تراقب الدول الغربية الوضع في الجزائر بالتزام الصمت، بعد قرار قائد الأركان أحمد قايد صالح بوجوب تفعيل المادة 102 من الدستور، في شكل عزل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ولم تصدر العواصم الأوروبية أي تصريحات أو بيانات في هذا الشأن، عكس ما كان عليه الأمر مع بداية الحراك الشعبي، حين تفاعلت مختلف الدول الأوروبية وحلفاء للجزائر بشكل خاص. لكن ترجح جهات هذا الصمت أمام خطاب قايد صالح، الذي حذر مراراً من المخاوف الأمنية ومخاطر انزلاق الشارع، بشكل متعمد لتبرير خطوته بالتدخل في الشأن السياسي.
ففرنسا التي رحّبت على لسان وزير خارجيتها، جان إيف لودريان، بقرار الرئيس الجزائري العدول عن الترشح لولاية رئاسية خامسة، واتخاذه إجراءات لتحديث النظام السياسي الجزائري، غاب صوتها وهمساتها مع قرار قائد الاركان عزل الرئيس، وهي التي أعربت عن أملها في أن يطلق سريعاً ديناميكية جديدة من شأنها تلبية التطلعات العميقة للشعب الجزائري، وهو ما يفهم بميلها للرئيس بوتفليقة ورغبتها في استمراره هو ونظامه، خصوصاً أن فرنسا اعتمدت في عدد من المرات على إعلامها للتشكيك والطعن في قايد صالح، بوصفه رجل الظل والرجل القوي وغيرهما من الأوصاف، في إشارة الى سيطرته على مختلف القطاعات في البلاد، وتدخله في السياسة وعالم المال والأعمال.
العواصم الغربية تلتزم الصمت
عواصم عدة التزمت الصمت والترقب، بعد خطاب قائد الاركان ومطالبته بتفعيل المادة 102 من الدستور، وإنهاء حكم الرئيس بوتفليقة، بعد أن كانت سبّاقة إلى ابداء اعجابها بالحراك الشعبي السلمي ودعت الى استجابة مطالب الشارع، الأمر الذي يكشف عن تحفظ العواصم الغربية عن خطوة قائد الأركان في انتظار إصدارها بيانات أو تصريحات لوصف ما حدث. وتعتقد عائشة عباش، رئيسة اللجنة العلمية لمجلة العلوم السياسية والقانون التي تصدر عن المركز الديمقراطي العربي في ألمانيا، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن الدول الغربية تدعم قرار المؤسسة العسكرية، وأن القرار ليس من صلاحية المؤسسة العسكرية إلا أنه سيكون له صدى ايجابي.
من جانبه، أكد المحلل السياسي، اسماعيل خلف الله، أن الدول الغربية في الظاهر ستبدي حيادها، وتصرح بأن هذا الأمر شأن جزائري داخلي، ولكن في الباطن ستسعى لدعم أطروحة قايد صالح، لأنها خطة لاستمرار نظام بوتفليقة من دون بوتفليقة، مشيراً الى أن إبعاد الرئيس الجزائري جاء بعد الضغط الشعبي.
فرنسا تهتم بالخبر اعلامياً والاتحاد الأوروبي يدعو لانتقال ديمقراطي شفاف وآمن
إحتل خبر دعوة نائب وزير الدفاع ورئيس الأركان الجزائري الفريق قايد صالح، الى إعلان شغور منصب رئيس البلاد، حيزاً بارزاً في الصحف الفرنسية، إذ اشارت مجلة "جون أفريك" المتخصصة بالشأن الأفريقي، الى أن معلوماتها تفيد بأن القرار الذي اتخذه قائد الأركان لم يكن من تلقاء نفسه، وإنما هو ثمرة مشاورات ومفاوضات مع محيط الرئيس بوتفليقة وأسرته، بينما قالت صحيفة "لوموند" إنه "عقب دعوة الفريق قايد صالح لتفعيل مادة الدستور المتعلقة بحالة شغور منصب رئاسة الجمهورية، فإن الكرة باتت في ملعب الرئيس بوتفليقة نفسه ليعلن استقالته، أو في ملعب رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، الذي يعود إليه إطلاق شرارة إجراءات إعلان عجز رئيس الدولة عن ممارسة مهامه"، في حين ذكرت صحيفة "ليبراسيون"، أنه عقب خطاب قائد الأركان، أطلق عدد من الجزائريين في العاصمة العنان لمنبهات سياراتهم، في إشارة إلى رفض ما جاء في الخطاب.
في السياق ذاته، ناقش أعضاء البرلمان الأوروبي، في جلسة عامة الثلثاء 26 مارس (آذار) 2019 في ستراسبورغ، تطور الأوضاع في الجزائر، منذ 22 فبراير (شباط)، ودعا الاتحاد الاوروبي الى أن تكون عملية التغيير والانتقال الديمقراطي، شفافة وآمنة، على أن تشمل جميع أطراف المجتمع الجزائري، معبراً عن استعداده، لمساعدة الجزائر في تنظيم انتخابات رئاسية جديدة. وأكد أن استقرار الجزائر، بالغ الأهمية، بالنسبة للاتحاد الاوروبي، فهي تقع بجوار الاتحاد الأوروبي، وشريك رئيسي له، لذا تعد الجزائر طرفاً فاعلاً في تحقيق الاستقرار.
وقال الناشط السياسي يوسف خبابة "شخصياً أتمنى من الأشقاء والأصدقاء والشركاء، الانتصار للإرادة الشعبية والتعامل مع الجزائر وفق مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول"، مضيفاً ان ما يحدث في الجزائر هو حوار في الفضاء المفتوح، والجميع متمسك برفض اي تدخل في الشؤون الداخلية.
التحذير من مخاطر أمنية لتبرير الخطوة
وفي حين يستغرب مراقبون صمت الدول الغربية، فسّر آخرون ذلك بتكرار قايد صالح في خطابه، العبارات التي حذر فيها من محاولات بعض الأطراف الدفع نحو الفوضى، ومن تربص جهات خارجية وداخلية بالجزائر لزعزعة الاستقرار، وهي "الشعارات" التي رافق بها قائد الاركان خطوته، لتبرير ما اقدم عليه، و" المخاطر الامنية استدعت التحرك"، على اعتبار ان العواصم الغربية بقيادة فرنسا، تسعى في مثل هذه الحالات للعب على أوتار الحريات وحقوق الإنسان، والطعن في المؤسسة العسكرية، واتهامها بتنفيذ انقلاب أبيض، بينما رأى متابعون أن ذلك يهدف الى كسر الحراك عبر تخويف الشارع، وفق ما ذهب اليه المحلل اسماعيل خلف الله، حين اكد ان قايد صالح، رأى أن التصعيد الناتج من الحراك لا تمكن مواجهته في بداية هذه المرحلة التي ستكون من دون بوتفليقة، إلا بالتخويف من انزلاق الوضع الأمني، وأن هناك أطرافاً خارجية تزيد في تأزيم الوضع.