في الوقت الذي يكافح فيه العالم لاحتواء فيروس كورونا، يكتسب تعافي الصين زخماً، ما يجعلها قادرة على سد فجوة أكبر مع الاقتصاد الأميركي.
وأصبحت المطاعم وصالات الألعاب الرياضية مشغولة مرة أخرى في جميع أنحاء الصين، وسيارات مترو الأنفاق وصالات المغادرة في المطار مكتظة. ويستعد الأطفال للعودة إلى الفصول الدراسية مع القليل من القيود، التي يقول المسؤولون الأميركيون إنها ستكون علامات مميزة لحياة ما بعد فيروس كورونا. وفي بعض المدارس، يُطلب من الأطفال إحضار أقنعة، لكن لا يتعين عليهم ارتداؤها.
مع اختناق فيروس كورونا في الوقت الحالي، بفضل إجراءات التحكّم الصارمة، عزز "جي بي مورغان" أخيراً توقعاته للنمو الصيني لعام 2020 إلى 2.5 في المئة من 1.3 في المئة في أبريل (نيسان). ورفع الاقتصاديون في البنك الدولي وأماكن أخرى توقعاتهم للصين، وهو الاقتصاد الرئيس الوحيد المتوقع نموه هذا العام.
وتقول صحيفة وول ستريت جورنال، "على الرغم من أن هذا الارتداد بعيد من التوسعات الصينية المتسارعة في السنوات الماضية، فإنه من المفترض أن يساعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم على التحرّك بشكل أسرع في اللحاق بالولايات المتحدة، التي قد تتقلص بنسبة تصل إلى 8.0 في المئة خلال 2020".
كما أنه يدعم اعتقاد بكين بأن النموذج الذي تقوده الدولة في الصين، الذي ساعد البلاد على تجاوز الأزمة المالية 2008 - 2009 بأقل قدر من الألم، أفضل من نظام السوق الأميركية، ما شجّع القادة الصينيين في وقت تتزايد فيه المنافسة الجيوسياسية مع الصين.
الصين والتكافؤ مع أميركا بحلول 2028
قال نيكولاس لاردي، المتخصص الاقتصادي في الشؤون الصينية بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن، "الناتج الاقتصادي الصيني المعدل حسب التضخم سيصل على الأرجح إلى 11.9 تريليون دولار هذا العام. ويمثل هذا ما يقرب من 70 في المئة من الناتج المتوقع للولايات المتحدة، بزيادة قدرها سبع نقاط مئوية عن العام الماضي، ويعد أكبر تقدّم أحرزته الصين على الولايات المتحدة في عام واحد".
ومن جانبه قال هومي خاراس، زميل بارز في الاقتصاد العالمي والتنمية في معهد بروكينغز، "فيروس كورونا يضع الاقتصاد الصيني على المسار الصحيح للوصول إلى التكافؤ مع الولايات المتحدة بحلول عام 2028 بالقيمة المطلقة، باستخدام الدولار الحالي، أسرع عامين من تقديراته قبل فيروس كورونا".
هومي خاراس، كبير الاقتصاديين الآسيويين السابق في البنك الدولي، يرى أن الوباء سيساعد أيضاً في تضخيم القوة الاقتصادية للصين، مقارنة بالدول النامية الأخرى، مثل روسيا والبرازيل. ومن المحتمل أن تفقد الهند الآن كثيراً من الأرض، بحيث يصبح اقتصادها أقل من خُمس حجم اقتصاد الصين بحلول نهاية العام المقبل.
وأضاف: "ستظهر الصين أقوى كأكبر اقتصاد في العالم النامي". ورجّح خاراس أن تخرج الصين من الوباء أكثر ترسخاً، إذ تتراجع اليابان، الاقتصاد الثالث في العالم، الذي يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش اقتصادها 5.8 في المئة أو أكثر هذا العام.
التشكيك في الأرقام الاقتصادية للصين
ولا يزال انتعاش الصين هشّاً، وتكثر الإشارات التحذيرية، بدءاً من التهديد بحدوث ركود مزدوج بين شركائها التجاريين إلى المخاوف الجيوسياسية. وبينما لا يزال العديد من المتخصصين يشككون في الأرقام الاقتصادية للصين، يقول آخرون إن انتعاشها، حتى لو كان حقيقياً، لا يمكن تحمّله.
ويحذر دانييل روزين، الشريك المؤسس لشركة الأبحاث روديوم غروب ومقرها نيويورك، من الديون المتزايدة في الصين، والنمو غير المتكافئ في جميع أنحاء البلاد، والمشكلات المزمنة في النظام المصرفي. إذ قال "كثير من النشاط في الأشهر الأخيرة كان ينتج أشياء لا يشتريها الناس، ويذهبون مؤقتاً إلى الأرقام الاقتصادية، لكنها تخلق تخمة في المخزون ستؤثر في النمو بوقت لاحق من هذا العام".
وشبّه روزين، الصين بمتزلج سريع، يبدو أنه مستعد لتجاوز الولايات المتحدة في الممر الداخلي، قائلاً "على الرغم من المكاسب، فإن الصين تواجه مشكلات أعمق، الزلاجات تقطع أقدام الصين، ويوجد نزيف"، في إشارة إلى التحديات التي تواجهها بكين.
ومع ذلك، فإنّ الانتعاش الجاري كافٍ لجعل الحياة اليومية في الصين تبدو أفضل بكثير مما هي عليه في معظم الغرب.
الصين والسيطرة على الوباء
قال رن جيانمين، سائق سيارة أجرة يبلغ من العمر 57 عاماً في بكين، للصحيفة إن أرباحه انخفضت بمقدار الثلثين في فبراير (شباط) ومارس (آذار)، عندما جرى إغلاق أجزاء من الصين. واعتمد على المدخرات لإعالة أسرته.
وبدأت الأمور في التحول في أبريل (نيسان). يضيف رن إنه يسجّل الآن 12 ساعة من العمل الثابت كل يوم. وهذا يكفي لكسب 5000 يوان (725 دولاراً) شهرياً، لتكملة دخل زوجته كممرضة. شكواه الكبرى هي عودة الاختناقات المرورية السيئة السمعة في بكين.
وينسب رين الفضل في استجابة الحكومة القوية لفيروس كورونا إلى التحوّل في ثقة الجمهور، لا سيما بالمقارنة مع بقية العالم. وقال إن "قدرة الدول الأجنبية على التعامل مع الوباء ليست جيدة حقاً".
حتى في ووهان، المركز الأصلي للوباء، عادت الحياة إلى طبيعتها، حيث لم يعد الكثير من السكان يرتدون أقنعة في الشوارع والمطاعم تمتلئ مرة أخرى. ولم تسجل ووهان أي عمليات عدوى محلية لفيروس كورونا منذ ثلاثة أشهر. وقال تشاو ليجيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إن تجمّع الناس "يعكس انتصاراً استراتيجياً حققته ووهان والحكومة الصينية في مكافحة الفيروس".
وفي الولايات المتحدة، حذّرت السلطات أن التعافي الكامل لأساليب الحياة قبل الوباء قد لا يكون ممكناً، متخيلة تغيير الفصول الدراسية والمطاعم والحفلات الموسيقية ورحلات الطائرات، بسبب متطلبات التباعد الاجتماعي.
لكن، إجراءات السيطرة الصينية، التي تشمل الاختبارات الجماعية والمراقبة الواسعة النطاق، جعلت التجمعات العامة والأنشطة الأخرى خالية من القلق نسبياً، إذ تدخل الدولة نفسها في حياة المواطنين إلى حد يجعل عديداً من الأميركيين يتراجعون.
وقال لاردي، من معهد بيترسون، "المكاسب الاقتصادية التي حققتها الصين يمكن تفسيرها بسهولة، لقد قاموا بعمل أكثر فاعلية بكثير للسيطرة على فيروس كورونا".
نمو قطاع التصنيع والخدمات الصيني
كانت المصانع الصينية من بين المصانع الأولى في العالم التي أعيد افتتاحها في أبريل، ما ساعد الصين على الاستحواذ على حصة سوقية في التجارة العالمية.
الآن، مع بقاء حصيلة الصين اليومية من الإصابات المحلية بفيروس كورونا ذات أرقام أحادية، ارتفعت الخدمات والتجزئة إلى مستويات ما قبل كورونا، وتراجعت مبيعات التجزئة ليوليو (تموز) 1.1 في المئة فقط عن العام السابق.
وأعلنت شركات مثل ماريوت الدولية، وإل في إم إتش (مويت هنسي لوي فيتون)، وستاربكس كورب، نمواً قوياً في الربع الثاني بالصين، في وقت تراجع نموها في بقية دول العالم.
وقال فندق ماريوت، إن مستويات الإشغال وصلت إلى 60 في المئة خلال الربع الثاني، وهو ليس بعيداً من معدل 70 في المئة العام الماضي.
ويوضح آرن سورنسون، الرئيس التنفيذي لشركة ماريوت، للمستثمرين هذا الشهر إن تعافي السفر في الصين الكبرى يظهر مرونة الطلب، بمجرد أن يكون هناك شعور بأن الفيروس تحت السيطرة بشكل أفضل.
في مدينة تشنغدو الجنوبية الغربية، قالت دوريس تشين، "العمل في مطعم الفندق الفاخر الذي تعمل فيه الآن كان أفضل من العام الماضي"، وهو ما عزته إلى "الطلب المكبوت وزيادة السياحة الداخلية".
وأضافت، "الأعمال بدأت التعافي للمرة الأولى في مايو (أيار)، مع رفع إجراءات فيروس كورونا. قبل ذلك سمحت السلطات بنصف عدد الزبائن فقط، وأغلقت الغرف الخاصة بالمطعم، بسبب أنظمة التباعد الاجتماعي. لم يعد هذا مصدر قلق، مع السماح للمطعم بالعمل بكامل طاقته".
الصين ستتجاوز نمو منطقة اليورو
قبل فيروس كورونا، قدر دويتشه بنك أن اقتصاد الصين سينمو 26 في المئة بين عامي 2019 و2023، مقابل 8.5 في المئة للولايات المتحدة خلال الفترة نفسها.
الآن، مع الأخذ في الاعتبار تأثير الوباء، يتوقع البنك أن ينخفض توسع الصين الاقتصادي قليلاً إلى 24 في المئة بين عامي 2019 و2023، في حين أن الولايات المتحدة خلال هذا الامتداد ستنمو 3.9 في المئة أي أقل من نصف التوقعات الأصلية.
وأشار دويتشه بنك إلى أنه كان من المتوقع في الأصل أن يتفوّق نمو الصين على منطقة اليورو 5.1 نقطة مئوية هذا العام. الآن، متوقعاً أن تتفوّق الصين على منطقة اليورو بضعف هذا الهامش.
وقال مايكل سبنسر، رئيس بحوث منطقة آسيا والمحيط الهادئ في دويتشه بنك، إن لقاحاً فعّالاً ومتاحاً على نطاق واسع يمكن أن يساعد الاقتصادات الغربية على العودة إلى مسارات نموها السابقة بشكل أسرع من المتوقع. وأضاف أنه حتى ذلك الحين، فإن المكاسب الاقتصادية للصين مقابل الولايات المتحدة قد تثير مزيداً من المخاوف بشأن نفوذ بكين الناشئ.
الصين والرياح المعاكسة
لا تزال الصين تواجه رياحاً معاكسة. وهي تعتمد على الصادرات لما يقرب من خمس ناتجها الاقتصادي، ما يجعلها تعتمد على العملاء في الولايات المتحدة وأوروبا للتغلب على الفيروس. يجب أيضاً أن تمنع عودة ظهور الوباء.
إنّ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين البالغ 10800 دولار في السنة أقل بكثير مما هو عليه في الغرب، ودخلت الصين في المرتبة 71 من هذا المقياس، وفقاً لصندوق النقد الدولي، بعد المكسيك وتايلاند.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في مقاطعة قوانغدونغ الجنوبية الموجهة للتصدير، قال جيسون تشي، مدير المبيعات في مجمع تلفزيوني، "المواد الخام أصبحت أكثر تكلفة مع ارتفاع الطلب على الأجهزة المنزلية، واليوان آخذ في الارتفاع، ما قد يجعل المنتجات الصينية أقل قدرة على المنافسة في الخارج".
وأضاف، "بينما بدأت طلبات التصدير لشركته غوانجو فوغيو إليكترونكس كو، التي يعمل بها 80 موظفاً، تتصدر مبيعات العام الماضي في يونيو (حزيران)، فإنها لا تزال تكافح من أجل جني الأرباح بعد شهور من خسارة المبيعات". وتابع "سيكون الأمر أكثر صعوبة بالنسبة إلينا في النصف الثاني من العام".
ليو كيان، الذي يدير دار ضيافة من 30 غرفة بالقرب من موقع للتجديف في مقاطعة غويتشو الجنوبية الغربية، كانت أكثر تفاؤلاً من تشي، في رؤية تحسّن الأعمال في أغسطس (آب)، إذ اختارت العائلات وجهات لا توجد فيها حالات إصابة بفيروس كورونا جديدة منذ شهور.
وأضافت، "الحجوزات عادت 50 في المئة فقط مقارنة بالعام الماضي، وذلك بعد خفض الأسعار لجذب العملاء. ومع ذلك، لم تسرِّح أياً من موظفيها الثلاثة، مع احتمال أن تكون الأوقات أفضل في المستقبل".