تستميت جماعة الحوثي في معاركها على عدة جبهات بمحافظة مأرب في مسعى منها لاقتحام المدينة وإحكام سيطرتها على المحافظة النفطية الأولى في اليمن، بعد ما سيطرت على أجزاء واسعة من مديرياتها بعد معارك ما زالت محتدمة حتى اليوم.
وتتأرجح المعارك في جبهات عدة بمدينة مأرب؛ فتارة تعلن جماعة الحوثي تقدم قواتها مسنودة بقصف صاروخي يستهدف المدينة بين الحين والآخر، فيما تعلن الحكومة الشرعية عن انتصارات خاصة على جبهة الجوف المتاخمة لمحافظة مأرب.
وتشن جماعة الحوثي هجوماً على مواقع القوات الحكومية في جبهات مأرب من جبهات عدة تتمثل الجبهة الأهم في مفرق الجوف وادي اللسان يتزامن مع هجوم مماثل في جبهة هيلان منطقة الكسارة، وهجوم ثالث في جبهة المخدرة والضيق الرخيم، فيما فتحت جبهة رابعة من جبهة النضود العلم.
وتتضارب الأنباء حول حقيقة السيطرة على الأرض، ففيما تعلن جماعة الحوثي وصول قواتها إلى مفرق الجوبة، وهي أقرب نقطة من مدينة مأرب، والتي تبعد نحو 50 كيلو متراً من مركز المدينة تؤكد القوات الحكومية أنها صدّت هجمات حوثية في مديرية ماهلية، وهو ما تنفيه جماعة الحوثي التي تتحدث عن سيطرة كاملة على قانية وماهلية والرحبة، وصولاً إلى الجوبة.
تحشيدات عسكرية
حشدت جماعة الحوثي قوة بشرية كبيرة بإسناد آليات عسكرية ودعم لوجستي يتمثل في تفكيك القبائل التي تعد القوة العسكرية والعقبة الأكبر أمام التمدد والتوسع الحوثي صوب مدينة مأرب المعقل الأهم المتبقي للحكومة الشرعية.
نشرت مجلة "ميليتري ووتش" العسكرية الأميركية آخر تقرير لها أسدلت فيه الستار عن حجم القوة العسكرية التي حشدها الحوثيون إلى مشارف مدينة مأرب، وهو ما يصفه المحللون العسكريون بـ"القوة الهجومية الكاسحة" التي تستعين بها جماعة الحوثي في عمليات اجتياح المدن وإسقاط المحافظات اليمنية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب المعلومات التي كشفت عنها المجلة في سياق التقرير فإن "جماعة الحوثي نجحت في تجنيد نحو 100.000 ألف من الأطفال والشباب اليافعين في صفوفهم منذ بداية الحرب الأهلية في اليمن عام 2014، الأمر الذي اعترف به أحد كبار المسؤولين العسكريين الحوثيين في تحقيق نشرته وكالة (أسوشييتد برس) في وقت سابق، لدى تحدثه شريطة عدم الكشف عن هويته نظراً لحساسية المعلومات التي يدلي بها للإعلام، غير أن الرقم المذكور على لسان المسؤول الحوثي الكبير هو أعلى من أي رقم آخر تم الإبلاغ عنه سابقاً من قبل أي جهة كانت".
في المقابل، أرسلت الحكومة تعزيزات عسكرية كبيرة لقوات الجيش والقبائل، حيث تسلم قائد محور بيحان الللواء مفرح بحيبح قيادة العمليات الميدانية هناك، كما أرسلت تعزيزات من محور طور الباحة في لحج إلى مأرب.
تواطؤ أممي
المحلل السياسي عبد الله إسماعيل يؤكد أن المبعوث الأممي منذ بداية تسلمه مهامه في اليمن كانت أهدافه واضحة، وهي تفكيك القرار الأممي 2216، وإقناع المجتمع الدولي ان الحوثي رقم ثابت في المعادلة اليمنية، وبالتالي التحول إلى خطوات سياسية تتجاوز المرجعيات الثلاث وتضعف الشرعية كمفهوم وكتل رسمية وسياسية لصالح تنفيذ مصالحة الهدف منها إبقاء التهديد الحوثي بقوته الناعمة والخشنة كورقة ابتزاز داخلية وخارجية.
وفي اعتقاد إسماعيل أن الصمت الدولي على هجوم الحوثيين على مأرب يأتي في المسار نفسه، والذي قال لـ"اندبندنت عربية" إن "غريفيث ينتظر اللحظة التي يقتحم فيها الحوثيون مأرب ليضغط في اتجاه إيقاف العمليات بعد أن تكون هذه الخطوة قد غيرت موازين القوى وأعطت دلالات على قوة الحوثي وضعف الشرعية."
ويضيف "هذا السلوك الأممي المراوغ يجد للأسف في مقابله ترهلاً حكومياً وغياباً لمواقف حاسمة كان من المهم أن تتخذ في وقت مبكر ضد انحراف مهمة المبعوث"، لافتاً إلى أن الخوف أن يستمر ذلك التعامل الشرعي حتى تجد الشرعية نفسها في موقف لا تحسد عليه.
دوافع حوثية
ترى جماعة الحوثي في مأرب تهديداً رئيساً لحكمها؛ إذ إنها تعد المقر الرئيس للقوات الحكومية، كما أنها البوابة الأقرب لاستعادة صنعاء بفعل قُربها من العاصمة، وتُعد كذلك مطمعاً للحوثيين بفعل ثروتها النفطية والغازية الكبيرة التي يمكن أن توفر للحوثيين أموالاً وفيرة لتمويل حروبهم.
يقول المهندس سعود بتران، مدير دائرة الغاز بالشركة اليمنيه للغاز في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن الحوثيين يستميتون في السيطرة على مأرب ويبذلون الغالي والنفيس، في سبيل ذلك، كونها المحافظة الوحيدة التي تغطي جميع المحافظات بالغاز المنزلي من دون استثناء.
ويؤكد أن مأرب تشكل أهمية استراتيجية من خلال موقعها وحدودها مع خمس محافظات وغنية بالثروات الطبيعية والمعدنية والنفطية واحتوائها على 14 بالمئة من احتياطي العالم من النفط والغاز.
ودخلت جماعة الحوثي معركة مأرب بدفعة حماسية كبيرة بعد السيطرة على نهم، وهي إحدى مديريات محافظة صنعاء، ومن ثم السيطرة الكاملة على محافظة الجوف، ما مكنها من السيطرة على مديريات ماهلية ومدغل ومجزر وصرواح.
وتأتي الحماسة الحوثية للسيطرة على مأرب كونها آخر معاقل الحكومة الشرعية بعد إخراجها من عدن من قبل قوات المجلس الانتقالي، والسيطرة عليها ستقطع ذريعة وجود الشرعية، وهي العقبة الوحيدة التي تراها الجماعة أمام العالم الخارجي للاعتراف بسلطتهم في صنعاء، كما أن الجماعة الحوثية ترى في سيطرتها على مأرب إكمالاً وإحكاماً للسيطرة على كامل جغرافية شمال البلاد، من أجل الدخول بمكاسب أكبر في صفقة سياسية برعاية الأمم المتحدة لإنهاء الصراع في اليمن.
حرب مدمرة
في تصريح لـ"اندبندنت عربية" يؤكد عبد الله الباكري، وكيل محافظ مأرب، أن المعارك تسبب تدمير البنى التحتية في قطاعات الصحة والتعليم والزراعة والطرق والكهرباء، ناهيك بكونها حرباً مدمرة أهلكت الحرث والنسل وقتلت المدنيين والنساء والأطفال.
وخلال الفترة الأخيرة، ومع احتدام المعارك في مديرية صرواح، انفجرت إحدى محطات تصدير النفط الخام من حقول الإنتاج في مأرب، بفعل الاستهداف المباشر الذي تتبادل الاتهامات حوله بين الطرفين الحكومي والحوثي.
إضافة إلى ذلك، فهناك مخاطر متوقعة من امتداد المعارك إلى حقول النفط والغاز في مأرب وأريافها، والذي يمثل خطراً فعلياً يهدد إمكانية استمرار هذه الحقول في الإنتاج، بالإضافة إلى محطة مأرب الغازية الاستراتيجية.
تزايد أعداد النازحين
تسبب التصعيد في جبهات مأرب في موجة نزوح جديدة من مختلف مديريات المحافظة، فيما تزداد أوضاع مئات الآلاف من النازحين.
وذكر تقرير جديد للوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين أن المديريات الواقعة في شمال محافظة البيضاء، وتلك الواقعة في جنوب محافظة مأرب، تشهد موجة نزوح لمئات العائلات مع اشتداد المعارك مع جماعة الحوثي، وإغلاق الطريق الرئيس الذي يربط محافظات شرق اليمن بالعاصمة صنعاء، وقالت إن مديريات ردمان ومنطقة قانية ومديرية ماهلية ورحبة تشهد موجة نزوح للسكان بسبب المواجهات الدائرة هناك بفعل التصعيد الحوثي.
وحسب التقرير، فإن النازحين يعيشون أوضاعاً مأساوية، وإنه مع إغلاق الطرق الرئيسة توجه هؤلاء نحو مدينة مأرب، ونحو مناطق أطراف محافظة شبوة المجاورة، فيما يواجه النازحون الجـدد ظروفـاً صعبـة بسـبب التدفـق المسـتمر على الأماكن والملاذات الآمنة للأسـر مع نزوح جديد من محافظات الجوف والبيضـاء ومديريـة مدغـل الواقعة في الشـمال الغربي لمحافظـة مأرب إلى مديريـات مدينة مأرب ومدغـل والـوادي ورحبة وصراوح ورغوان، فيما قالت منظمة الهجرة الدولية، إن 334 أسرة نزحت في محافظة مأرب خلال أسبوع، بسبب تصاعد القتال في عدة مديريات بين القوات الحكومية والحوثيين.
وأضافت المنظمة في تقرير لها، أنه بين 30 أغسطس (آب) و5 سبتمبر (أيلول)، تتبعت مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة 543 أسرة أو 3258 فرداً نزحوا مرة واحدة على الأقل، مشيرة إلى أنه تم رصد 334 أسرة نازحة في محافظة مأرب، منها 153 أسرة في مركز المحافظة، و9 أسرة في مديرية رحبة، و90 أسرة في مديرية الجوبة.