ملخص
يرفض المسؤولون في حكومة تصريف الأعمال السورية أي دور لإيران في مستقبل سوريا على الإطلاق، بينما يتجنبون الحديث عن النفوذ التركي ويتحدثون عن أهمية دعم أنقرة لدمشق في المرحلة الانتقالية والاعتراف الدولي وإعادة الإعمار.
في لقاء طغى عليه الود وربما يحمل في طياته مشاعر "الشماتة" يصافح قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في دمشق.
ويتحدث الشرع أمام جنبلاط الذي يزور سوريا للمرة الأولى منذ اندلاع ثورة 2011، فيوجه حديثه إلى "المنطق" ويقول "ما علاتنا نحن أهل الشام بأحداث حصلت قبل 1400 سنة"، في إشارة للرد على التصريحات السابقة للمرشد الإيراني علي خامنئي الذي قال إن "المعركة بين الجبهة اليزيدية والجبهة الحسينية مستمرة".
لم يكن هذا التصريح لأحمد الشرع هو الأول الذي يهاجم فيه إيران، فمنذ الساعات الأولى لدخوله إلى دمشق تحدث من داخل المسجد الأموي عن "الدور الطائفي الذي لعبته إيران في سوريا".
وليس الشرع وحده، بل وزير خارجيته المعين حديثاً أسعد الشيباني الذي قال في تغريدة نشرها على حسابه عبر منصة "إكس" إنه "يجب على إيران احترام إرادة الشعب السوري وسيادة البلاد وسلامته، ونحذرهم من بث الفوضى في سوريا ونحملهم كذلك تداعيات التصريحات الأخيرة".
جاءت تصريحات الشيباني بعد تحذيرات أطلقها نائب الرئيس الإيراني ووزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف من اندلاع حرب أهلية شاملة في سوريا، وذلك خلال مبادرة طرحها تدعو لحوار بين دول المنطقة بما يشمل الحكومة السورية الجديدة، وأيضاً قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إنه "من المبكر الحكم الآن، فهناك عديد من العوامل المؤثرة التي ستحدد مستقبل سوريا".
ومن جهته توقع خامنئي ظهور ما سماها "قوة شريفة في سوريا" ستقوم بطرد إسرائيل، وبالنتيجة كان مسؤولو سوريا الجدد يردون سلباً على أي تصريح يصدر من إيران، ويطالبونها بالكف عن التدخل بأدنى مسألة تتعلق بسوريا والسوريين.
في المقابل، هناك قوة أجنبية إقليمية أخرى وهي تركيا التي يزور مسؤولوها سوريا كل عشية وضحاها منذ سقوط نظام الأسد، ويتحدث المسؤولون الأتراك عن ازدهار اقتصادي مقبل في سوريا وإعادة إعمار، ثم يوجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جميع مؤسسات بلاده بالعمل مع نظيراتها السورية.
وتقود تركيا جهوداً دبلوماسية لجلب اعتراف دولي بالأمر الواقع في سوريا، فيما اجتاحت الليرة التركية أسواق دمشق، وفتحت الحدود السورية التركية على مصراعيها أمام عودة اللاجئين وتدفق البضائع وغيرها، ثم تحدث وزير النقل التركي عبدالقادر أورال أوغلو عن رغبة بلاده إبرام اتفاق مع الحكومة السورية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
وبالعودة إلى دمشق لم يصدر عن أحمد الشرع أو مسؤولي حكومته أي رد أو تصريحات تجاه تركيا أو التدخل التركي الكبير في سوريا، وهنا يُطرح السؤال "لماذا يرد الشرع على إيران ولا يرد على تركيا؟".
يجمع مراقبو الشأن السوري على أن علاقة الشرع بتركيا تختلف جذرياً عن علاقته وإيران، وبينما يبرر بعض تقارب الشرع من تركيا كونها ساعدت في إسقاط الأسد، وتسعى إلى الحصول على اعتراف بالحكومة الجديدة، يتهمه آخرون بـ"تنفيذ مخططات خارجية" في إشارة إلى مزاعم "مؤامرة أميركية - إسرائيلية - تركية"، وبينما يقول الأتراك إنهم يدعمون سيادة ووحدة واستقرار سوريا يرى مقربون من طهران أن المرشد الإيراني "توقع حصول الفوضى لكنه لم يدع لها، بل دعا للحفاظ على سيادة سوريا".
أصدقاء خارج سوريا
الباحث في الشأن السياسي التركي أحمد أتاجان يقول في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إن "المقارنة بين تركيا وإيران في سوريا لا تصح بأية صورة من الصور، فتركيا وإيران متجاوران وحليفان على الصعيد الاقتصادي والسياسي، لكن في ما يتعلق بالملف السوري فهما متناقضان تماماً، ولا ننسى أن هناك دوراً لإيران في منع الرئيس السوري السابق بشار الأسد من التعاون مع تركيا".
وتابع أتاجان "لذلك دعمت أنقرة الأحداث التي حصلت أخيراً في سوريا وأسفرت عن سقوط نظام ’البعث‘، وحتى لو قالوا في التصريحات الرسمية إن تركيا لم تتدخل في الأحداث الأخيرة أظن أن السوريين يعرفون أن لتركيا دوراً مهماً في سقوط النظام، ولذلك بعضهم يدين بالفضل إن صح التعبير لتركيا، وسعى المسؤولون في أنقرة إلى مساعدة سوريا خلال المرحلة الانتقالية، والحكومة السورية الحالية تدعم هذا".
وأوضح الباحث "يمكننا اختصار الأمر بالقول إنه كما أن إيران كانت في سوريا بموافقة الحكومة السابقة فإن تركيا موجودة في سوريا بموافقة الحكومة الحالية، لذلك لم نسمع تصريحات من أحمد الشرع أو من حكومة تصريف الأعمال ضد تركيا".
ولا يتفق الكاتب والباحث المتخصص في الشأن الإيراني حكم أمهز مع هذا الطرح، ويقول إن "الحكام الجدد في سوريا يركزون استهدافهم على الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع أنها خرجت من سوريا، وهي عندما دخلت إلى سوريا كان بطلب رسمي من الحكومة السورية الشرعية السابقة التي كان يترأسها الرئيس السابق بشار الأسد وكان الهدف نقطتين أساسيتين، هما تأمين الممر الأساس للأسلحة لكي تبقى المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، والأمر الثاني هو مواجهة الإرهاب الذي ضرب سوريا وحتى الآن لا تزال في سوريا جماعات مصنفة على قائمة الإرهاب الأميركية والأوروبية".
وتابع أمهز القول "عملياً إيران لم تضع هذه الجماعات على قائمة الإرهاب حتى إنها الآن لا تستخدم في مصطلحاتها الإعلامية تسميات الإرهاب وما إلى ذلك، بل تستخدم مصطلح ’هيئة تحرير الشام‘ كما يسمون أنفسهم، ولكن المستغرب أنه على رغم أن إيران خرجت يقولون إنهم قطعوا يد طهران عن سوريا وقطعوا نفوذها ولم يعد لديها أي نفوذ، وفي المقابل يقولون إن إيران تتدخل في الشأن السوري".
تصريحات محرفة
ويضيف الباحث الإيراني أنه "تم تحريف تصريحات المرشد الأعلى عن قصد أو غير قصد، ويقولون إنه دعا الشباب السوري الشريف لمواجهة الحكام الجدد، مع العلم أن النص الحرفي لما قاله المرشد هو التالي ’نتوقع أن تظهر مجموعة قوية وشريفة في سوريا، فالشباب السوري ليس لديه ما يخسره اليوم، فمدارسهم وجامعاتهم وبيوتهم وشوارعهم غير آمنة، لذلك هم قادرون على الوقوف في وجه المخططين والمنفذين‘، المخططون هنا معروفون لدى الجميع فهم ليسوا الحكام الجدد لسوريا إذ إنهم مجرد أدوات ليس أكثر، فالمرشد يرى أن الشباب السوري قادر على الوقوف في وجه الفوضى بقوة إرادته، وبمقدوره التغلب عليهم".
ويوضح أمهز حديث المرشد الإيراني عندما قال إن "مجموعة من مثيري الفوضى بمساعدة وتخطيط حكومات أجنبية تمكنت من استغلال نقاط الضعف الداخلية في سوريا وجرها إلى الفوضى"، لافتاً إلى أن هذا التصريح هو الموقف الإيراني الرسمي، إذ تقف إيران إلى جانب الشعب السوري ليقرر مصيره من دون التدخلات الخارجية، لكن على رغم ذلك لا يزال الحكام الجدد يحاولون أن يخلقوا للشعب السوري عدواً، إذ وجهوا الشعوب العربية والإسلامية إلى أن العدو الأساس هو إيران وليس إسرائيل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتساءل البحث قائلاً "إذا كان هؤلاء أخرجوا إيران من سوريا لماذا يلاحقونها ويوجهون لها الاتهامات؟ أليس الأحرى بهم أن يتحدثوا عن الأطراف الأخرى اللاعبة في الأرض السورية، وماذا عن الإسرائيليين الذين اجتاحوا مساحات كبيرة ووصلوا إلى أطراف دمشق؟ لم نسمع موقفاً يتحدث عن هذه الانتهاكات، بل على العكس قالوا إنهم لا يريدون صراعاً مع إسرائيل، وهذا موقف صادم للأمة العربية والإسلامية، وهناك أيضاً القوات الأميركية الموجودة في سوريا التي تدعم (قسد) لماذا لم يعلن موقف منهم".
ويقول أمهز "أعتقد أنهم لا يتجرؤون على اتخاذ موقف من إسرائيل أو الولايات المتحدة لكنهم يتجرؤون على توجيه الاتهامات لإيران، وبالنسبة إلى تركيا فإن علاقتها مع الحكام الجدد لسوريا ممتازة، لكن الأتراك يتحملون مسؤوليات كبيرة عما جرى في سوريا خلال الفترة الماضية لأن الأتراك كانوا ’الكندور اللوجيستي‘ لكل الجماعات التي دخلت سوريا حتى الأجنبية منها مثل الشيشان أو الأوزباكستان أو غيرهما، واليوم يتحدثون عن ترسيم الحدود بين البلدين ولم نسمع موقفاً من الحكام الجدد في ما يتعلق بهذه الأمور".
عداء عقائدي ومصالح جيوسياسية
أكاديمي سوري في جامعة دمشق فضل عدم الكشف عن اسمه يقول إن "أحمد الشرع يتبنى مواقف وتصريحات مختلفة بناء على المصالح السياسية والجيوسياسية، ولفهم سبب استهدافه لإيران بينما يتجنب الرد على تركيا يمكن تحليل الموضوع من عدة زوايا، أهمها العلاقة الأصلية بين ’هيئة تحرير الشام‘ وإيران والمبنية في الأساس على العداء العقائدي، إذ إن الهيئة تعد إيران عدواً عقائدياً وسياسياً، وترى أن الدور الإيراني في سوريا يرتبط بدعم نظام بشار الأسد والجماعات الشيعية المسلحة".
وأكد المتحدث أن إيران تمثل أحد الأطراف الأساس التي ساعدت النظام السوري عسكرياً وسياسياً خلال الصراع، وهو ما يجعلها هدفاً دائماً لخطاب الشرع، وحتى لو تم الابتعاد من العامل الطائفي هناك عداء عسكري، فخلال أعوام الهدوء الأربعة الأخيرة في سوريا كانت الميليشيات الإيرانية هي التي تستهدف مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب، ومع انطلاق معركة "ردع العدوان"، كان من أول قتلاها العميد في الحرس الثوري الإيراني كيومرث بورهاشمي الذي قتلته الهيئة في حلب خلال ثاني أيام العملية، وفق قوله.
ويوضح الأكاديمي السوري أن "العلاقة مع تركيا مختلفة كلياً فهي ليست جديدة، إذ كانت ’هيئة تحرير الشام‘ تتمركز سابقاً في شمال غربي سوريا، وكانت تتعامل مع تركيا على أساس الاعتماد الاستراتيجي، وكان لأنقرة نفوذ عسكري في مناطق سيطرة الهيئة التي كانت تعتمد بصورة غير مباشرة على أنقرة لضمان استمرار الوضع الذي كان قائماً في إدلب ومنع النظام السابق حينها من شن عملية عسكرية أو تكثيف القصف".
وأضاف " في المقابل يحاول الشرع خلق توازن دبلوماسي، فهو يدرك أهمية عدم التصعيد مع تركيا التي تملك قوة عسكرية كبيرة، كما أن مصالحه تلتقي مع مصالح أنقرة التي بسطت نفوذها في سوريا على أنقاض النفوذ الإيراني".
وتابع "يمكننا القول إن تركيا حصدت ما زرعته إيران، وعلى رغم التباين الأيديولوجي بين تركيا وهيئة تحرير الشام، هناك تلاق في المصالح ولو موقت، وأيضاً من الأسباب الأخرى التي تدفع الشرع للتصعيد ضد إيران هو دعاية إعلامية، إذ إن عداء إيران مطلب لدى شريحة واسعة من السوريين وهذا لا ينطبق على تركيا، فضلاً عن الموقف العربي الرافض للتغلغل الإيراني وخطط التغيير الديموغرافي التي نفذتها إيران في سوريا وفشلت بها".
وفي المحصلة، تحتاج الحكومة السورية الجديدة للدعم التركي بمختلف أنواعه لتستطيع النهوض بسوريا بعد حرب مزقتها، ومن جانب آخر لا يشكل التدخل التركي خطراً طائفياً أو ديموغرافياً، فتتقاطع مصالح تركيا مع مصالح الحكومة السورية الجديدة، لذلك لم يرد المسؤولون السوريون على أي تصريح تركي، أما بالنسبة إلى إيران فينظر إليها في سوريا على أنها عدو ومصدر يشكل خطراً على مستقبل البلاد، لذلك يكرر المسؤولون في دمشق تصريحاتهم الرافضة لأي تدخل إيراني مهما صغر، وهذا من شأنه أيضاً أن يساعد في منح الحكومة الجديدة اعترافاً عربياً ودولياً.