طبقتها السياسية عن مخاوف من تفوّق عسكري مرتقب يهدّد أمن واستقرار الإسبان، إذ تقدّم حزب "فوكس" القومي إلى برلمان بلاده بمقترح يطالب برفع ميزانية الدفاع لاقتناء أسلحة أكثر وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة لمواجهة التسلّح الجزائري والمغربي.
تسلح الجزائر والمغرب يهدّد أمن اسبانيا؟
وجاء في مقترح الحزب الذي يُعَدُّ القوة السياسية الثالثة في إسبانيا، أن الجزائر انخرطت في عملية تسليح قوية للغاية، خصوصاً سلاحها البحري الذي حقّق "قفزة نوعية" بامتياز، مشيراً الى أن الجزائر باتت تثير قلق دول شمال البحر الأبيض المتوسط بعدما أصبحت تمتلك صواريخ روسية دقيقة وهي "إكسندر". ولفت المقترح ذاته إلى أن المغرب عمد إلى تحديث جيشه وتحويله إلى أقوى جيش في أفريقيا، ورفع مستوى علاقاته مع الولايات المتحدة، موضحاً أن التقارب الأميركي المغربي مهمّ لضمان الدعم في حالة اندلاع نزاع بين دول جارة أو المطالبة بالسيادة على أراض ومياه بحرية قريبة من المغرب، في إشارة إلى تخوّف إسباني من محاولات استعادة المغرب مدينتَيْ سبتة ومليلية الخاضعتين للحكم الإسباني.
واعتبر حزب "فوكس" أنه من حق الجزائر والمغرب تطوير جيشيهما، ووصفهما بـ"الدولتين الصديقتين"، ولكن طالب في المقابل بضمان إسبانيا تفوّقاً عسكرياً عليهما من أجل حماية سيادة مدريد على مناطق سبتة ومليلية وجزر الكناري، منتقداً حكومة بلاده لتفريطها بالعلاقات مع الولايات المتحدة، ومشدّداً على ضرورة رفع ميزانية الجيش الإسباني إلى اثنين في المئة من الناتج القومي الخام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تخوّف بخلفيات تاريخية؟
في السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر بشير بودلال، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن الجهات اليمينية المتطرفة تمثّل أصواتاً نافذة داخل إسبانيا، وربما تستذكر وتستعيد تاريخ وتراث العداء الإسباني الجزائري القديم الممتد لـ 300 سنة من الحرب بينهما، و"علينا عدم النسيان بأن مجد وشرف ورمزية الملكية الإسبانية تحطّمت وأُهينت بهزيمة مذلّة لحملة شارلكان لاحتلال الجزائر سنة 1541"، وعليه فإن اليمين المتطرف ينطلق اليوم من هذه الخلفية التاريخية في دعم أطروحاته المعادية لدول الجنوب الغربي للمتوسط. وقال إن ما يزعج إسبانيا هو تطوّر وتنامي سلاح البحرية الجزائرية في السنوات الأخيرة وامتلاكها أسلحة استراتيجية تجعلها أقوى بحرية في المتوسط، ما مكّنها من حماية مصالحها والسيطرة عملياً على البحر المتوسط.
أما في ما يتعلّق بالمغرب، فإن هذه الأوساط اليمينية تتوجّس من تغيرات سياسية تأتي بحكومة معادية لإسبانيا، وتطالب فعلياً بأراض مغربية متنازع عليها، بعضها في البرّ المغربي كمنطقتَيْ سبتة ومليلة. ويضيف بودلال أن التخوّف الإسباني في محله، خصوصاً مع التغيرات التي يشهدها "الجيوبوليتيك" العالمي وصعود قوى دولية كالصين وروسيا وتحلّل الاتحاد الاوروبي وغياب دفاع أوروبي مستقل، وكذلك بداية مؤشرات رفع المظلة الدفاعية الأميركية والأطلسية عن أوروبا، مضيفاً أنه توقيت مثالي لليمين المتطرف للعزف على كل الأوتار وتوظيف كل المستجدات لتحقيق اختراق انتخابي يكفل له وضع أطروحاته المتطرفة والمعادية لدول جنوب المتوسط قيد التنفيذ، وعلى الرغم من أنه يشكّل أقلية في التوازنات السياسية الحالية في إسبانيا، غير أن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لوباء كورونا قد تمكّنه من اكتساب مساحات التأثير في السياسات الداخلية والخارجية للبلاد، وعليه فالمطلوب من الجزائر والمغرب متابعة وبدقّة هذه التطوّرات وأخذها بجدية.
ديناميكية عسكرية غرب المتوسط
مخاوف الطبقة السياسية الإسبانية تكشف عن قلق داخل المؤسسة العسكرية من سباق التسلّح الحاصل بين المغرب والجزائر، حيث وجدت مدريد نفسها وسط ديناميكية عسكرية فرضها تحوّل المغرب والجزائر إلى قوتين عسكريتين لا يُستهان بهما، وأدى سباق التسلّح بين الجارين الجنوبيين إلى "إضعاف" الجار الشمالي، المملكة الإسبانية.
ولا يعتبر "القلق" العسكري الإسباني جديداً، فقد صرّح في وقت سابق، الرقم الثاني في قيادة أركان القوات البحرية الإسبانية الأميرال مانوال غاراث، أن بلاده تعتبر نفسها معرّضة للهجوم من الجزائر بالمستوى ذاته مع جارتها البرتغال، بسبب التعاظم الكبير لسلاح الغواصات الجزائري الذي تفوّق على نظيره الإسباني، موضحاً أن سلاح الغواصات الجزائري وصل إلى مستوى من التطور لم يسبق أن بلغه سابقاً، خصوصاً أن الوضع الذي هو عليه سلاح الغواصات الإسباني لم يُصحّح بعد. وعلّق أن من يسيطر على البحر هو الذي يملك السيطرة على أعماقه وليس سطحه.
تحرك أوروبي وأميركي لتجاوز التوجّس
بن عامر بكي، الأمين العام لتحالف الإعلاميين والحقوقيين الأفارقة، قال لـ"اندبندنت عربية"، إن التخوّف الإسباني من تسلّح المغرب والجزائر ليس جديداً، وقام حزب "اسيودادنوس" الإسباني في شهر أبريل (نيسان) الماضي، بمراسلة المشرّعين الأميركيين يطلب منهم وقف صفقات سلاح صادقت عليها واشنطن لصالح المغرب، وتمثّلت في صواريخ "هاربون" التي تحملها مقاتلات "إف 16" وتستهدف السفن الحربية. وراسل نائبه في البرلمان الأوروبي المكلف بالعلاقات الخارجية رامون باوسا، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ جيمس ريتش، ولجنة العلاقات في مجلس النواب إليوت إنجل، يطلب منهما معارضة هذه الصفقة بسبب تأثيراتها السلبية عسكرياً على الأمن القومي الإسباني، وعلى مضيق جبل طارق الذي يُعدُّ استراتيجياً للولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية.
وأردف بن عامر أن الحزب الإسباني من خلال مراسلته يتكهّن بأن المغرب ينوي استخدام هذه الصواريخ لفرض الأمر الواقع في ملف الحدود البحرية، إضافةً الى النظرية التي تتبنّاها مختلف الأحزاب السياسية في إسبانيا وكذلك المؤسسة العسكرية، وتعتبر المغرب مصدر الخطر العسكري بسبب ملفات ترابية عالقة ومنها سبتة ومليلية. وقال إن مخاوف الطبقة السياسية عامة في إسبانيا، يقابلها حرص أميركي على عدم تشكيل الأسلحة التي تبيعها للمغرب أي خطر على إسبانيا، وإنّما جعلتها صفقات لخلق توازن مع الجزائر التي تتسلّح بشكل مكثف من روسيا، مضيفاً أن تجدّد مخاوف مدريد يؤكد على أن المنطقة دخلت في عقدة جديدة ستكون لها تطوّرات على المدى القريب. وأردف أن إسبانيا ستظل تتوجّس من هذا التطور الكبير للبحريتين الجزائرية والمغربية، ولا تنظر إلى السباق العسكري بين البلدين الجنوبيين في إطار ما يُعرف بالنزاع حول المنطقة، بل تراه تهديداً مباشراً لها.
داء "الإسلاموفوبيا"
في المقابل، أعرب المحلل السياسي محمد الصادق أمين لـ"اندبندنت عربية"، عن اعتقاده بأن الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا عموماً وفي إسبانيا خصوصاً مصابة بداء "الإسلاموفوبيا"، على الرغم من أن نسبة المسلمين في الأخيرة لا تشكّل سوى 2.6 في المئة من عدد السكان وهي نسبة أقل من النسبة العامة في أوروبا والمقدرة بـ 4.6 في المئة. وقال إن تخوّف اليمين المتطرف من تسلّح جيران إسبانيا على الضفة الجنوبية للمتوسط، مبالغ فيه، لأنه لا يشكّل أي تهديد أمني لها أو غيرها، مضيفاً أن أوضاع المغرب الداخلية والاقتصادية الصعبة لا تسمح له حتى باسترداد أو المطالبة بالأراضي المغربية المحتلة من طرف الإسبان، ناهيك عن تهديد العمق الإسباني.
أما في ما يتعلّق بالجزائر، فيوضح الصادق أمين أن التحديات الأمنية على حدودها الشاسعة كبيرة وخطيرة، لذلك يعتبر تسلّح الجيش الجزائري ضرورياً ليس لأمن الجزائر فقط، ولكن لأمن كل دول المنطقة بما فيها المغرب وإسبانيا، إضافةً إلى ذلك، فالجزائر ليس لها أي خلافات حدودية مع إسبانيا ولعل تصريحات وزيرَيْ خارجية البلدين حول الحدود البحرية، يرفع كلّ لبس عن العلاقات الودية بينهما ويفنّد الشائعات حول خلافات بحرية مزعومة، عكس المغرب الذي ما زال يطالب بمدن سبتة ومليلية المحتلتين من طرف الإسبان.