ملخص
في كتابه "الهلال الأسود: تجربة المسلمين الأفارقة وإرثهم في الأميركتين" (المركز القومي للترجمة/ ترجمة زكريا صادق الرفاعي) يكشف الباحث الأميركي مايكل أ. جوميز عن أن المسلمين الأفارقة الذين تم جلبهم إلى المناطق الأنغلوفونية في كل من الكاريبي وأميركا الشمالية، حملوا معهم كثيراً من آرائهم وقيمهم الإسلامية، مما جعلهم يرسخون ثقافة جديدة في تلك المناطق.
وصل كريستوفر كولومبوس إلى أميركا عام 1492، ومعه بحارة مسلمون، أجبروا على اعتناق المسيحية، إلا أن الإسلام ظل حياً في وجدانهم على الأرجح. ولحق بهؤلاء المستعبدون الأفارقة، وبعضهم كانوا أيضاً مسلمين. وتزايد عدد المسلمين الأفارقة الذين نقلوا إلى الأميركتين خلال القرن الـ19. كانوا أكبر عدداً وأكثر تنظيماً في البرازيل والكاريبي، مما كانوا عليه في الولايات المتحدة. وفيما لاقى هؤلاء في الكاريبي وأميركا اللاتينية والبرازيل القمع السياسي العنيف وحملات متتالية لإعادتهم إلى غرب أفريقيا، فإن الجاليات المسلمة في الولايات المتحدة عانت في صمت واستطاعت النجاة موقتاً حتى بداية القرن الـ20، حينما صعد الإسلام مجدداً بفضل شعارات القوميين.
كان الزعماء الأوائل للحركات الإسلامية قادرين على المزج بين المطلقات الغيبية وشعارات القوميين. ويؤكد مايكل أ. جوميز، أستاذ التاريخ الأفريقي ودراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية في جامعة نيويورك وأحد رواد دراسات الشتات الأفريقي، في كتابه "الهلال الأسود: تجربة المسلمين الأفارقة وإرثهم في الأميركتين" (المركز القومي للترجمة/ ترجمة زكريا صادق الرفاعي) أن المسلمين الأفارقة الذين تم جلبهم إلى المناطق الأنغلوفونية في كل من الكاريبي وأميركا الشمالية، حملوا معهم كثيراً من آرائهم وقيمهم. وكافأهم الإنجليز لاختلافهم عن الأفارقة الآخرين، في كونهم كانوا أقل تمرداً على أوضاعهم، بمطالبات أقل في العمل ومن ثم تلقوا مستوى عالياً من التدريب في الأعمال المهنية التي شاركت بالضرورة في وصول المجتمعات المتحدرة من أصول أفريقية إلى طبقة مميزة، وهكذا فرض المسلمون أنفسهم على أرض الواقع بوصفهم مشرفين وموجهين، على نحو ما كان عليه محمد كعب، في جامايكا، وبلالي وصالح بلالي في الجزر البحرية لجورجيا. وكان للمسلمين في جامايكا وترينداد أملاكهم الخاصة، وكان منهم ملاك للعبيد. وكان للمسلمين، على ما يبدو، امتيازاتهم في سانت دومنغو التي حكمت من جانب قوى أوروبية أخرى ليس لديها تاريخ حربي طويل مع القوى الإسلامية.
وجود مبكر
الكتاب صدر بالإنجليزية عام 2005 عن دار نشر جامعة كامبريدج، ويتألف من قسمين، توزعت عليهما تسعة فصول. تضمن القسم الأول خمسة فصول شملت عديداً من القضايا، منها طبيعة الأقليات العرقية التي جلبت إلى الأميركتين وكانت في معظمها من غرب أفريقيا، ومن بينهم مسلمون. ولاحظ المترجم أنه على رغم مما لحق بكثير من الوثائق المتعلقة بتجارة العبيد عبر الأطلسي من دمار متعمد من جانب بعض الدول، فإن المؤلف تمكن من استحضار الوجود الإسلامي في الكاريبي، في جامايكا وترينداد وسانت دومنيغو وباهيا. كما رصد الوجود الإسلامي المبكر في نيويورك من خلال نشاط شركة الهند الغربية الألمانية. ورصد المؤلف تركز الوجود الإسلامي في أميركا الشمالية بأعداد كبيرة على امتداد شواطئ جورجيا وجنوب كارولاينا وتجربة المسلمين في الحفاظ على تراثهم جيلاً وراء جيل. كما قدم في ذلك القسم معلومات جديدة عن أسلاف المسلمين عموماً وما تعلق ببعض الجماعات مثل "الميلوغوس" و"الإشماعيلتس" على نحو خاص، وقد اعتبرهما مثالاً حياً على استمرارية الإرث الإسلامي المبكر.
وافتتح المؤلف القسم الثاني بفصل عن حياة نوبل درو علي، ووضع يده على العناصر الفكرية المتباينة والمتناقضة لديه وردها إلى أصولها مثل آراء جمعية "الصليب الوردي" والماسونية، كما عرض لزعمه النبوة الذي يتعارض مع صحيح الإسلام، ورأى أن مالكوم إكس كان له دور أكثر فاعلية من علي. كما نبه المؤلف – بحسب ما ورد في مقدمة المترجم في - إلى فكرة التوظيف الأيديولوجي للفكر الديني آنذاك من جانب دعاة القومية والجامعة الأفريقية لضمان الحشد والتأييد لهم بين جماعات السود المختلفة، وسعيهم إلى تقديم هوية بديلة، حتى إن بدت في جوهرها مجرد أسطورة موغلة في القدم في محاولة للقفز على العنصرية السائدة وتجاوزها.
ولاحظ المترجم زكريا صادق الرفاعي، وهو أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة المنصورة (شمال مصر) أن المؤلف بالغ في وصف نوبل درو علي بأنه "مؤسس الإسلام المعاصر". وأشار في هذا الصدد إلى أنه على رغم نجاحات الأخير وشعبيته المتزايدة بين جماعات السود، فإن الثابت هو أنه لم يؤسس للإسلام المعاصر بالمعنى الديني، "وإن رفع المعهد العلمي المغربي الذي أسسه شعارات إسلامية عبر مسيرته" ص 6.
مشروع كبير
ورأى المترجم إجمالاً أن غوميز صاحب مشروع تاريخي كبير جمع بين بنية وتطور التاريخ الأفريقي في الداخل وتفاعله الحي مع جذور ومكونات تاريخ الأميركتين، وربط ببراعة بين تحركات القبائل في شمال وغرب أفريقيا وشمال نيجيريا وثورة باهيا في البرازيل، ملاحظاً أن الأحداث في شمال وغرب أفريقيا كان لها صداها في ما حدث في الكاريبي والجنوب الأميركي. ويقر المؤلف في ختام استهلاله لهذا الكتاب بأنه لم يقدم دراسة تفصيلية عن الإسلام والأميركيين الأفرقة، "بل هي مقاربة أولية للحقائق والمبادئ والمشاركات التي لا تعد ولا تحصى ضمن البنية المعقدة للأقليات الأميركية الأفريقية المسلمة". وأوضح غوميز في هذا الصدد أنه ما زالت هناك ثلاثة مواضيع تتطلب مزيداً من الدراسة: الإسلام والموسيقى، بخاصة عازفي الجاز الأميركيين الأفارقة، والإسلام والأميركيون الأفارقة في قانون العقوبات، ثم دراسة سياقية للمخطوطات العربية التي كتبها المستعبدون، وبها مادة غنية عن كل أرجاء الأميركتين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي خاتمة الكتاب لاحظ المؤلف أن الأحداث دلت على أن المسلمين انتظموا في الثورة ضد فرنسا وقدموا بعض القادة في ثورة هايتي عام 1791، ولكنهم لم يكونوا بالضرورة متميزين في تلك الحملة، وفي كل الاحتمالات فقد جرفتهم إلى أتونها، ويتطلب الأمر مزيداً من البحث للكشف عن مدى مشاركة المسلمين المحتملة في تكوين العشائر الملونة، والتي ربما رهنت استجابتها للتمرد بموقف الفئة المختلطة المنعزلة، وربما استوعب الإسلام الطبقات والفئات الهامشية على الحدود. ورأى أن الأحداث في سانت دومنغو لم تسمح بوجود شكل تعرف به الجماعات المسلمة على غرار صورتهم في ترينداد. وغالباً ما قورنت تجربة المسلمين في العالم الأنغلوفوني مع إخوانهم في الدين المتحدثين بالبرتغالية والإسبانية وقد تعزز الفخر العرقي واستقوى بسبب تمييز البيض والصور السيئة من الغطرسة الجماعية والتي لا يزال صداها سارياً حتى اليوم، ومع ذلك فمن الخطأ الاستنتاج بأن المسلمين كانوا منعمين بالامتيازات من قبل الإنجليز والأميركيين، وأن المكان صار هو اختيارهم الرئيس، إذ كانت هناك محاولات من جانب كثير منهم للعودة إلى غرب أفريقيا، وقد نجح بعضهم في ذلك في عامي 1733 و1829 على التوالي.
فترات العبودية
وخلص في السياق ذاته إلى أن المسلمين مارسوا خلال فترات العبودية في ترينداد وشواطئ جورجيا طقوسهم الدينية بلا مواربة وشكلوا جالية مهمة، والأمر نفسه كان في باهيا قبل ثورة عام 1835 عندما دفعت القوى الرجعية الدين للاختباء تحت الأرض. ومع ذلك فربما كان المسلمون في ريو دي جانيرو أقل قيوداً فكان بوسعهم شراء الأدبيات الإسلامية، بينما اضطر آخرون إلى إخفاء عقيدتهم والتظاهر بأنهم مسيحيون. وأوضح أن التنافس مع الديانات الأفريقية الأخرى، وأيضاً المسيحية كان منهكاً، ومع ذلك فغالباً ما تسربت جوانب من الإسلام للطقوس الدينية الأخرى مثل تقاليد اللوشومي أو الناغو في كوبا أو البرازيل، أو في تقديم الطقوس المسيحية على شواطئ جورجيا، وعلى أية حال احتفظ الإسلام بتماسكه في بيئات معادية (أو مغرية).
ولاحظ كذلك أن تنقل الإسلام في الأميركتين كان منحصراً في الأفارقة بالمولد وأسرهم، والإقبال على الإسلام حدث بالفعل، ولكن الإعلان عنه كان توجهاً خاصاً باعتباره شأناً داخلياً ومبدأ تنظيمياً بعيداً من غير المسلمين. وعلى أية حال فقد انتقل وعي المسلمين في ترينداد إلى القرن الـ20 ومضى قدماً في البرازيل في القرن الـ21، على رغم القمع العنيف الذي تعرض له في باهيا عقب الثورات غير الناجحة في القرن الـ19، بحسب المؤلف. كما كان هناك أيضاً مظهر ثقافي للإسلام ونوع من الوجود الممتد لهوية "المالي" حتى الجزء الأخير من القرن الـ20، وليس واضحاً إلى أي مدى مورست طقوس الإسلام من قبل أحفاد الأفارقة من السكان حتى منتصف القرن الـ20 في البرازيل، ولكن يبدو أن أتباعه صاروا إلى قلة عددية بحلول عام 1980.