تسعى الحكومة المصرية إلى حشد جميع موارد وإيرادات الدولة لخدمة موازنتها العامة، خصوصاً الإيرادات الضريبية التي تشكل نحو 80 في المئة من إجمالي الإيرادات، وفي المقابل، تواجه الدولة أزمة التهرب الضريبي وعدم استيفاء حقوقها، عندما تخطّى قيم وعاء النزاع والتهرب الضريبي حاجز التريليون جنيه (62.5 مليار دولار أميركي). وتحاول الدولة تحسين إدارة الشريان الرئيس والأهم لخزانة الدولة، باتباع سياسة الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى.
250 في المئة زيادة في الضرائب خلال 6 سنوات
وبالرغم من نجاح الحكومة في تحسين الإيرادات الضريبية وزيادة حصيلتها على مدار السنوات الـست الماضية، بنسبة تزيد على 250 في المئة، حين زادت حصيلة الضرائب العامة بشقيها، سواء كانت على الدخل والضرائب أو على القيمة المضافة، من 306 مليار جنيه (19 مليار دولار أميركي) في عام 2014 - 2015 إلى 775 مليار جنيه (48 مليار دولار أميركي) في نهاية العام المالي 2018 – 2019، إلا أن الدولة لا تزال تعاني ثقباً كبيراً في إدارتها للقطاع الضريبي.
تستهدف وزارة المالية المصرية خلال العام المالي الحالي 2020 - 2021 بحسب الموازنة نحو 965 مليار جنيه (61 مليار دولار أميركي)، تمثل نحو 15 في المئة من إجمالي الناتج المحلي المصري.
بحسب مستندات ووثائق رسمية حصلت عليها "اندبندنت عربية"، بلغت ملفات النزاع الضريبي بين الدولة والممولين سواء كانوا مستثمرين أو مصنعين أو رجال أعمال أو مواطنين عاديين أكثر من 160 ألف ملف ضريبي محل نزاع، بقيمة إجمالية تصل إلى 1.1 تريليون جنيه (70 مليار دولار أميركي) حتى نهاية أبريل (نيسان) 2020، وفقاً لتقديرات مأموريات الضرائب المصرية.
الرقم الكبير جعل الرئاسة المصرية تتدخل وتوجه الحكومة بسرعة إنجاز الملفات المتنازع عليها، عندما أصدرت قانوناً جديداً لإنهاء المنازعات الضريبية، ثم شكّلت لجان لإنهاء المنازعات الضريبية التي تتسم بالاستقلالية، إذ إن رئيسها من الخبراء المهنيين المتخصصين من خارج مصلحة الضرائب، وتضم عضوين أحدهما قضائي والآخر من المصلحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حل 30 ألف منازعة ضريبية حتى يونيو 2020
وأكد وزير المالية المصري محمد معيط أن وزارته نجحت في إنهاء أكثر من 30 ألف منازعة ضريبية، بلغت القيمة الإجمالية للضريبة المستحقة عنها 30.2 مليار جنيه (1.8 مليار دولار أميركي)، بالاتفاق مع الممولين والمكلفين، منذ صدور قانون إنهاء المنازعات الضريبية وحتى نهاية يونيو (حزيران) 2020.
وأضاف في بيانات صحافية سابقة أن التسويات شملت نحو 18 ألف منازعة للضريبة على الدخل، بلغت قيمة الضريبة المستحقة عنها 14.2 مليار جنيه (875 مليون دولار أميركي)، إلى جانب تسوية 4.6 ألف منازعة للضريبة على القيمة المضافة، بلغت قيمة الضريبة المستحقة عنها 15 مليار جنيه (937 مليون دولار أميركي)، وأخيراً 7.4 منازعة للضرائب العقارية بلغت قيمة الضريبة المستحقة عنها 989 مليون جنيه (62 مليون دولار أميركي).
وقال مستشار وزير المالية لشؤون الضرائب رمضان صديق، إن إنهاء المنازعات الضريبية في المرحلة الإدارية يُسهم في تحسين مناخ بيئة أداء الأعمال، وترسيخ جسور الثقة مع الممولين والمكلفين.
وأضاف لـ "اندبندنت عربية " أن الدولة حريصة على تحصيل مستحقاتها، ولكن في الوقت نفسه يلزم الحفاظ على المستثمرين باعتبارهم شركاء التنمية، على نحو يجذب مزيداً من الاستثمارات، ويشجع المستثمرين على توسيع أنشطتهم، لافتاً إلى أن التسوية تسهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة، وتساعد في تعظيم الإيرادات العامة، وتمكن الدولة من تنفيذ المشاريع التنموية من أجل الارتقاء بمستوى معيشة المواطنين، والخدمات المقدمة إليهم.
رفع الحجز الإداري عن 1075 ممولاً
في نهاية يوليو (تموز) الماضي رفعت الحكومة الحجز الإداري عن 1075 من الممولين والمسجلين والمكلفين خلال مدة ثلاثة أشهر، بداية من مارس (آذار) وحتى يونيو (حزيران) 2020، بمجرد سداد قيمة النسب المقررة من أصل ضريبة الدخل والقيمة المضافة، بإجمالي يقدر بنحو 67 مليون جنيه (4.1 مليون دولار أميركي).
وأكدت الحكومة أن قرارها جاء في إطار التسهيلات الرامية إلى سرعة إنهاء المنازعات الضريبية، بما يساند القطاعات الاقتصادية حتى تتمكن من تجاوز محنة فيروس كورونا المستجد، على نحو يسهم في استمرار عجلة الإنتاج، مع الالتزام الكامل بالإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية المعتمدة، لتلبية حاجات المواطنين والحفاظ على ما حققه برنامج الإصلاح الاقتصادي من مكتسبات للاقتصاد القومي، "ولئلا نكون مضطرين إلى البدء من جديد في الملف الاقتصادي بعد انتهاء أزمة كورونا".
ولفتت إلى أنه تم رفع الحجز الناتج عن الربط لعدم تقديم الطعن في الموعد القانوني عن 320 من الممولين والمسجلين والمكلفين، فور سداد كل منهم واحد في المئة من قيمة أصل الضريبة المتنازع عليها، سواء كانت في "الدخل أو القيمة المضافة"، بقيمة إجمالية بلغت 21 مليون جنيه (1.3 مليون دولار أميركي)، مع فتح باب الطعن من جديد.
إحباط 31845 ألف عملية تهرب جمركي
ومنذ يناير (كانون الثاني) 2019، وحتى مايو (أيار) الماضي، أحبطت مصلحة الجمارك المصرية 31845 ألف عملية تهرّب جمركي عبر المنافذ المتنوعة.
وتنوعت عمليات ومحاولات التهريب بين مواد مخدرة وأجهزة تنصت وملابس مموهة وأسلحة ومواد ومكملات غذائية وملابس الجاهزة وأقمشة ومنسوجات ومستحضرات تجميل وأخرى طبية.
وقال رئيس مصلحة الجمارك المصرية كمال نجم، إن السلطات نجحت في تحصيل نحو 11 مليار جنيه (688 مليون دولار أميركي) في شكل رسوم جمركية وغرامات تهريب خلال 18 شهراً، منذ بداية العام 2019 وحتى نهاية شهر مايو الماضي.
وأضاف لـ "اندبندنت عربية" أن عمليات تشديد إجراءات الرقابة على المنافذ الجمركية أسهم في الحد من محاولات التهريب، والحفاظ على حقوق الخزانة العامة وحماية الصناعة الوطنية والمجتمع المصري من دخول سلع خطرة أو مضرة بالأمن القومي.
24 ألف حال تهرب في 2019
ولفت إلى أن عدد محاضر التهرب الجمركي خلال عام 2019 تخطى حاجز الـ 24 ألف محضر، مشيراً إلى تحصيل نحو 1.8 مليار جنيه (68 مليون دولار أميركي) في ذلك العام فقط.
وقال إن المضبوطات تنوعت بين تهريب أجهزة تنصت وملابس مموهة وأسلحة، أو تقديم فواتير بقيم أقل، علاوة على مواد دوائية ألعاب نارية
وسيارات وقطع غيار ومكملات غذائية ومستحضرات تجميل وسجائر إلكترونية وكيماويات ومبيدات زراعية وملابس جاهزة وأقمشة ومنسوجات وأجهزة طبية، إضافة إلى سلع مرفوضة رقابياً.
وتابع رئيس مصلحة الجمارك "خلال الفترة من يناير وحتى مايو 2020 أحبطت السلطات 7607 آلاف عملية تهريب، ونجحنا في تحصيل 2.7 مليار جنيه (169 مليون دولار أميركي)"، مؤكداً أنه علاوة على أن تلك العمليات تفقد الدولة أهم مواردها من الرسوم والضرائب الجمركية، إلا أنها تؤثر سلباً في الصناعة المحلية والاقتصاد الوطني.
الترغيب والترهيب
تمارس الحكومة سياسة الترغيب والترهيب مع الممولين دافعي الضرائب، وقامت بجذب الممولين لدفع الضرائب طواعية، إذ وافق البرلمان المصري في يونيو الماضي على قانون "التجاوز عن مقابل التأخير والضريبة الإضافية، وما يماثلها من الجزاءات المالية غير الجنائية".
وتضمن القانون الجديد حوافز جديدة للممولين والمكلفين وغيرهم، بما يسهم في مساندتهم وتخفيف الأعباء عنهم، إذ سيتم التجاوز عن مقابل التأخير أو الضريبة الإضافية المستحقة على هذه المتأخرات الضريبية بنسبة 90 في المئة، إذا تم سداد أصل الضريبة أو الرسوم المستحقة كاملة خلال الـ 60 يوماً الأولى من تاريخ العمل بالقانون الجديد، و70 في المئة إذا تم السداد خلال الـ 60 يوماً التالية، و50 في المئة إذا تم السداد خلال الـ 60 يوماً التالية، بينما يقرر التجاوز الكامل بنسبة 100 في المئة عن مقابل التأخير أو الضريبة الإضافية التي لم يسددها الممول أو المكلّف، بشرط سداد أصل الضريبة أو الرسوم المستحقة كاملة قبل تاريخ بدء العمل بالقانون الجديد.
أما في جانب سياسة الترهيب، فأقامت الحكومة دعوى عمومية قضائية ضد اثنين من المحاسبين والمراجعين القانونيين مع إحالتهما للنيابة، لتلاعبهما في المستندات لإثبات تراجع أرباح مموليهم، وذلك لمساعدتهم في التهرب من الضرائب الخاصة بهم.
ووفقاً لبيان صحافي من وزارة المالية، فإن هذين المحاسبين القانونيين ساعدا عملاءهم في التهرب الضريبي من خلال قيامهما باعتماد الإقرارات الضريبية لهؤلاء العملاء، والتلاعب في السجلات والدفاتر والحسابات المالية لهم، في محاولة لإيهام الإدارة الضريبية بتراجع الأرباح، علي غير الحقيقة، كما قاما بإخفاء وقائع كانا يعلمانها أثناء أداء عملهما، ولم يفصحا عنها ضمن المستندات المقدمة لمصلحة الضرائب المصرية، بل وشهدا بصحة هذه المستندات بالرغم من علمهما بأنها غير صحيحة، حتى يتهرب هؤلاء العملاء من سداد كامل الضريبة المستحقة على أرباحهم الحقيقية.