ملخص
يعتبر بعضهم أن فشل لقاء الأسد - أردوغان لعامين متتاليين أشعل فتيل الحرب في الشمال.
لم يكن أشد المتفائلين من الطرف المعارض ولا أكثر المتشائمين من الطرف المؤيد يتوقع أن تسقط حلب خلال ثلاثة أيام فقط في أيدي الفصائل المسلحة القادمة من إدلب وريفها، والمنضوية تحت غرفة عمليات حملت عنوان "ردع العدوان".
وإن كان يمكن تفسير ذلك في الميدان لسبب أو لآخر، فإن تفسيره في السياسة يبدو أكثر تعقيداً، فكيف قد تتأثر الدول الفاعلة على الأرض السورية ومن بينها الدول الضامنة لمساري "سوتشي" و"أستانا"، أي تركيا وروسيا وإيران وأميركا بخاصة؟ وماذا عن الحلم التركي القديم - الجديد بإقامة منطقة عازلة؟
ممر السلام وقصة المنطقة العازلة
بدأت قصة المنطقة العازلة عام 2019 وسميت بالمنطقة الآمنة أو ممر السلام من الجانب التركي، وهي منطقة كان الهدف منها حماية الشمال السوري من جملة تهديدات كردية مسلحة أو عسكرية نظامية سورية، وذلك في أغسطس (آب) من ذلك العام، وأُعلِن حينها أن تركيا بموجب هذه المنطقة لن تقوم بأية عملية عسكرية لمناطق شمال وشرق سوريا حيث يسيطر الأكراد بإدارتهم الذاتية.
وفي الشمال الشرقي هناك مجموعات عدة تنضوي تحتها القوات الكردية ومنها "مجلس سوريا الديمقراطي" و"قوات سوريا الديمقراطية" و"وحدات حماية الشعب" وذراعه "حزب الاتحاد الديمقراطي" التابع لـ"حزب العمال الكردستاني"، إضافة إلى وحدات حماية المرأة الكردية تساندها عشائر عربية واسعة.
وبناء عليه نفذت تركيا عمليتين بريتين واسعتين ضد مجموعات الأكراد، الأولى تقدمت خلالها في مناطق شمال حلب ثم ضربة أخرى في عفرين بريف حلب، وكان الهدف من العمليتين منع ربط "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية شرق وشمال سوريا بغربها في محيط حلب، وأفضت تلك العمليتان إلى إحكام ضربة موجعة نحو الأكراد وتحقيق الهدف المنشود بمنع ترابطهما، بالتزامن مع تصريحات متواترة من الرئيس التركي برغبته بإزالة الأكراد بالقوة عن حدود بلاده الجنوبية.
وفي الوقت ذاته تحتفظ القوات الكردية بعلاقة رعاية متينة مع القوات الأميركية الموجودة شمال شرقي سوريا، والتي تشاركت معها سابقاً سيلاً من المعارك في مواجهة تنظيم "داعش" حتى الإجهاز عليه في معركة الباغوز الكبرى عام 2019.
مقترحات التوغل الشرعي
في بادئ الأمر وافقت روسيا على منطقة آمنة تمتد 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية، فيما وافقت الولايات المتحدة على أن يكون العمق ما بين 10 و15 كيلومتراً، وسط مطالب كردية وسورية أن تكون تلك المنطقة العازلة داخل الأراضي التركية لا السورية، إلا أن تركيا رفضت جملة الاقتراحات تلك وأصرت على أن يكون عمق المنطقة الآمنة ما بين 30 و50 كيلومتراً.
وبحسب مراقبين فإن حلب، عاصمة الشمال السوري، التي سقطت خلال الأيام الماضية، تبعد بالضبط 50 كيلومتراً عن الحدود التركية، وبالسيطرة عليها إضافة إلى إدلب من قبل فصائل موالية في معظمها لتركيا، يكون قد استوى طريق واسع لإقامة منطقة عازلة تركية في الأجزاء الغربية من سوريا، ريثما تتحلحل عقدة الأكراد من بوابة عفرين في ريف حلب، أو من بوابة الشمال الشرقي مع نية أميركية للانسحاب في وقت لم يعد بعيداً.
العقبات السابقة
في السابق كانت أبرز العقبات تتمحور حول مدى مسافة الدخول في الأراضي السورية، وكان هناك اختلاف روسي - أميركي - تركي في هذا الشأن، ورؤية كردية مغايرة تطالب بعكس المنطقة العازلة نحو الدولة التي تتبنى هذا الطرح، فتركيا كانت تريدها منطقة عازلة على المستوى السياسي بكل ما تعنيه الكلمة، أي منطقة يمنع تحليق الطيران فوقها ويضرب أي هدف غير كردي داخلها، فيما أرادت روسيا منطقة عازلة من دون حظر جوي، وطالب الأكراد بحظر جوي يحميهم من أية ضربة تركية.
في الوقت ذاته كانت روسيا تريد وجوداً للقوات العسكرية السورية في تلك المنطقة لضمان تحقيق مبدأ السيادة، وهو ما رفضته تركيا قطعاً، وأيضاً اقترحت أنقرة تشكيل مجالس محلية تضم أشخاصاً لا علاقة لهم بـ "الوحدات"، ووافقت موسكو فيما رفض الأكراد ذلك معتبرين أن المجالس الموجودة منتخبة وشرعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عقبات راهنة
للعام الثاني على التوالي تفشل جهود عقد لقاء دبلوماسي على مستوى الرئاسي بين رجب طيب أردوغان وبشار الأسد برعاية روسية من موسكو، ويعود فشل اللقاء حتى الآن لتمسك الأسد بمطالب تتعلق بانسحاب قوى تركية من كامل الأراضي السورية، وضمان مبدأ وحدة وسيادة الدولة الواحدة على أراضيها كافة، ووقف دعم أنقرة للجماعات المسلحة في إدلب وأرياف حلب.
ولم تخف موسكو خلال أكثر من مناسبة استياءها من عدم إتمام اللقاء، لكنها في الوقت ذاته أبدت غضباً تبلور بالمشاركة المتأخرة نسبياً عبر سلاح الطيران ضد الجماعات المسلحة التي هاجمت حلب، فيما رأى بعضهم أنه جاء تلبية لمطالب تركية، باعتبار أن تلك المجموعات مرتبطة بأنقرة على صعيد التسليح والإمداد والتخطيط والتنظيم، وهو ما اتهمت به وزارة الدفاع السورية مباشرة حكومة تركيا.
ويتذكر متابعون للشأن التركي أن صحفاً تركية عدة لوحت مطلع العام الحالي بأن منطقة عازلة ستقام قبيل نهايته ما لم يحدث توازن واتفاق سياسي من العيار الثقيل بين البلدين، وهو ما لم يحصل، فتحققت رؤى وروايات تلك الصحف أخيراً لتكون حلب بوابة الضغط المثلى في تمرير مشروع ضغط أكبر عنوانه الميدان.
سير المعارك
خلال الأيام القليلة الماضية تمكنت فصائل "ردع العدوان" من السيطرة على مسافة تقدر ما بين 200 و300 كيلومتر مربع، بحسب ما أعلن من قبلها، وجرى دخول حلب من دون مقاومة تذكر في ثالث أيام العملية، علماً أنها واحدة من كبرى مدن البلاد، ولاحقاً استمر تقدم تلك الفصائل جنوباً وصولاً إلى قرى ريف حماه الشمالي وسط سوريا، مع عجزها حتى الآن عن دخول حماة التي قد لا تكون بنك أهداف حقيقياً لا هي ولا مدينة حمص القريبة، كونهما لا ترتبطان بالمنطقة العازلة.
وعلى رغم أنهما يشكلان ثقلاً نوعياً وديموغرافياً على الأرض ولكن يبدو أنهما خارج خريطة ما يحصل حتى مساء الأول من ديسمبر (كانون الأول) الجاري.
الوضع الحالي
أجرت "اندبندنت عربية" اتصالات مع أهالي وشهود عيان في حلب للوقوف على الوضع في المدينة التي باتت خارج سيطرة النظام تماماً، فأفاد مواطنون بأن المحال كادت تفرغ رفوفها من المواد التموينية والغذائية الأساس، وعلى رأسها البيض والحليب واللبن والجبنة والفاصوليا والخبز، في وقت لم يصل الدقيق لأفران حلب ولا مازوت التشغيل.
وبالنسبة إلى الخضراوات والفواكه فتكاد تكون شبه منعدمة في المدينة، إذ يعتمد الناس على ما تبقى منها على رغم ذبولها من أيام ما قبل سقوط المدينة، ومع استمرار حظر التجوال من الخامسة مساء وحتى السابعة صباحاً، تعاني المدينة عموماً مشكلة في المياه تتركز في الأحياء الغربية منها والتي تحتاج إلى ضخ ضمن المحطة الرئيسة، إذ يتعذر وصول العاملين حتى الآن، فيما لا تزال محطات الوقود تبيع البنزين بأسعار مرتفعة من المرجح أنه من المخزون الاحتياط في ظل قطع الطرقات إلى حلب، أما المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية فجميعها مقفلة.