ملخص
عمل إعلام النظام السوري على اتهام كل من لا يواليه بالمشاركة بـ"الحرب الكونية على سوريا"، وكان الصحافيون المعارضون أحد أهم الأهداف، لذلك لم يتوقف عملهم على النشاط الصحافي ونقل الأخبار بل اضطروا إلى الدفاع عن أنفسهم أو عن "الأكاذيب" التي يلفقها النظام بمعارضيه.
على رغم الفظائع التي ارتكبت في سوريا كاد الرئيس الأميركي جو بايدن يعفو عن رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد ويرفع عنه العقوبات مقابل إطلاق سراح الصحافي الأميركي أوستن تايس.
مثل تايس هناك آلاف الصحافيين السوريين منهم من قتل أو جُرح أو هجر أو شُرد، ومنهم من دفع حياته ثمناً لإيصال صورة من السجن السوري الكبير إلى الفضاء العالمي، أما بخصوص ما يقوله الناشط الحقوقي الأميركي مالكوم إكس "وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض، لديهم القدرة على جعل المذنب بريئاً وجعل الأبرياء مذنبين، وهذه هي السلطة لأنها تتحكم في عقول الجماهير" فهذا جانب آخر من مأساة الصحافيين السوريين بعد أن عمل إعلام النظام السوري على "شيطنتهم" واتهمهم بالمشاركة بـ"الحرب الكونية" على سوريا.
أخيراً ظهر "عمر"
"عمر" اسم مستعار للناشط السوري محمود مصطفى الذي يتحدر من محافظة اللاذقية على الساحل السوري، وعلى مدار أعوام كان "عمر" يكتب باسمه المستعار ويرسل صوراً وفيديوهات من مدينة اللاذقية إلى وسائل الإعلام التي يتعامل معها بالخارج، و"عمر" مثله مثل مئات الصحافيين والناشطين السوريين ظهر باسمه الحقيقي للمرة الأولى يوم الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، خلال اليوم نفسه الذي سقط فيه النظام السوري.
يقول مصطفى في حديثه لـ "اندبندنت عربية"، "كنت كل يوم أمسح من هاتفي كل الرسائل أو أية محادثة مع أي شخص أتواصل معه خارج مناطق سيطرة النظام، لكن بعد الثامن من ديسمبر تغيرت حياتي إلى الأبد، الآن هاتفي مليء بالصور والفيديوهات من دون خوف، لقد تحطم الأسد وتحطم معه الخوف".
ويضيف الناشط السوري "بدأت نشاطي الصحافي عام 2020، وفي هذا العام كانت الثورة السورية تعيش أحلك أيامها، وكان اليأس ينعكس من عيون كل مواطن سوري، وهذا ما كنت أشاهده في اللاذقية التي يتحدر منها الأسد فما بالك بباقي المناطق السورية، غالبية الناس هنا لم يكونوا مؤيدين للنظام بل كانوا بحكم ’الرهائن‘، وعلى رغم هذا اليأس لم يكن هناك بد من المخاطرة ولو بحياتي لإبلاغ العالم أننا مجرد ’أسرى‘ ولسنا في دولة"، وفق تعبيره.
في تقرير سابق نشرته وكالة الأناضول التركية، قُتل في سوريا 715 صحافياً بينهم تسعة أجانب خلال الفترة ما بين مارس (آذار) 2011 ومايو (أيار) 2023 بينهم 52 صحافياً قتلوا تحت التعذيب، أما الإصابات الموثقة بالاسم بلغت 1603 صحافيين فضلاً عن تعرض 1309 صحافيين للاعتقال أو الإخفاء القسري، 91 في المئة منهم على أيدي النظام السوري، والباقي على أيدي بقية أطراف النزاع.
فنون الانتهاكات
لم يكن النظام السوري وحده الذي انتهك حقوق الصحافيين، وفي هذا السياق تقول الصحافية نور الخطيب وهي أيضاً ناشطة في جمعية حقوقية إن "مختلف أطراف النزاع في سوريا تفننت في ارتكاب ممارسات تنتهك حرية الصحافة والرأي، وارتكبت أنماطاً مختلفة من الانتهاكات الجسيمة من قتل خارج نطاق القانون أو اعتقال أو إخفاء قسري أو تعذيب، أو حتى سن قوانين من شأنها تقييد حرية الصحافة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف الخطيب "بالطبع النظام يتحمل المسؤولية الكبرى، لكن أيضاً باقي أطراف النزاع المختلفة تتحمل ما يصل إلى 15 في المئة من الانتهاكات التي تعرض لها الصحافيون".
وتوضح الصحافية السورية أن "جميع أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا انتهكت عديداً من قواعد وقوانين القانون الدولي لحقوق الإنسان في المناطق التي تسيطر عليها، مثل المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعديداً من قواعد وقوانين القانون الدولي الإنساني وفي مقدمها القاعدة 34 من القانون العرفي التي توجب احترام وحماية الصحافيين في مناطق النزاع ما داموا لا يقومون بجهود مباشرة في الأعمال العدائية".
مهام ليست صحافية
كما أسلفنا عمل إعلام النظام السوري على اتهام كل من لا يواليه بالمشاركة بـ"الحرب الكونية على سوريا"، وكان الصحافيون المعارضون أحد أهم الأهداف، لذلك لم يتوقف عملهم على النشاط الصحافي ونقل الأخبار بل اضطروا إلى الدفاع عن أنفسهم أو عن "الأكاذيب" التي يلفقها النظام بمعارضيه، مثل اتهام نساء المعارضة بـ"جهاد النكاح"، وتصنيف جميع المعارضة بأنهم "دواعش إرهابيون"، وغير ذلك من المصطلحات التي اعتادت وسائل الإعلام السورية الرسمية تداولها بصورة شبه يومية لتبرير الحرب التي يشنها النظام على السوريين.
في هذا السياق يقول الصحافي ناصر عدنان لـ "اندبندنت عربية" إن "الصحافيين السوريين أُلقيت على عاتقهم مهام أخرى ليست صحافية، فعملهم لم يكن يقتصر على نقل الصورة الحقيقية للأحداث في سوريا بل توجب عليهم مواجهة عدو آخر غير بطش النظام السوري، مثل تفنيد الأكاذيب التي ألصقتها بهم وسائل الإعلام الموالية للنظام أو وسائل إعلام محور المقاومة الإيراني".
ويضرب عدنان مثالاً على ذلك بأن إحدى الصحف التابعة لـ"حزب الله" اتهمت المعارضة السورية في غوطة دمشق بضرب مناطق سيطرتها بالأسلحة الكيماوية، موضحاً أنه توجب "على الصحافيين السوريين الرد على هذه الادعاءات على رغم أن هذا ليس من عمل الصحافة ولكن الرد كان ضرورياً".
التأشيرة المستحيلة
الصحافية السورية يارا إبراهيم تقول في حديثها لـ "اندبندنت عربية" إن "من أبرز العوائق التي واجهت الصحافيين السوريين منعهم من الحصول على تأشيرة للخارج وخصوصاً دول الاتحاد الأوروبي، لدرجة أن صحافيي المعارضة لا يحصلون على تأشيرة حتى للمشاركة في المؤتمرات أو الاجتماعات التي تخص سوريا، وكان النظام يرسل وفده وصحافييه بحكم أنه المعترف به دولياً بينما منع الصحافيين من خارج مناطق سيطرة النظام من المشاركة في غالب الاجتماعات التي تعلقت بالقضية السورية، ولم يشارك في هذه الاجتماعات إلا بعض صحافيي الخارج".
وتضيف إبراهيم أن "العدد الأكبر من الصحافيين في خارج سوريا موجودون في دول الطوق السوري وعلى وجه الخصوص تركيا ولبنان، وهؤلاء لم يتم الاعتراف بهم أو بمعنى آخر لم يتم ضمهم إلى نقابات الصحافيين أو منحهم بطاقات تسهل عملهم".
الخلاص من الأسد
من أهم الإيجابيات التي نتجت من سقوط نظام الأسد وقف القصف الجوي والمدفعي وتبييض السجون، وهذه واحدة من أكبر المآسي التي كان يواجهها السوريون بمن فيهم الصحافيون، لكن هذا لا يكفي لنقول إن سوريا اليوم أضحت ساحة حرة أو آمنة للصحافة، وليس بإمكاننا إثبات العكس، إذ لا يزال الغموض سيد الموقف في سوريا وسط مخاوف من فوضى قد تنتج في حال عدم تشكيل حكومة شاملة أو عدم وجود رغبة دولية بضرورة تحقيق الاستقرار في سوريا. لكن إذا اتجهت القيادة الجديدة لتشكيل حكومة شاملة وتشكيل لجنة لكتابة دستور ومن ثم إجراء انتخابات حرة ونزيهة، مع وجود رغبة دولية وإقليمية في تحقيق سلام شامل داخل سوريا، ففي هذه الحال ربما يستطيع الصحافيون السوريون تعويض أيام بؤسهم.