إلى جانب الطابع السياسي الذي حملته زيارة الوفد الروسي ولقاؤه رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق، والتي تحمل في مضامينها طابعاً سياسياً، لا سيما في ما يخص الانتخابات الرئاسية، فإن ملفات ساخنة حجزت الحيز الأكبر من الزيارة، بعدما بث الكرملين الروح مجدداً بقضايا مثل إحياء الانتقال السياسي، والاستثمارات الروسية في البلاد.
وترشح التسريبات عن دور روسي آخذ بالصعود في مجالات عدة، أبرزها تلك الاقتصادية، بالإضافة إلى السياسية، والسباق نحو مجالات مثل الطاقة، فيما كانت شؤون الدفاع تحتل الجانب الأوسع في اللقاءات الروسية - السورية بالسنوات الماضية.
وربطت أوساط سياسية مطلعة لـ"اندبندنت عربية" زيارة عراب السياسة الخارجية الروسية، الوزير سيرغي لافروف، بعد أيام من زيارة خاطفة لوفد من الإدارة الذاتية الكردية السورية إلى موسكو، بالحديث عن تطور جديد يلوح في أفق القضية الكردية، ناهيك بأن وزير الخارجية الروسي لم يزُر العاصمة السورية منذ فبراير (شباط) من عام 2012.
الانتخابات القريبة
أثارت الزيارة شجون الحديث عن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل، بعد ستة أعوام على الاستحقاق الرئاسي الأخير في يونيو (حزيران) 2014، وعن تسريبات تدور حول ترتيبات روسية لها، لا سيما أن زيارة الوفد الروسي ترافقت مع إعلان وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، إقامة الانتخابات حتى وإن لم تُفضِ اجتماعات اللجنة الدستورية التي تنعقد في جنيف إلى أي نتيجة.
ومع كل ما خيم على الاجتماعات السورية - الروسية من طابع اقتصادي، يعتقد سياسي مطلع على مجريات المفاوضات، أن موسكو تحاول "دفع عجلة اجتماعات اللجنة الدستورية نحو مساحة جديدة من الحوار تحاول فيها الضغط نحو تحريك حل سياسي بشكل جدي قبل الوصول إلى موعد انتخابات 2021".
أربعون مشروعاً
خلال الزيارة، ظهر الأسد مرتدياً كمامة طبية في إطار الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا، بينما أطل الوفد الزائر من دون كمامات. ومن المرجح أن ثقة المسؤولين الروس تعود إلى "سبوتنيك"، اللقاح الروسي ضد "كوفيد-19".
وأبدى رئيس الوفد الروسي ونائب رئيس الوزراء، يوري بوريسوف، حماساً كبيراً للعمل على استعادة النظام لمنابع الطاقة في شمال شرقي سوريا، وضرورة عودتها إلى "الحكومة الشرعية"، كما وصفها، كاشفاً عن جملة واسعة من الاتفاقيات تضم أكثر من أربعين مشروعاً، تشمل إعادة تأهيل محطات الطاقة.
طوق النجاة
برزت ملفات فك الحصار عن سوريا، بما فيها الاستثمارات لإعادة إعمار البنى التحتية في مجالات الطاقة، من معمل الفوسفات وسط البلاد وتأهيل مرفأ طرطوس غرباً، الشغل الشاغل للروس في المرحلة المقبلة.
ويحرص المسؤولون الروس على ضرورة أن يشعر الشعب السوري بتحسن اقتصادي ملموس، بعد أن طفق السوريون يلملمون خيبات اقتصادية متتالية أودت بانهيار عملة بلادهم إلى مستويات دُنيا، وصل فيها سعر صرف الليرة في السوق السوداء إلى حدود ثلاثة آلاف مقابل الدولار الواحد.
وفجّر بوريسوف مفاجأة من العيار الثقيل في لقاء دمشق، الاثنين، مضمونها مساعٍ جادة من قبل روسيا لفك الحصار عن سوريا. وقال على هامش مؤتمر صحافي عقب لقاء الأسد "العزل الاقتصادي والعقوبات على سوريا، بما فيها "قانون قيصر"، يمنع الاستثمارات الخارجية، وسوريا تحت الحصار المدمر بسبب مواقف غير بناءة للإدارة الأميركية وحلفائها، ونعمل حالياً على خرق هذا الحصار المفروض".
الملف الكردي
في غضون ذلك، أخذ الملف الكردي الذي بدا شائكاً بالنسبة للروس والسوريين على حد سواء، حيزاً من نقاش الدبلوماسيين، وترددت معلومات تشي بحمل الروس رسائل خفية بعد اجتماع الإدارة الذاتية الكردية الأخير في موسكو، وهو اللقاء الذي انتقدته أنقرة.
وكانت وزارة الخارجية التركية قد أعربت في 31 أغسطس (آب) الماضي، عن قلقها من زيارة الوفد الكردي، وقالت في بيان "نتوقع أن تتمسك روسيا بروح مفاوضات أستانا".
وجاء ذلك بعد توقيع مذكرة تفاهم من قبل رئيسة الهيئة التنفيذية في مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، الذراع السياسية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إلهام أحمد، ورئيس حزب الإرادة الشعبية، قدري جميل، المقيم في موسكو والقريب من روسيا والنظام السوري، واتفقوا على "ضرورة أن ينص الدستور الجديد على ممارسة الشعب سلطته المباشرة في مناطقه، بما فيها الشؤون (الخارجية والاقتصاد والدفاع)، ودعم قرار مجلس الأمن رقم 2253 لحل الأزمة السورية"، وهو قرار متعلق بمكافحة الإرهاب وتنظيمي "داعش" و"القاعدة".
وتزامن توقع الاتفاق في موسكو مع دعوة الائتلاف الوطني السوري المعارض لجامعة الدول إلى عقد اجتماع طارئ لمناقشة "التهديدات الكبيرة لوحدة وسلامة الأراضي السورية بسبب ممارسات الميليشيات الكردية".
وذكر رئيس الائتلاف الوطني، نصر الحريري، في رسالة وجهها إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في 5 سبتمبر (أيلول) "جرائم ميليشيات حزب العمال الكردستاني تجاه الشعب السوري وقيامها بحملات تهجير قسري وتغيير ديمغرافي".
منابع الطاقة في الجزيرة
وفي حين ترنو أنظار القيادة الروسية إلى واقع الجزيرة وشرق الفرات، الذي فاقمه اختلاط الأوراق ووصول قوى دولية وسط دعم واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية، التي تعاني بدورها انتفاضة شعبية أطلقتها القبائل العربية أخيراً، رجح مراقبون أن زيارة الوفد الروسي "لا تعدو أكثر من ترتيب أوراق في ما يخص تعزيز دور موسكو واستحواذها على أكبر قدر ممكن من المشاريع في ظاهرها بعد بروز الحليف الإيراني كمنافس لها في الآونة الأخيرة، وما يتردد حول صفقات سياسية يدور محورها حول انتقال سياسي وإشراك المعارضة الخارجية".
وقد نال المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتعيين سفير موسكو لدى دمشق أليكسندر يفيموف، مبعوثاً رئاسياً خاصاً لتطوير العلاقات بين البلدين، الكثير من الانتقادات، وعدّه مراقبون إجراءً جديداً وتسميةً حديثةً لانتداب روسيا للبلاد.