أعاد قرار رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج ورئيس مجلس النواب صالح عقيلة، وقف إطلاق النار وتبنّي حوار "جامع" يفضي إلى وضع حدٍّ للأزمة التي تمرّ بها البلاد منذ 2011، الأمل إلى الشعب الليبي ودول الجوار، بعد تخوّف من انفجار أمني يدخل المنطقة في دوّامة الفوضى.
وفي وقت كان الجميع يترقّب دخول الأفرقاء الليبيين في حرب ضروس على مشارف سرت، أعلن كل من السراج وعقيلة، في بيانَيْن متزامنَيْن، الوقف الفوري لإطلاق النار. وذكر بيان السراج أنّ "وقفاً فعلياً لإطلاق النار يقتضي أن تصبح منطقتا سرت والجفرة منزوعَتَيْ السلاح، وتقوم الشرطة من الجانبين بالاتفاق على الترتيبات الأمنية داخلها"، إضافةً إلى "إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال مارس (آذار) 2021، وفق قاعدة دستورية مناسبة يتم التوافق عليها بين الليبيين". بينما اعتبر بيان رئيس مجلس نواب طبرق أن "وقف إطلاق النار يجعل مدينة سرت مقرّاً مؤقتاً للمجلس الرئاسي الجديد، يجمع كل الليبيين ويقرّبهم، وتقوم قوة شرطية أمنية رسمية من مختلف المناطق بتأمينها تمهيداً لتوحيد مؤسسات الدولة".
الموقف التركي
ويصف عضو مجلس الأمة الجزائري عبد الوهاب بن زعيم القرار بـ"التطوّر اللافت في المشهد الليبي"، مشيراً في حديث لـ"اندبندنت عربية" إلى أنّ "للجزائر بصمة في التوصّل إليه، على اعتبار أن الرئيس عبد المجيد تبون كان واضحاً أتمّ الوضوح حين تمسّك بالحوار وحذّر من صوملة ليبيا". ويعتقد بن زعيم أن "أنقرة لم تتراجع، ولكن أيقنت أن الحلّ العسكري لن يفيدها، بل على العكس، يجعلها تخسر كثيراً، بينما في حالة الحوار سيكون لها جزء كبير في بناء ليبيا وإعمارها".
ويرى القيادي السابق في حزب تحالف القوى الوطنية الليبي خالد بوزنين في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "كل المخرجات كانت بضغط أميركي خوفاً من استمرار توغّل الروس"، ملاحظاً أن "هناك توافقاً بين مصر والجزائر حول تسوية الملف الليبي". ويضيف أن "موقف الجزائر كان واضحاً منذ فترة ويرتكز على ضرورة الالتقاء حول طاولة الحوار، وقد دعت الأطراف الليبية في مرات عدّة إلى المصالحة، إذ إنّها لم تتَّخذ موقفاً مع أو ضد، بل تمسّكت بالحلّ السياسي وإبعاد التدخلات". ويختم أن "مستقبل الوضع في ليبيا لا يزال غير واضح، لكن هناك بوادر اتفاق تلوح في الأفق".
تطبيق الاتفاق السياسي بأسرع وقت
في المقابل، أعطى وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا إشارات إيجابية حول القرار المُتَّخذ من الجانبين المتخاصمين، قائلاً إنّ "اتفاق وقف إطلاق النار برعاية ودعم الدول الشقيقة والصديقة مكسب وطني يستحقّ الإشادة، ونتطلّع إلى تطوير التعاون، ونستطيع جميعاً تحقيق مستقبل مزدهر بروح وطنية تجمع الحلفاء والأشقاء للعمل سوياً مع ليبيا". وشدّد على أن "موقف الجزائر الداعم للسلام في بلادنا محلّ تقدير واعتزاز، ونتطلّع إلى دور فعال لها للدفع بعملية السلام والوفاق في ليبيا".
وأعلنت وزارة الخارجية في حكومة الوفاق أن وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره الليبي محمد الطاهر سيالة، كاشفةً عن دعوة الطرف الجزائري إلى ضرورة تطبيق الاتفاق السياسي بأسرع وقت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورحّبت الجزائر في بيان لوزارة الخارجية، بإعلان الأطراف المتنازعة في ليبيا عن وقف إطلاق النار وتفعيل العملية السياسية، عبر حوار جامع يفضي إلى إنهاء الأزمة في البلاد. وجاء في البيان، "تسجّل الجزائر بارتياح هذه المبادرة التوافقية التي تعكس إرادة الإخوة الليبيين في تسوية الأزمة وتكريس سيادة الشعب الشقيق".
وذكرت الجزائر أنه "بحكم الروابط التاريخية والجغرافية التي تجمعها مع الشعب الليبي الشقيق، كانت قد سعت منذ بداية النزاع إلى التحرّك على جميع المستويات الإقليمية والدولية لإيقاف النزيف في ليبيا والحدّ من مخاطر الأزمة على أمن المنطقة واستقرارها". ودعت بالتنسيق مع دول الجوار وبرعاية الأمم المتحدة، إلى "حوار شامل ومن دون إقصاء بين مختلف الأفرقاء في ليبيا من خلال الانخراط في مسار الحلّ السياسي بما يضمن وحدة الدولة الشقيقة واستقرارها والقرار السيّد لشعبها".
خيبة أردوغان وتحذيرات
في السياق ذاته، اعتبر الناشط السياسي أسامة لبيد في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "القرار يعكس إرادة الإخوة الليبيين في تسوية الأزمة وتكريس سيادة الشعب الشقيق"، قائلاً إن "الإعلان عن وقف إطلاق النار في ليبيا، خيبة أمل للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يعبث في الأراضي الليبية ويقطع الطريق أمام التدخّلات الأجنبية". وأشار إلى أنّ من النقاط المهمة التي نصّ عليها الإعلان "رحيل جميع القوات الأجنبية والمرتزقة"، مضيفاً أن "وقف العمليات العسكرية والعودة إلى الحوار، مع استئناف إنتاج النفط وتصديره، خطوات مهمة من أجل الوصول إلى حلّ سياسي ينهي الأزمة".
وأعربت الإعلامية الليبية عفاف الفرجاني في حديث لـ"اندبندنت عربية"، عن اعتقادها بأنّ "قرار وقف إطلاق النار يبقى نوعاً من المبادرات الدولية، وإمكانية قبولها من الطرفين والالتزام بها ما زالا رهن التطبيق الفعلي"، موضحةً أن "وقف إطلاق النار جاء ليخدم المصالح الأجنبية وأوّلها الأميركية الداعمة الحقيقية لأنقرة والاتحاد الأوروبي، خصوصاً أن الولايات المتحدة على موعد مع الانتخابات الرئاسية، إضافةً إلى الوضع الاقتصادي السيّء الذي تمرّ به تركيا جراء أزمة كورونا، وتورّطها في حرب ليبيا التي ظنّت أنها نموذج مكرّر من العراق وسوريا".
وأضافت أن "تركيا تراجعت لأنها تورّطت في ليبيا، وكانت حساباتها خاطئة بقياسها على الحالتين السورية والعراقية"، مشيرةً إلى أن لليبيا خصوصية جعلت أنقرة تستنزف أموالاً ومرتزقة من دون أن تحقّق مبتغاها، على اعتبار أنها لا تملك قاعدة شعبية في البلاد إلّا من مناصريها من الميليشيا. وهم أنفسهم مرفوضون من الشعب الليبي". وختمت الفرجاني أن "الجزائر ترحّب بالحلّ السياسي الذي يخدم الأزمة الليبية، وهي جارة تعتبر عمقاً استراتيجياً لليبيا، حيث أن أي قلاقل أمنية تضرّ الجزائر بشكل مباشر، وموقفها ثابت وليس جديداً، فقد نادى رئيسها في أكثر من مناسبة بالحلّ السياسي".