ربما لم يعتد أغلبنا تلقي جرعة مصل الأنفلونزا الموسمية بشكل منتظم، لكن مثلما تغيرت كثير من العادات الصحية لشعوب العالم مع انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، فسيكون هناك حاجة ملحة لتلقي اللقاح الموسمي للأنفلونزا، هذا وفقاً لخبراء الصحة الذين حذروا من أن الإنسان قد يصاب بالفيروسين في الوقت نفسه، مما يعرض حياته للخطر، فضلاً عن خطر ثالث باحتمال انتقال سلالة من أنفلونزا الطيور إلى البشر، مما يتسبب في حدوث جائحة متداخلة ثلاثية الأبعاد.
وبحسب اثنين من خبراء الأمراض المعدية تحدثا لناشيونال جيوغرافيك، فإن هناك حتمية لتلقي لقاح الأنفلونزا الموسمية في أقرب وقت ممكن. وفي هذا الشأن، قالت ليزا ماراجاكيس، مديرة مركز الوقاية من العدوى لدى كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز في بالتيمور، ماريلاند، إن "أعراض الأنفلونزا وكوفيد-19 متشابهة جداً لدرجة أن أحد التحديات التي يتعامل معها الأطباء هذا العام هو التشخيص الصحيح والسريع". وأوصت بأنه حتى إذا كان الشخص يعاني أعراضاً خفيفة، فلا يجب أن يحاول التعامل مع الأمر بنفسه. ولا يفترض أن السعال هو الدليل الوحيد على الإصابة بكوفيد-19، بل يجب اللجوء للطبيب.
خطورة الأنفلونزا
لفتت ماراجاكيس إلى توسع قائمة العلامات التحذيرية لفيروس كورونا، إذ لم تعد تقتصر على الأعراض التنفسية وآلام الجسم أو حمى أو التهاب في الحلق، بل أصبحت تشمل فقدان حاسة التذوق أو الشم والغثيان والإسهال أو حتى تورم أصابع القدم واحمرارها. وحذرت "قد تعتقد أن الأنفلونزا ليست مشكلة كبيرة إذا أصبت بحالة خفيفة، حيث تشعر بالتعب لبضعة أيام وتختفي الأعراض من تلقاء نفسها. ولكن فقط اسأل شخصاً تعافى من الالتهاب الرئوي الفيروسي الناجم عن الأنفلونزا لفهم مدى بؤس الأمر. يمكن أن يصل بك أيضاً الأمر إلى المستشفى. أعتقد أن الناس لا يقدرون مدى خطورة الأنفلونزا الموسمية".
من جانبها، قللت روبرت ويبستر، إخصائي الأمراض المعدية لدى مستشفى أطفال سانت جود للأبحاث، بولاية تينيسي، من خطر انتشار الأنفلونزا ما دامت تُتبع الاستراتيجيات الفعالة للسيطرة على فيروس كورونا. وأشارت إلى أنه كانت هناك بعض الأخبار الجيدة من دول الجنوب، مثل أستراليا ونيوزيلندا وتشيلي، حيث انتهى موسم الأنفلونزا للتو، إذ كانت معدلات الأنفلونزا هناك منخفضة بشكل كبير، بسبب مواصلة الحكومات تنفيذ إستراتيجيات التباعد الاجتماعي وغسل اليدين وارتداء الأقنعة، بحيث لم تتح الفرصة للأنفلونزا للانتشار.
ومع ذلك، لفتت إلى أن الأطفال هم عادة أكبر ناشري الأنفلونزا، لكن مع ضرورة الحاجة لعودة الطلاب إلى المدارس، فإن ويبستر توصي قائلة "إذا كنت إنساناً مسؤولاً، فلا تزال بحاجة إلى الحصول على لقاح الأنفلونزا، لأنك قد تنقل المرض إلى شخص أكثر ضعفاً وقد يموت بسببه".
الإصابة المزدوجة
لكن ما الذي يحدث إذا أصيب شخص بالأنفلونزا وفيروس كورونا المستجد معاً؟ في هذا الصدد، حذرت ماراجاكيس من أنه سيكون من الصعب على الجهاز المناعي للإنسان صد الفيروسين في نفس الوقت، لأن الشخص يكون معرضاً لخطر تلف شديد في الرئة، ومدة مرض أطول، ومضاعفات أسوأ حتى الموت. وتضيف أنه بالتأكيد يصبح الشخص أكثر عرضة للإصابة بأي من الفيروسين إذا أصيب بأحدهما، لأن الالتهابات الفيروسية تلحق الضرر بأنسجة الجهاز التنفسي، لذلك سيواجه صعوبة أكبر في مقاومة الأمراض اللاحقة. كما أن التهاب الرئتين (الذي يمكن أن يسببه أي من المرضين) يتيح أيضاً للبكتيريا أن تشق طريقها إلى هناك.
وبينما يجادل البعض بأن لقاح الأنفلونزا لا يعمل بشكل جيد، فإن ماراجاكيس تقول إنه "أفضل وقاية ممكنة، وحتى إذا أصبت بالأنفلونزا بعد التطعيم، فمن المرجح أن تكون لديك حالة أقل خطورة وتتعافى بشكل أسرع". وتوصي بتلقي اللقاح قبل نهاية أكتوبر (تشرين الأول)، إذ يستغرق الأمر من 10 إلى 14 يوماً من وقت حصولك على اللقاح لتطوير المناعة، لذا فإن الحصول عليها مبكراً يمنح أفضل حماية قبل أن يبدأ موسم الأنفلونزا.
لقاح شامل
وفي هذا الشأن، فإنه لا يمكن للعلماء توقع الأوبئة، إذ يوضح ويبستر أنه لا يوجد طريقة لمعرفة كيف تطور أنفلونزا الطيور أو الخنازير القدرة على الانتقال إلى البشر، إذ أن الأمر مزيج من الطفرات الجينية العشوائية وكيفية تفاعل الفيروس مع جهاز المناعة البشري. وأعرب عن قلقه من نوعين من الفيروسات يوجدان في أسواق الدواجن بآسيا في الوقت الحالي، بسبب قدرتها على الانتقال إلى البشر. لكنه يشير إلى أن فيروس كورونا المستجد أجبر الدول على زيادة القدرة على تصنيع اللقاحات واستكشاف طرق جديدة لصنعها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن الجدير ذكره، أن هناك أكثر من 150 شركة تعمل على لقاح للفيروس المستجد كوفيد-19. ويشير الخبير الأميركي إلى أن وجود هذه البنية التحتية وثقافة التفكير الإبداعي ستفيد بشكل كبير، لأننا سنكون قادرين على تطبيق الدروس المستفادة من هذا الوباء على الجائحة التالية. كما أعرب عن تفاؤله حيال التوصل إلى لقاح شامل للأنفلونزا من شأنه استهداف مكونات المرض الموجودة في كل سلالات الأنفلونزا، بصرف النظر عن الكيفية التي يتغير فيها المرض، مما يعني الاستغناء عن التطعيم السنوي ضد سلالات معينة منها.
وخلص إلى القول إن "العلم واعد، وأعتقد أننا على بعد خمس سنوات فقط من أن يصبح حقيقة واقعة. في الواقع، هناك العديد من اللقاحات العالمية المرشحة، في المرحلة الثالثة من التجارب حالياً. إنهم ينتجون أجساماً مضادة فعالة تستهدف ساق فيروس الأنفلونزا، التي هي نفس الشيء في 18 نوعاً فرعياً من الأنفلونزا".