تكلل بالنجاح أخيراً تودد الشركة التكنولوجية العملاقة "إنفيديا"علناً إلى "سوفت بنك" طلباً ليد "آرم هولدينغز" البريطانية. فبفضل مهر يبلغ 40 مليار دولار (أي حوالي 31 مليار جنيه إسترليني) مقسم بين أموال نقدية وأسهم، سيعقد الطرفان قرانهما قريباً. في المقابل، هل ستعترض الحكومة البريطانية حين يسأل القس إن كان أي طرف يعرف سبباً قانونياً يمنع إتمام الزواج؟
حينها، يصبح الموضوع مثيراً للاهتمام.
فقد سمح وزير الأعمال البريطاني السابق غريغ كلارك ببيع "آرم" Arm إلى "سوفت بنك" في ضوء ما لم يتعد كونه حداً أدنى من الشروط. ومثلاً، ينتهي في العام المقبل شرط إبقاء المقر الرئيسي للشركة في "كامبريدج" (في إنجلترا).
ومن العبارات التي راجت وقتئذ، تلك التي مفادها بأن الصفقة كانت نوعاً ما "جيدة لبريطانيا لأنها أثبتت أن في مقدورنا جذب "الاستثمار" إلى البلاد بعد بريكست".
ولم يكن الأمر كذلك بأي شكل.
فقد تشمم "سوفت بنك" قيمة في الشركة [البريطانية] كان المستثمرون المحليون أقصر نظراً من أن يروها، وهذا أمر شائع في شكل محبط في هذه البلاد. وقدم تراجع قيمة الجنيه بسبب بريكست مساعدة كبرى [لـ"سوفت بنك"]. ونتج من ذلك سقوط نجم تكنولوجي بريطاني نادر جداً، في أيدٍ أجنبية.
وجاءت التعزية من كون "سوفت بنك" مستثمراً وليس منافساً، وصاحب مصلحة في رعاية قيمتها كي يحصل على أفضل ما فيها. ومن ناحية أخرى، تتلخص المشكلة في أن هذا الوضع تغير مع رغبة "سوفت بنك" في الحصول على أموال نقدية.
وتُعَد الصفقة المبرمة مع "إنفيديا" من نوع مختلف تماماً.
إذ وصفها هيرمان هاوسر نفسه، وهو مؤسس "آرم هولدينغز"، بأنها "كارثة مطلقة لمنطقة كامبريدج والمملكة المتحدة وأوروبا" قد تقضي على وظائف وتدمر نموذج الأعمال الخاص بالشركة.
وليس هاوسر وحده من يشعر بمخاوف جسيمة حول الخواتيم المحتملة للصفقة.
إذ تعتبر "آرم" Arm من قصص النجاح الأقل شهرة وتقديراً التي أنتجتها هذه البلاد. وتعمل الشركة في تصميم الرقاقات الإلكترونية، ثم ترخصها باسم شركات أخرى تتولى تصنيعها وتستخدمها في منتجاتها. ويمكنكم العثور على تلك الرقاقات في الأمكنة كلها، من الـ"آيفون" الخاص بكم إلى ثلاجتكم. وتنبهوا إلى ثلاجتكم في شكل خاص. إذ تؤدي "آرم" دوراً مهماً جداً في المجال التقني الذي أصبح يُعرَف باسم "إنترنت الأشياء". [بمعنى أن الرقاقات الإلكترونية باتت جزءاً من الثلاجات المتطورة التي يشمل عملها الاتصال مع الإنترنت].
وفي سياق متصل، يعتبر حياد "آرم هولدينغز" من الأسباب المهمة لنجاحها، وكذلك غيابها عن الصراعات والسباقات التي تسم قطاع التكنولوجيا، وتشمل أحياناً الحكومات، خصوصاً الأميركية والصينية. وتذكيراً، أدت النزاعات بين هاتين الحكومتين إلى استبعاد "هواوي" عن شبكة "الجيل الخامس" للخليوي في بريطانيا، ما يهدد الوضع الذي كان ريادياً للبلاد في مجال التكنولوجيا الجديدة [لشبكات الخليوي].
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ذلك الصدد، حافظ "سوفت بنك" على حياد "آرم". ويخشى منتقدو الصفقة الجديدة عن حق، من انزلاق الشركة بعيداً من الحياد حين تسيطر عليها "إنفيديا" التي تصنع بطاقات معالجة الرسوميات (graphics cards) المستخدمة في ألعاب الفيديو [نوع من الرقاقات الإلكترونية مخصص لتلك الألعاب]. ونالت "إنفيديا" مكانة بارزة ضمن الشركات التي استفادت من الجائحة مع إقبال الناس على الألعاب خلال إغلاقات كورونا. ولدى الشركة الأميركية مصالح في مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، وكذلك تعمل بحزم على شراء تقنيات في هذين المجالين.
واستطراداً، تستطيع "إنفيديا" Nvidia إذا رغبت في ذلك، أن تستخدم التكنولوجيا الخاصة بـ"آرم" في صنع رقاقاتها الإلكترونية الخاصة، ما سيشكل تغيراً جذرياً في النموذج التشغيلي للشركة، وتالياً، سيزعج ذلك الأمر عملاءها ويهدد منظومتها.
وفي تطور متصل، أثارت "إنفيديا" Nvidia كثيراً من الضجيج لمصلحة إبقاء المقر الرئيسي لـ"آرم" في كامبريدج، لكن هاوسر يخشى من أن يكون ذلك من دون معنى إذا لم يُفرَض في شكل قانوني. ولم يذكر هاوسر عن عبث صفقة سيئة أخرى طاولت شركة بريطانية، تتمثل في الاستحواذ العدواني لـ"كرافت فودز" الأميركية على "كادبوري".
وآنذاك، في خطوة سيئة السمعة، جرى التراجع عن أحد التعهدات التي أبرمت خلال العملية والمتعلقة بالحفاظ على الوظائف البريطانية، وذلك خلال مجرد أسابيع من إبرام الصفقة. وما لبث المقر الرئيسي لـ"كادبوري" أن أُفرِغ أيضاً.
واستطراداً، جرى تحسين القواعد البريطانية في مجال الاستحواذات بهدف جعل الشركات تحافظ على وعودها المقطوعة خلال المعارك التفاوضية الحامية، لكن يبدو أن هذه القواعد لم تنطبق في تلك الحالة.
ماذا بعد؟ تدور توقعات قوية بأن الحكومة "ستستدعي" الصفقة وتعرضها على "هيئة تنظيم المنافسة والأسواق" Competition & Markets Authority. وتستطيع الحكومة، نظرياً، فعل ذلك استناداً إلى أسس تتعلق بالأمن القومي (يمكن أيضاً الاستناد إلى التعددية الإعلامية والصحة العامة والأمن المالي لكن لا يبدو أنها ذات صلة هنا) لأن منتجات الشركة ["آرم هولدينغز"] مستخدمة في قطاع الدفاع.
ومن زاوية أخرى، وفي ضوء الخلفية السياسية، يبدو الأمر مرجحاً جداً. إذ تقترح الحكومة تدمير العلاقة التجارية بين بريطانيا وشريكها الأكبر، الاتحاد الأوروبي، لأن الصديق المفضل الأبدي لبوريس جونسون، دومينيك كامينغز، يريد أن تُطلق يده في توفير إعانات لشركة يرى فيها "آبل" أخرى.
إذ يبدو السماح المتعجرف لأعمال أجنبية بتجنب المسؤولية حول شركة تمثل أقرب الشركات البريطانية إلى الريادة التكنولوجية، أمراً غريباً جداً في حال تنفيذ ما يرغب (مستشار رئيس الحكومة) كامينغز به. وقد تواجه الحكومة أسئلة غير مريحة، إضافة إلى كونها غارقة أصلاً في هذا النوع من الأسئلة.
ولذا، سيبدو وضع الاستحواذ في أيدي جهة تنظيمية أمراً منطقياً تماماً. وفي حين أنه من المرجح المضي قدماً بدلاً من التراجع، ستلغي تلك الخطوة [أي وضع الاستحواذ في أيدي جهة تنظيمية] حاجة الحكومة التي تزعم أنها تدعم بريطانيا، إلى العثور على مبررات تسمح بصفقة أخرى ستكون سيئة للبلاد خلال بضعة أشهر.
© The Independent