حوَّلت الإدارة العامَّة للسجون الجزائرية رجُلَي الأعمال علي حداد ومحيي الدين طحكوت، اللذين يقضيان عقوبة سجن طويلة، إلى "مؤسستين عقابيتين" شرق البلاد، في قرار يُعتقد أنه "تأديبي"، وفق مصادر قضائية، وذلك في اليوم نفسه الذي توعَّد فيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رجال مال من أنصار "الثورة المُضادة"، كما سمَّاهم، مشيراً إلى ربط علي حداد لعلاقات مالية مع "لوبي أميركي" للدفاع عن مصالحه.
وأعلنت إدارة السجون، وهي مؤسسة تتبع وزارة العدل الجزائرية، عن "تحويل المحبوس علي حداد، الذي يقضي عقوبة 18 سنة سجناً نافذاً في قضايا ذات الصلة بالفساد، من سجن الحراش في الجزائر العاصمة إلى سجن تازولت بباتنة (400 شرق العاصمة)". وأضافت "تمَّ أيضاً تحويل المحبوس محيي الدين طحكوت، المحكوم عليه بـ16 سنة سجناً نافذاً في قضايا مُماثلة من المؤسسة العقابية بالقليعة قُرب العاصمة إلى المؤسسة العقابية لبابار بولاية خنشلة (500 شرق العاصمة)، مضيفة أن "إجراءات التحويل تأتي عقب الحُكمين القضائيين الأخيرين الصادرين عن محكمة سيدي امحمد خلال شهر يوليو (تموز) الماضي".
قرار قانوني لكنه تأديبي
من الناحية القانونية يُشير المحامي، الهادي بهلولي، لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن "المؤسسة القضائية في الجزائر تعتمد إجراءات تحويل لأصحاب المحكوميات الطويلة، وسبق خلال شهر فبراير (شباط) الماضي مُساءلة وزير العدل بلقاسم زغماتي عن دواعي نقل مساجين إلى مناطق بعيدة عن مقر سكنهم، وأجاب أن الأمر يتصل بطبيعة الأحكام"، مضيفاً "في حالة حداد وطحكوت أتصوَّر أنه إجراء تأديبي، لا سيما أن رجُلَي الأعمال ينتظرهما استئناف الأحكام على مستوى مجلس قضاء الجزائر الشهر المقبل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويستأنف مجلس قضاء العاصمة مُحاكمة علي حداد في الثاني من سبتمبر (أيلول)، في حين يُبرمج استئناف طحكوت بعد أسبوعين. حينها ستقوم إدارة السجون بنقل السجينين طيلة تلك المسافة لغرض المحاكمة، ثم إعادتهما في حال الإبقاء على عقوبة السجن في حقهما، مع الإشارة إلى أن القضاء حكم أيضاً بمصادرة جميع ممتلكاتهما وممتلكات عائلتيهما.
لوبي أميركي
إن كان الأمر متصلاً بفعل تأديبي، فإنه لا شيء تسرَّب بخصوص نقل محيي الدين طحكوت إلى سجن بخنشلة، في حين يُعتقد أن لتحويل علي حداد إلى باتنة، علاقة بتحقيق على أعلى مستوى يقوده القضاء الجزائري حول مزاعم عن تواصل مقربين من السجين بـ"لوبي" في الولايات المتحدة الأميركية مقابل عشرة ملايين دولار.
وظل الأمر مُجرَّد مزاعم أعلن القضاء بدأ التحقيق فيها إلى غاية تأكيد الرئيس الجزائري، نفسه، وجود اتصالات بين حداد من سجنه بالحراش في الضاحية الشرقية للعاصمة، ومقربين منه خارج البلاد. وذكر تبون هذه التفاصيل حينما كان يُخاطب محافظي الولايات الأربعاء الماضي عما سمَّاه "ثورة مُضادة".
قال تبون "إن حملة مُعاقبة المسؤولين المُتقاعسين ستتواصل، أرفض تحجُّج بعض المسؤولين بعدم المُغامرة في اتخاذ القرارات، خوفاً من دخول السجن. حذارِ، حذارِ. الأمور ليست بهذه البساطة، فهناك قوى الشر التي تستهدف ضرب استقرار البلاد والدخول في أجندة قوة معروفة. هناك متواطئون ما زالوا يتطلعون إلى إثارة الفوضى". وفي السياق نفسه، تحدَّث تبون عن قيام البعض (يُرجَّح أن يكون رجل الأعمال المسجون علي حداد) بالتحرك، وهم من كانوا بالأمس يتلاعبون بالملايين، هم الآن في السجن، ومئات ملايين الدولارات الخاصة بهم تتوزَّع في الخارج، من أخرج تلك الأموال؟ من أعطى الأمر أو أوصل هذا الأمر؟ نحن لهم بالمرصاد، ولن نتراجع".
وفي وقت سابق، أعلن مجلس القضاء في الجزائر فتح تحقيق في شُبهة تمويل بعشرة ملايين دولار من قبل رجل الأعمال السجين علي حداد، لشركة تعمل في دوائر الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وقالت الوكالة الجزائرية الرسمية للأنباء، إن النيابة العامة لدى مجلس القضاء أعلنت فتح تحقيق ابتدائي إثر ما تداولته صحف وطنية من معلومات حول موضوع عقد، يُعتقد أن ممثلين عن المتهم علي حداد أبرموه مع شركة أميركية أسسها شخص في دوائر الرئيس ترامب، وكان مُستشاراً لحملته الرئاسية. وأضاف النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر العاصمة أن التحقيق يهدف إلى الوقوف على الظروف التي تمَّت فيها هذه الصفقة، وتحديد الهدف الحقيقي منها.
محيط ترمب؟
تداولت وسائل إعلام في الفترة الأخيرة خبراً مفاده أن رجل الأعمال علي حداد، المسجون حالياً في قضيتي فساد، قد استعان بروبرت ستريك، وهو رجل أعمال مقرب من ترمب، وعمل مُستشاراً له، لمُمارسة ضغوط على السلطات الجزائرية.
وبحسب الموقع الأميركي "فورن لوبي" المتخصص في "اللوبيات"، فإن العقد جرى توقيعه في 26 يوليو (تموز) الماضي، ويمتد حتى 25 يوليو 2021، ويتضمن تقديم خدمات استشارية تجارية وشخصية لمجمع شركات حداد من قبل مجموعة "سونوران العامة"، وذكر الموقع أن العقد وقَّعته من سمَّتها "صابرينا بن"، التي قال إنها مستشارة حداد في باريس.
وبحسب الموقع، فإن العقد مسجل باسم مؤسس الشركة روبرت ستريك، والرئيس التنفيذي كريستيان بورغ. وكان ستريك مُستشاراً في الساحل الغربي لحملة دونالد ترمب عام 2016، وبحسب الموقع لم يرد ستريك ولا سونوران على استفساراته حول طبيعة عملهما مع حداد.
وتُحرج أخبار تنقل أموال "العصابة" بمفهوم السلطة، الرئاسة الجزائرية على وجه الخصوص، وهي التي ترافع منذ انتخاب تبون لهدف "استرجاع الأموال المنهوبة"، وهذه المُعطيات الجديدة كشفت عن وجود مُمتلكات متحركة في الخارج مع حرية التصرف فيها مقابل قصر الآليات القانونية الثنائية مع بلدان أوروبية في التعامل سريعاً مع ممتلكات رجال الأعمال المسجونين والمُسجَّلة خارج البلاد.
ويُفيد الباحث الجزائري المُقيم في فرنسا محمد الهادي وجَّاني لـ"اندبندنت عربية"، بأن "المُقلق في هذه المزاعم حول حداد ليس حرية التصرف في الأموال من قبل بعض مُستشاريه فقط، أعتقد أن الأكثر إيلاماً بالنسبة للسلطات الجزائرية هو توجُّه حداد إلى محيط مؤثر في القرار الأميركي، وهناك سوابق تشير إلى ضعف التعاون الأميركي مع القضاء الجزائري في قضية وزير الطاقة السابق شكيب خليل".
ويتابع "هذا النوع من الضغوط لا يُحل في العادة بطبيعة العلاقات الدبلوماسية الثنائية، أو بتحقيق قضائي، الأمر باعتقادي مكفول إلى السفارة الجزائرية في واشنطن وطبيعة تنفذها هناك في مُحاصرة ما يمكن بناؤه كخطة للتأثير على السلطات الجزائرية".