بالرفض المطلق، وبكلمات غير مآلوفة، استقبلت منظمة التحرير الفلسطينية، وحركتا "الجهاد الإسلامي" و"حماس" الإعلان الثلاثي الأميركي – الإسرائيلي - الإماراتي معتبرين إياه بمثابة "خيانة للقدس، وطعنة في ظهر الشعب الفلسطيني". فالاتفاق الذي وقع كالصاعقة على الفلسطينيين نصّ على إقامة علاقات طبيعية بين الإمارات وإسرائيل، في مقابل تجميد الخطة الإسرائيلية لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية.
وذكرت مصادر فلسطينية لـ "اندبندنت عربية" إن "القيادة الفلسطينية لم تكن على علم مسبق بالإعلان، وسمعت به عبر وسائل الإعلام، وفوجئت به".
خطوات احتجاجية
وكخطوة احتجاجيةٍ، استدعت وزارة الخارجية الفلسطينية بعد ساعات من الإعلان، السفير الفلسطيني لدى دولة الإمارات فوراً.
وعبّر أمين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات عن رفضه واستنكاره الإعلان الثلاثي. وقال إنه يقوم على "ادعاء تعليق مؤقت لخطة الضم، وفي ظلِ إصرار إسرائيل على تكريس احتلالها الأراضي الفلسطينية".
واعتبر عريقات في تصريح لـ "اندبندنت عربية" أن الإعلان يشكل "نسفاً للمبادرة العربية للسلام، وعدواناً على الشعب الفلسطيني، وتفريطاً بالحقوق الفلسطينية، وخيانةً للقدس واعترافاً بها عاصمةً لإسرائيل".
وشدّد عريقات على رفض "مقايضة تعليق ضمٍ غير شرعي بتطبيع إماراتي، واستخدام القضية الفلسطينية غطاءً لذلك"، مطالباً أبوظبي "بالتراجع الفوري عن الإعلان المشين".
وطالب عريقات الدول العربية "بعدم الرضوخ للضغوط الأميركية، والتطبيع المجاني مع إسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية"، والاتصال بقيادة دولة الإمارات، والطلب منها التراجع عن هذه الخطوة.
ودعا عريقات، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز "الذي يؤكد دائماً أن القضية الفلسطينية هي قضيته الأولى، إلى مطالبة الإمارات بالعودة عن هذه الخطوة".
وناشد عريقات الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إصدار بيان يرفض الإعلان باعتباره خروجاً على ميثاق جامعة الدول العربية، وقرارات قممها، ومبادرة السلام العربية، مطالباً إياه بالاستقالة من منصبه إن لم يستطع القيام بذلك.
رد إماراتي
في المقابل، دافعت الإمارات بقوة عن خطوتها، مؤكّدةً أنها وليدة قرار "سيادي" لم يتم التشاور حوله مع السعودية والدول المجاورة الأخرى.
ورفض عمر سيف غباش مساعد وزير الخارجية لشؤون الثقافة والدبلوماسية العامة في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية الجمعة، موقف الفلسطينيين من الاتفاق، معتبراً أن "الخطوة أداة لتعليق عملية ضم إسرائيل لأراضيهم في ظل غياب أي خطة عربية فعّالة أخرى".
وقال غباش "أعتقد أننا أظهرنا أننا قادرون على الدخول في موقف معقّد ومتعب للغاية وتحريك الأمور، ونتطلع إلى رؤية تطورات إيجابية تخرج من هذا الانخراط الحقيقي".
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت أبو ظبي استشارت الحليفة الرياض، قال غباش "لم نتشاور مع أي جهة، ولم نبلغ أحداً، وكدولة ذات سيادة لا نشعر بأننا ملزمين بالقيام بذلك". وأضاف "نحن الآن بصدد إبلاغ أصدقائنا وشركائنا وغيرهم في المنطقة عن سبب اتخاذنا لهذه الخطوة"، ولكن "من المتوقع ألا يصفّق الجميع أو حتى يعلّقوا، وهذا مفهوم".
وتابع المسؤول "اتخذنا القرار كدولة ذات سيادة مع مراعاة مصالحنا وحساباتنا الخاصة".
وقال غباش "نحن مرتبطون بشبكة عالمية كبرى ونجد أن العلاقات مربحة للغاية وتسهم في الناتج المحلي الإجمالي لدينا. نحن مدفوعون باعتبارات براغماتية".
وأصبحت الإمارات التي أرسلت أخيراً مسباراً إلى المريخ وأطلقت برنامجاً للطاقة النووية، تتمتّع بنفوذ متزايد على الساحتين الاقليمية والدولية.
ورأى غباش، السفير السابق الإماراتي لدى روسيا وفرنسا، أن "الاتفاق مع إسرائيل يظهر استقلالية أبوظبي الدبلوماسية في منطقة تعصف بها الصراعات وتحكمها الولاءات للدول الكبرى".
وأوضح "لسنا هدية تُمنح للإسرائيليين في مرحلة ما إذا لبوا المطالب الفلسطينية. نحن نعلن بوضوح شديد أن من مصلحتنا السيادية القيام بهذه الخطوة، وبالتالي سنخدم المصلحة السيادية".
وتابع المسؤول الإماراتي "أمضينا السنوات الـ 20 الماضية في تطوير العلاقات مع كل البلدان في جميع أنحاء العالم. لدينا سياسة خارجية نشطة وسنتخذ قراراتنا السيادية".
وأكّد غباش "المكسب الأساسي هو إخراج عملية ضم الأراضي من المعادلة في الوقت الحالي".
وعن الموقف الفلسطيني، قال "أحاول أن أستوعب ما معنى "طعنة في الظهر" بالنظر إلى أن ما فعلناه هو في الواقع فتح الباب لدى الجانب الإسرائيلي لإعادة التفكير بشأن عملية الضم. لم تكن هناك خطة أخرى مطروحة على الطاولة من محيطنا العربي لتوحي بإمكانية التوصل إلى حل". وأضاف "نؤمن بقوة بحقوق القضية الفلسطينية وبحقوق الفلسطينيين، لذلك اتّخذنا الخطوة بما يتّفق مع هذه المعتقدات الراسخة بعمق، ولكن أيضا وفقا للقراءة الجديدة للمنطقة".
وأوضح غباش "نحن الآن في عام 2020، أي أن 18 سنة مرت ولم نشهد أي نتيجة من مبادرة السلام العربية. نعتقد أن الطريقة التي يجب أن نتعامل بها مع هذه الأسئلة هي من خلال الحوار والتواصل".
في عزلة
وتبدو القيادة الفلسطينية وكأنها في عزلة عربية ودولية بعد الاتفاق الإسرائيلي - الإماراتي، وفي ظل رفضها خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام التي نصت على ضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية.
وبعد ساعاتٍ من الاتفاق، أكد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، في اتصال هاتفي برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، دعمه إياه في رفض الإعلان الثلاثي، مشيراً إلى أن "موقف عباس مُعبر عن الشعب الفلسطيني كله". وأكد هنية لعباس استعداد حماس "لأي تحرك مشترك تحت قيادة الرئيس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
موقف مختلف
وعلى الرغم من إدانة الفصائل الوطنية والإسلامية كافة للاتفاق الثلاثي، إلا أن تيار "الإصلاح الديمقراطي" في "حركة فتح" الذي يتزعمه النائب المفصول من الحركة محمد دحلان أصدر بياناً أشاد فيه "بالدور التاريخي للإمارات العربية المتحدة في دعم صمود شعبنا وثورتنا، ومساندتها الدائمة لشعبنا في نضاله من أجل الحرية والاستقلال".
وشدّد البيان على أن دولة الإمارات "ستراعي دوماً مصالح الشعب الفلسطيني العليا عبر توظيف علاقاتها في إطار إستراتيجيةٍ تهدف إلى التخلص من الاحتلال، والضغط المباشر على الإدارة الأميركية وغيرها لإنهاء مخطط الضمّ بالكامل، واستبدال خطة ترمب للتسوية بقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية". لكن البيان عبّر عن الأمل في التزام الدول العربية كافة بمبادرة السلام العربية التي تدعو "إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الأراضي العربية المحتلة قبل تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل".
ورأى مدير مركز "مسارات" هاني المصري إن "شدّة لهجة الرفض الفلسطيني للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الأميركي تعود إلى العجز وعدم الرغبة في اتخاذ خطوات فعلية"، مضيفاً أن "العلاقة السيئة بين عباس وقادة دولة الإمارات ساهمت بذلك وبسبب وجود دحلان في أبو ظبي". وأضاف أن "الموقف الفلسطيني الداعي إلى التسوية السياسية مع إسرائيل على الرغم من رفضها السلام والاعتراف بإسرائيل، واستمرار الانقسام الوطني، كلها عوامل شجعت الإمارات على اتخاذ تلك الخطوة"، مشيراً إلى أن "القيادة الفلسطينية بحاجة إلى تغيير جذري في إستراتيجيتها حتى يكون لديها رد فعلٍ قويٍ".
ولفت هاني المصري إلى أن "السلطة الفلسطينية تعمل على العودة إلى المفاوضات شرط وقف خطة الضمّ. وهي بذلك لا تختلف عن الإمارات إلا أن الأخيرة كانت مستعجلة أكثر". واعتبر أن "السلطة الفلسطينية تتبع نهج الانتظار حتى الانتخابات الرئاسية الأميركيةِ في ظل عدم وجود رؤيةٍ شاملة ومباردةٍ إلى الفعل".
كما رأى المحلّل السياسيّ جهاد حرب أن "الإعلان الثلاثيّ يحشر القيادة الفلسطينية في زاوية التخلي العربي عن القضية الفلسطينية"، متوقعاً اندلاع صدام بين الدول العربية بشأن الموقف من الصراع العربي - الإسرائيلي. وقال حرب إن "اتخاذ مواقف متشنّجة في العلاقة الفلسطينية - الإماراتية لن يفيد الشعبين الشقيقين الفلسطيني والإماراتي، وروابطَ الأخوّةِ القائمةَ على عروبةِ مواقفِ الشيخ زايد وحنكةِ الرئيس الفلسطينيّ الراحل ياسر عرفات".