أثار التصاعد المتواصل للدولار في السوق الموازية بالسودان شكوكاً عدة في الشارع السوداني، كان أبرزها أن البلاد تتعرض لمؤامرة تهدف إلى إفشال الحكومة الانتقالية من بوابة الاقتصاد، خصوصاً في ظل توقف كثير من المصانع والشركات التجارية عن الإنتاج، لعدم قدرتها على مجاراة الزيادة الكبيرة واليومية للدولار مقابل الجنيه.
وفي هذا الصدد، يقول علي الفويل المتخصص في الشأن المالي والمصرفي "من المعطيات المتعلقة بمجريات الاقتصاد أنه يخضع للعرض والطلب، لكن ما يحدث من ارتفاع جنوني للدولار في السوق الموازية أمر غير طبيعي، بخاصة أنه لا توجد تجارة خارجية نشطة بحكم العقوبات المفروضة على السودان، كما لا يوجد اعتمادات مفتوحة، أو مراسلون للبنوك الخارجية. وهذا ما يشير إلى عدم وجود حاجة للدولار، بالتالي ما يحدث من نشاط في العملات الأجنبية قد يرجع لاتجاه البعض لتخزينها للمحافظة على قيمتها، وهنا تكون المسألة أخف، لكن الخطورة تكمن في أن يكون الشراء بعملة مزورة أو بغرض التخطيط لخنق البلاد اقتصادياً حتى تسقط الحكومة الانتقالية".
وأوضح أنه "إذا ثبت أن هناك مؤامرة تحاك لتخريب الاقتصاد، فهذا أمر علاجه سهل، وذلك من خلال التحقيق مع من قُبض عليهم لمعرفة نواياهم ومخططاتهم. فإذا كانت المسألة مرتبطة بصبغة سياسية أو جشع، فلا بد من تطبيق القانون، فضلاً عن إدارة حوار هادئ ومتابعتهم وأخذ تعهدات منهم بعدم ممارسة هذا النشاط غير القانوني، فالبطش مطلوب إذا كان السبب سياسياً بحتاً".
حرب سياسية
وتساءل الفويل في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، عن أسباب عدم إعلان هذه الطوارئ منذ بداية الزيادات غير الطبيعية لأسعار الدولار قبل أكثر من شهر، حتى بلغت قيمة الدولار الواحد في السوق الموازية 260 جنيهاً سودانياً مقابل 55 جنيهاً في المصارف الرسمية، مما يشير إلى عدم المتابعة واللامبالاة من قبل السلطات المختصة، لافتاً إلى أن ما يحدث ليس له علاقة بالاقتصاد في ظل ضعف القوة الشرائية في الأسواق، بل هي حرب سياسية معلنة، كما ذكر الناطق الرسمي للحكومة الانتقالية وزير الإعلام فيصل محمد صالح، مما يعني أن هناك جهة في يدها أموال ضخمة ومطابع للأوراق النقدية ونشاط تزوير للعملة، فضلاً عن أن المعلومات أكدت أن 97 في المئة من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي.
وأضاف "واضح أن هناك شيئاً غير مفهوم يدور في سوق العملات والذهب، إذ يجري نشاط محموم وسط هاتين السلعتين، تصحبهما عملية تهريب واسعة النطاق عبر الحدود والمنافذ الرسمية، لذلك لا بد من حلول اقتصادية تقود إلى إصلاح حقيقي، مع مواصلة التشدد الأمني لضرب أوكار المتلاعبين والمخربين للاقتصاد. كما من المهم التركيز على الإنتاج في المجالات المختلفة باعتباره العمود الفقري لحركة الاقتصاد، بخاصة أن السودان يزخر بموارد طبيعية لا تحصى، لكن بشكل عام فإن بلادنا في حاجة لرؤية ومشروع وطني ملهم، ونأمل أن يسهم المؤتمر الاقتصادي القومي المزمع إقامته قريباً في وضع أسس علمية لإيجاد مخرج للأزمة الاقتصادية".
وأشار إلى أن إيقاف الحرب وتحقيق السلام في كل أنحاء البلاد، والانفتاح على العالم وما سيقدمه أصدقاء السودان والدول المانحة، سيوفر نقداً أجنبياً لخزينة الدولة، وسيؤدي إلى نتائج إيجابية، لكن مع ذلك من الضروري العمل على إعادة تأهيل المشاريع الزراعية والصناعية والتعدينية لتحقيق طفرة تنموية واسعة النطاق.
سياسات خطأ
وفي سياق متصل، قال كمال كرار عضو اللجنة المركزية ومسؤول الاقتصاد في الحزب الشيوعي السوداني لـ"اندبندنت عربية"، "في تقديري أن جزءاً من المشهد الخاص بالمضاربات الجارية في سوق العملات الأجنبية في البلاد له علاقة بمحاولات تخريب الاقتصاد الوطني لتمكين عناصر النظام السابق من المحافظة على مصالحهم. كما له علاقة ببطء إجراءات تفكيك عناصر حزب المؤتمر الوطني المحلول والذي تتحمل نتيجته الحكومة الانتقالية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن الحكومة الحالية تتحمل مسؤولية ما يحدث من انفلات في السوق وتدهور في الحالة الاقتصادية، لقصورها في اتخاذ العديد من الإجراءات والقرارات المهمة، مثل استرداد الأموال المنهوبة من قبل عناصر نظام عمر البشير، وعدم تمكن وزارة المالية من وضع يدها على كثير من شركات القطاع العام.
وتابع "كذلك من أسباب تدهور الوضع الاقتصادي اتباع سياسات خطأ في موازنة 2020، والتي أدت إلى استفحال الأزمة، بخاصة إخراج الدولة من التجارة الخارجية بما فيها صادرات الذهب، وهو ما أدى إلى وضع الاقتصاد في يد الطبقة الطفيلية، فضلاً عن زيادة مرتبات موظفي الدولة بنسبة تصل إلى أكثر من 500 في المئة، مما أسهم في زيادة معدل التضخم لقرابة 140 في المئة. وهو ما انعكس سلباً على معيشة الناس بزيادة أسعار السلع".
وأكد كرار أن الإجراءات التي اتخذتها لجنة الطوارئ الاقتصادية لوقف تدهور العملة المحلية غير كافية، فالمسألة الاقتصادية لا تحل بالقبضة الأمنية، بل لا بد من اتباع سياسة اقتصادية مغايرة، إضافة إلى إعادة سيطرة الحكومة على صادرات الذهب والمحاصيل والماشية والصمغ العربي لضمان دخول عائداتها إلى خزينة البنك المركزي، وضبط أسعار السلع، بخاصة الإستراتيجية منها، وتسريع خطوات تفعيل الجمعيات التعاونية لإنهاء نشاط الوسطاء.
محاكمات رادعة
في المقابل، أكد القيادي في قوى الحرية والتغيير المحامي المعز حضرة لـ"اندبندنت عربية"، أن ما يحصل في سوق الدولار عمل تخريبي لإرباك الشارع. وأوضح أن ربط ارتفاع سعر الدولار بالإشارات المتبادلة بين العسكريين وبعض الجهات السياسية، وبطء محاكمات رموز وعناصر النظام السابق، يؤكد أن الأمر مدبر لإحداث أزمة اقتصادية.
وقال حضرة إن "الشعب السوداني واع لما يحاك ضده من مؤامرات"، مشيداً بجهود لجنة الطوارئ، ومؤكداً أهمية تنفيذ محاكمات رادعة للأشخاص الذين يمارسون هذا النشاط المخالف للأنظمة، بخاصة أن القانون الجنائي يتضمن عقوبات مشددة على المتعاملين بالنقد الأجنبي والتهريب وتخريب الاقتصاد تصل إلى 10 و20 سنة.
وكانت السلطات السودانية، أعلنت، مساء الخميس 10 سبتمبر (أيلول)، حالة الطوارئ الاقتصادية وتكوين قوات مشتركة لحماية الاقتصاد السوداني، مشيرة إلى أن هناك عملية تخريب ممنهجة وراء ما يحدث في الاقتصاد الوطني.