بعد أسبوعين على ثورة النيل وفيضانه والتهامه آلاف المنازل، أعلنت الحكومة على أثرها حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، توالت بعدها الأزمات الإنسانية التي يعيشها السودانيون هذه الفترة، من تشرد وانتشار الأمراض، ما يستدعي صبراً عظيماً لتجاوز المحنة.
16 ولاية تضررت جرّاء الفيضانات الأخيرة، وأكثر من 100 ألف منزل راحت هباءً، وأكثر من 100 شخص لقوا حتفهم بسببها، في حين لا تزال الأسر المنكوبة تستغيث طالبة المساعدة ويد العون بعد أن فقدت كل ممتلكاتها.
لجنة الفيضانات أشارت إلى أن هناك انحساراً في بعض المحطات على الرغم من هطول أمطار غزيرة ليلة أمس، وعصر اليوم الأحد 13 سبتمبر (أيلول)، حيث سجلت الخرطوم 17.42 متر، ويتوقع أن تنخفض إلى 17.40، بينما سجلت محطة شندي 18.42 متر، ويتوقع أن تنخفض إلى 18.40 متر.
لجان المقاومة والمنظمات الخيرية
عمل دؤوب ومتواصل تقوم به المنظمات الخيرية والطوعية ولجان المقاومة لتحسين أوضاع الأسر المتضررة، مع إجماع تام حتى الآن على غياب الجهات المسؤولة وتملصها من أداء الأدوار المهمة والكبيرة التي لن تنفذ بواسطة المتطوعين فحسب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دانية بابكر من لجان مقاومة الحلفايا تؤكد لـ"اندبندنت عربية"، أن "الأسر المتضررة تعيش أسوأ أوضاعها على الرغم من مرور أيام عدة على فقدانها المأوى، إذ يعاني المتضررون في منطقة الحلفايا حتى الآن عدم توفر الخيام والمساعدات الغذائية وموارد الشرب النظيفة، بالإضافة إلى البيئة غير المؤهلة للعيش وحرارة الشمس، ما أدى لانتكاس حالة المتضررين، حيث ظهرت بينهم العديد من الأمراض، وهذا ينذر بكارثة صحية، أو أنها حدثت بالفعل".
وتواصل بابكر "لا تزال الجهود فردية بواسطة أهالي المنطقة، إذ يقوم الأهالي بتجهيز الوجبات الغذائية وتوزيعها على المتضررين، مع توفير الاحتياجات اللازمة لهم".
الوضع الصحي
في بداية الفيضانات حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في بيان له، أن نظام الصرف الصحي في السودان سيئ للغاية، مع احتمالية أن تخلق المياه الراكدة ظروفاً لتفشي الأمراض التي تنتقل بالمياه مثل الكوليرا والحمى الصفراء وحمى الضنك وحمى الوادي المتصدع.
وعلى الرغم من ذلك، كان التركيز على مسألة الغذاء والإسكان من قبل المتطوعين والمسؤولين، متناسين أو مستبعدين الظروف الصحية التي قد تدخل البلاد في كارثة، في الوقت الذي يعاني فيه السودان انهيار النظام الصحي، وجاء كورونا وأثقل على هذا القطاع، ما زاد الأعباء على المسؤولين المعنيين.
لجان المقاومة أكدت تردي الأوضاع الصحية، وفي هذا الشأن يقول مجدي من لجان مقاومة الفتيحاب لـ"اندبندنت عربية"، إن "الوضع العام جيد، فقد تواصلت معنا منظمة (إسكان الخير)، وبدأت في إنشاء مخيمات وعمل وحدة صحية في منطقة الشقلة غرب البلاد، ولكن لا تزال الجهود المبذولة فردية بعيداً عن الجهات المختصة". وأضاف "الوضع الصحي سيئ، وينتشر الكثير من الأمراض، خصوصاً وسط الأطفال، وقد سجلت وزارة الصحة زيارة للمنطقة للوقف على الوضع، لكن حتى الآن لم تتحرك تجاه الأمر بجدية".
في المقابل، يقول مدير إدارة صحة البيئة في ولاية الخرطوم مصعب محمد أحمد لـ"اندبندنت عربية"، إن "الوزارة تعمل على ردع الكارثة، إذ تم توفير 280 عاملاً لنظافة المناطق المتضررة في ولاية الخرطوم، بالإضافة إلى توزيع معدات تخزين الماء للأسر المتضررة، كما وزعنا الكلور والمنظفات والصابون وأنشأنا مطابخ ثابتة".
ويضيف "لم نتأخر، ولكن العمل لن ينجح ما لم ينحسر النيل، لذلك كان من المستحيل أن نعمل منذ بداية الكارثة، ولكن إذا قارنا الآن بين تقرير الوزارة ليوم 8 سبتمبر و13 سبتمبر، سنجد فرقاً كبيراً، حيث نفذت الوزارة خلال أربعة أيام إصلاحات كبيرة".
تقاعس وتماطل
على الرغم من محاولة الحكومة بذل الجهود لتدارك كارثة الفيضانات، فإن الحركة البطيئة جعلت البعض يوجه اتهامات للحكومة بالتقاعس والحركة البطيئة في ظل وضع كارثي. ويقول السكرتير الإعلامي لتجمع المهنيين حسن فاروق لـ"اندبندنت عربية"، إن "الفيضان الذي حدث في السودان كارثة طبيعية ويحدث في كل العالم، ولكن تباطؤ الحكومة في تقديم إصلاحات تصب في مصلحة البلاد مشكلة كبيرة، وهذا نهج النظام البائد نفسه، التغيير حدث من عام ونصف العام، ولم تقدم الحكومة خلالها هذه الفترة برامج إصلاحية لتدارك الأزمات التي تتعلق بمصلحة المواطن".
وترى سماهر مبارك، الناطقة باسم تجمع الصيادلة المهنيين، أنه "كان يجب أن تكون هناك استعدادات، خصوصاً أنه من المتعارف عليه أن الفيضانات عادة ما يصاحبها أمراض، ومع مشاكل الإصحاح البيئي والبعوض، للأسف سنشهد هذا العام أسوأ موجة أمراض مع انعدام في الأدوية منذ تسعة أشهر. وخاطبنا الجهات المسؤولة ورئاسة الوزراء بضرورة حل أزمة الدواء ولم نجد سوى الوعود، وها نحن في وجه كارثة صحية".
في السياق ذاته، تقول مبارك لـ"اندبندنت عربية": "ما لم يتم حل الأساسيات لن نستطيع حل الأزمات الكبيرة، فهي أزمة قرار سياسي. في السابق كانت هناك أزمة ثقة بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، ولكن بعد تغيير النظام يجب أن تعمل الجهتان مع بعضهما البعض لعبور الأزمات".
تفاعل كبير
تحظى الأوضاع في السودان بتفاعل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يركز الإعلام على نقل الكارثة للعالم، ما جعل جهات كثيرة ومؤسسات خاصة وعامة تتداول أخبار السودان وتقدم التبرعات العينية.
هي فترة صعبة على الجميع، خصوصاً أن البلاد أمام كارثة لم تشهد مثلها منذ 100 عام، وهذا يعني أن الحكومة ينتظرها جهد كبير لتصلح ما أفسده الفيضان.