خضعت العلاقات الإماراتية - الإسرائيلية الوليدة لاختبار سريع، بسبب رفض الإسرائيليين حيازة حلفائهم الجدد طائرات "أف 35" ذائعة الصيت، ما دفع أبو ظبي إلى الرد بإلغاء اللقاء المرتقب مع تل أبيب في واشنطن الذي يدفع العلاقات بين البلدين نحو الأمام، وسط مخاوف حلفاء الطرفين من اندلاع أزمة ثقة بينهما، على الرغم من التطمينات الأميركية.
وكشف موقع "إكسوس" الإخباري الأميركي عن أن "الإمارات العربية المتحدة ألغت اجتماعاً ثلاثياً مخططاً مع الولايات المتحدة وإسرائيل الجمعة الماضي لإرسال رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن معارضته صفقة أسلحة معلقة بين الولايات المتحدة والإمارات"، حسب ما نقل الموقع عن ثلاثة مصادر مطلعة على الأمر لم يسمها.
تأكيد ثم إلغاء مفاجئ
كانت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت قد دعت نظيريها الإسرائيلي والإماراتي للمشاركة في اجتماع ثلاثي الأسبوع الماضي في الأمم المتحدة للاحتفاء بالاتفاق بين الإمارات وإسرائيل، إلا أن أبو ظبي أبلغت كرافت فجأة رغبتها في "إلغاء اللقاء إلى أجل غير مسمى"، كما أفاد "إكسوس"، الذي أردف أن جميع الأطراف كانت قد أكدت حضورها وتخطط للتفاصيل قبل الموقف الإماراتي الذي يعتقد أنه جاء رداً على إعلان نتنياهو أنه سيقوم بتحريك الكونغرس لوقف إتمام الصفقة المتعلقة بالطائرات الأميركية.
ونقل الموقع عن مصادره الثلاثة أن الإماراتيين كان لديهم الانطباع لدى دخولهم الاتفاق مع إسرائيل أنه حتى لو فضل نتنياهو عدم تنفيذ صفقة الطائرات، فلن يُعارضها علناً، ولذلك "شعروا أن تصريحات نتنياهو التي تشير إلى أنه ليس على علم بالصفقة المقترحة والإصرار على معارضته لها تنتهك التفاهم بينهما. كانوا غاضبين بشكل خاص لأنه أخبر أعضاء حكومته أنه سيُثير مخاوفه بشأن الصفقة مع أعضاء الكونغرس".
وبعث الأميركيون، على مستويات عدّة، إشارات إيجابية بعد إعلان ما سمي "اتفاق إبراهيم" بين أبو ظبي وتل أبيب، بأن الاتفاق سيساعد على تمرير الصفقة، حسب ما لمح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وكذلك كبير مستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنر ووزير الخارجية مايك بومبيو في تصريحات صحافية، في إشارة إلى أن إسرائيل التي لم تعد لديها أسباب وجيهة للتحفظ على الصفقة بعد الدخول في سلام شامل مع الإماراتيين.
مخاوف ثمن العلاقة مع الإمارات
لكن السجال داخل إسرائيل حسب استقصاء الباحث السعودي المختص في الشأن الإسرائيلي، عبد العزيز المزيني، أفضى إلى خروج الخلاف على الصفقة إلى العلن، خصوصاً مع إثارة الأمنيين الإسرائيليين الشكوك حول بنود الاتفاق مع الإمارات، التي يقول إنها لم تزل مجهولة بالنسبة إليهم، ويخشون أن تنص على إتمام صفقة الطائرات.
وقال "حدة التراشق تزداد بين وزير الدفاع بيني غانتس من جهة، ورئيس الحكومة نتنياهو ورئيس مجلس الأمن القومي مئير بن شبات من جهة أخرى، حول ما إذا كانت إسرائيل قد تخلت عن "التفوق الاستراتيجي" وأبلغت واشنطن بموافقتها على بيع المقاتلة F-35 للإمارات كثمن للاتفاق معها. سبب هذا الجدل المحتدم هو أن نتنياهو اتخذ قراره في هذا الاتفاق بعيداً عن المسؤولين الأمنيين وشركائه في الحكومة الذين لا يعلمون شيئاً عن تفاصيل وبنود هذا الاتفاق".
ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين كذلك أن "طلب الحكومة الإسرائيلية يأتي بسبب مخاوف من أن تكون هناك محادثات سرية مع الدولة الخليجية تفضي إلى اتفاق بشأن بيع معدات عسكرية حساسة دون إطلاع كبار المسؤولين الأمنيين في إسرائيل".
وليست إسرائيل بمفردها التي تواجه ضغوطاً على خلفية ما يتردد عن ثمن علاقتها بالإمارات، ولكن الأخيرة أيضاً، فالمواقف العربية والإسلامية بشأن خطوتها تتوالى، إذ تزامنت زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة هذه الأيام مع بيان لمنظمة التعاون الإسلامي، تمسك فيه أمينها العام يوسف العثيمين بمبادرة السلام العربية 2002 التي أقرتها المنظمة التي تضم إلى جانب الدول العربية جميع الدول الإسلامية.
وأكد العثيمين أن "إقامة علاقات طبيعية بين الدول الأعضاء في المنظمة وإسرائيل لن تتحقق إلا بعد إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الكامل للأراضي العربية والفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مشاورات وحواجز نفسية
ذكر العثيمين في البيان أنه "أجرى العديد من المشاورات، وخلص من خلالها إلى أن مبادرة السلام العربية لعام 2002، بعناصرها كافة وتسلسلها الطبيعي كما تبنتها مختلف القمم الإسلامية ومجالس وزراء الخارجية المتعاقبة، تشكل خياراً استراتيجياً، وفرصة تاريخية، ومرجعية مشتركة يجب أن يستند إليها الحل السلمي العادل والشامل للنزاع العربي الإسرائيلي".
ولفت وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات أنور قرقاش إلى أن "معاهدة السلام مع إسرائيل يجب النظر إليها في سياق القرارات الاستراتيجية للإمارات. زيارة البابا في ربيع 2019 أطاحت حاجزاً نفسياً في المنطقة، وقرارات رائدة كتبني الطاقة النووية واستكشاف المريخ كلها توجهات لوطن يدرك وقع القرارات الاستراتيجية التحولية والفرص التي تخلقها".
إلى ذلك، فإن إسرائيل التي كانت حسب تصريحات زعمائها المتكررة، تحترم معاهدات السلام التي أبرمتها في السابق مع العرب، يرى المراقبون أن صدقيتها في الجنوح إلى السلم تتعرض لامتحان صعب، بعد موقفها من صفقة الطائرات التي ترغب الإمارات بالحصول عليها، في خطوة يمكن أن تبعث برسالة سلبية نحو بقية الدول الراغبة بالسير على خُطى الإمارات، خصوصاً في وقت يرى فيه الأميركيون أن "الإسرائيليين والإماراتيين يواجهان عدواً مشتركاً واحداً هو إيران".
تطمين أميركي للطرفين
على الرغم من رد أبو ظبي على التحركات الإسرائيلية لعرقلة الصفقة، فإن تصريحات وزير الخارجية الأميركي التطمينية أمس لدى زيارته إسرائيل، توحي بأن الحوار سيبقى مفتوحاً حول الصفقة، التي تستعجلها الإمارات في ظرف إقليمي ودولي حرج.
وقال بومبيو أمس "إن الولايات المتحدة ستضمن احتفاظ إسرائيل بالتفوق العسكري في منطقة الشرق الأوسط بموجب أي صفقات سلاح أميركية مع الإمارات في المستقبل".
وأضاف للصحافيين وفقاً لـ"رويترز" بعد اجتماعه مع نتنياهو في القدس "الولايات المتحدة ملتزمة قانوناً بضمان التفوق العسكري النوعي. سنظل ملتزمين بذلك".
وقال نتنياهو إن بومبيو طمأنه بهذا الصدد. وبدأ الوزير الأميركي جولة في الشرق الأوسط بزيارة إلى القدس بهدف إظهار الدعم الأميركي لجهود السلام وبناء جبهة في مواجهة إيران. وتشمل الجولة السودان والإمارات والبحرين.
وأعلن في 13 أغسطس (آب) عن اتفاق بوساطة أميركية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات.
من جانبه، قال كوشنر لقناة (سي أن أن) التلفزيونية، السبت، إن الإمارات تحاول منذ وقت طويل الحصول على مقاتلات أف 35، معتبراً أن "اتفاقية السلام الجديدة يجب أن تزيد من احتمالية حصولهم عليها. لكننا نُراجع الأمر".
وقال بومبيو إن واشنطن تقدم الدعم العسكري للإمارات منذ أكثر من 20 عاماً، وهي إجراءات وصفها بأنها "ضرورية لمواجهة التهديدات المشتركة القادمة من إيران"، عدو إسرائيل اللدود.
وأضاف "نحن ملتزمون تماماً بفعل هذا، وبتحقيق هذا، وسنفعله بطريقة تحافظ على التزامنا تجاه إسرائيل، وأنا واثق من أن هذا الهدف سيتحقق".
كانت الخارجية الأميركية قد ذكرت في حوار سابق مع "اندبندنت عربية" أن ثمن الاتفاق الإماراتي مع إسرائيل، سيكون شاملاً للدولتين والمنطقة على صُعُد مختلفة. وقالت إن اتفاقية السلام المعلنة "تتمحور حول اغتنام الإماراتيين والإسرائيليين فرصة تاريخية لخلق مستقبل أكثر ازدهاراً لشعبهم. وستعمل هذه الاتفاقية على توسيع العلاقات التجارية والمالية بين هذين الاقتصادين المزدهرين، مما سيسرع النمو والفرص الاقتصادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وقد أجرت الولايات المتحدة مناقشات مثمرة مع القادة في المنطقة، وأصبح من الواضح من خلال المناقشات أنه من أجل إحراز تقدم يتعين علينا جميعاً العمل معاً حول أهداف مشتركة، وكذلك عدم السماح للصراعات التاريخية بأن تمنع قيامنا بذلك".