أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة تقريرها المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان في الـ15 من سبتمبر (أيلول) الحالي، حول الانتهاكات المرتكبة من قبل الأطراف العسكرية والمسلحة في مختلف مناطق سوريا.
وعقب ذلك حذرت ميشيل باشليت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الجمعة الماضي، من تردي حالة حقوق الإنسان في المناطق التي تقع تحت سيطرة القوات التركية والجماعات المسلحة الموالية لها، وخصت منها مدينتي عفرين وسري كانيه (رأس العين)، في ظل تفشي العنف والإجرام في تلك المنطقة بحسب ما أعلن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.
"على تركيا احترام القانون الدولي"
دعت باشيليت السلطات التركية إلى احترام القانون الدولي وضمان وقف الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات المسلحة الخاضعة لسيطرة تركيا الفعلية.
وأضافت "يحق للأشخاص الذين يعيشون في هذه المناطق، وقد انتهكت حقوقهم، الحصول على الحماية والتعويض"، وحثت أنقرة على إطلاق تحقيق "فوري ونزيه وشفاف ومستقل" في الحوادث التي تحققت منها الأمم المتحدة وذكرتها في تقريرها، كما دعت الرئيسة السابقة لتشيلي، تركيا، إلى الكشف عن مصير المحتجزين والمخطوفين من قبل الجماعات المسلحة المُوالية لها، ومحاسبة المسؤولين عما قد يرقى في بعض الحالات إلى مستوى الجرائم بموجب القانون الدولي، بما في ذلك جرائم الحرب.
وقالت "يبقى هذا الأمر بالغ الأهمية بما أننا تلقينا تقارير مقلقة تزعم نقل بعض المعتقلين والمخطوفين إلى تركيا بعدما اعتقلتهم مجموعات مسلحة مُوالية لها في سوريا".
"مياه علوك"
أبدت المفوضة السامية قلقها من قطع تلك الفصائل المياه التي تضخ من محطة علوك شرقي سري كانيه بشكل متكرر، ما حال دون وصول المياه إلى نحو مليون شخص في مدينة الحسكة والمناطق المحيطة بها، بمن فيهم النازحون الأكثر ضعفاً، القاطنون في مختلف مخيمات النازحين داخلياً، بحسب مكتب المفوضة.
وأشار المكتب إلى أن قوات سوريا الديمقراطية متهمة بدورها بقطع الكهرباء عن محطة الضخ.
"جرائم حرب"
جاء في تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالانتهاكات الحاصلة في سوريا، الذي جرى من 11 ديسمبر حتى الأول من يوليو (تموز) من العام الحالي، ارتكاب الفصائل المُوالية لتركيا جرائم قد ترقى لجرائم حرب بما فيها حالات القتل والخطف والاعتقال ونقل معتقلين إلى أنقرة في المناطق التي تسيطر عليها بدعم من القوات التركية.
"قسد" تبدأ التحقيق
علق مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية من جهته، على "تويتر" قائلاً، إن "ما جاء في التقرير جزء صغير من جرائم الحرب التي ترتكبها الفصائل المسلحة بحق شعبنا في عفرين وسري كانيه وتل أبيض بغطاء سياسي من تركيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعا المجتمع الدولي إلى محاسبة الأطراف عن جرائم الحرب والتحرك بجدية لملاحقة ومحاكمة مرتكبي هذه الجرائم.
وأردف أنه في القسم الذي يخص قوات سوريا الديمقراطية "هناك تجاهل غير مبرر لحقيقة أن قضية مخيم الهول معقدة وذات بعد دولي"، وأنهم بدأوا التحقيق في الحالات الواردة في التقرير التي تتهم قوات سوريا الديمقراطية بارتكابها.
"مسد" ترحب
رحب مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) بالتقرير الصادر عن اللجنة، ودعاها إلى زيارة شمال سوريا وشرقها "للتحقق والتأكد عن قرب من صحة المزاعم والادعاءات التي أوردها التقرير بما يخص قوات سوريا الديمقراطية"، كما طالب "مسد" مجلس الأمن باستصدار قرار يرغم تركيا والفصائل المُوالية لها على الانسحاب الفوري والكامل من الأراضي السورية، وتشكيل محكمة دولية خاصة بمجرمي الحرب لمحاسبة الدولة التركية ومسؤوليها، وعناصر "داعش" والفصائل الإرهابية، ووضع المناطق المحتلة في الشمال السوري تحت رعاية قوات حفظ السلام الأممية، وكذلك دعت الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها في بيان رسمي، اللجان القانونية والحقوقية ومؤسسات الأمم المتحدة بتشكيل لجان تقصي الحقائق من أجل الوصول إلى المزيد من الحقائق، والبدء بإجراء محاكمات للمسؤولين عن تلك الانتهاكات والجرائم من قادة الفصائل المُوالية لتركيا والمسؤولين الأتراك الذين يدعمونهم، على غرار المحاكم التي تشكلت في لاهاي بشأن أفريقيا ويوغسلافيا وغيرهما من المناطق التي شهدت إبادات جماعية وجرائم الحرب، وفق ما جاء في البيان.
وإلى جانب إبداء الإدارة الذاتية دعمها للجان الأممية، أعلنت استعدادها للتعاون التام معها، لا سيما بخصوص ما ورد في التقرير حول ما سمَّتها "الملاحظات" التي حصلت في تلك الفترة في مناطقها. كذلك قالت إلهام أحمد الرئيسة المشتركة للهيئة التنفيذية لـ"مسد" إن تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة خطوة إيجابية نحو توضيح الوقائع وتصحيحها.
استمرار الانتهاكات
في الأثناء، ذكرت مصادر محلية جرح ما لا يقل عن ثلاثة شبان في قرية علوك الغربي (7 كلم شرق سري كانيه) أمس السبت، برصاص الفصائل المُوالية لتركيا، واعتقل ما يقارب عشرة أشخاص عقب احتجاجهم على عمليات سرقة، بينما طوقت الشرطة المدنية والعسكرية التابعة للفصائل أطراف القرية خوفاً من تفاقم الوضع وارتفاع حدة الاحتجاج.
وأنشئت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في 22 من أغسطس (آب) من عام 2011، بموجب قرار مجلس حقوق الإنسانS-17/1 الذي اعتمد في دورته الاستثنائية الـ17 وعهد إليها بولاية التحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان منذ مارس (آذار) 2011.
نصر للضحايا
في الشأن نفسه، اعتبر المدير التنفيذي لمنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" بسام الأحمد، التي تُعنى بشأن الانتهاكات في سوريا وتوثيقها، أن صدور هكذا نوع من التقارير يعتبر بمثابة "نصر كبير" للضحايا وسكان المناطق الذين تعرضوا للانتهاكات والنزوح بسبب ممارسات الفصائل المُوالية لتركيا، خصوصاً في كل من سري كانيه وعفرين، وأنه أول وثيقة تصدرها جهة أممية تذكر بوضوح هذا النوع من الانتهاكات.
وأضاف في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن ذكر هذه الانتهاكات جاء بصيغة واضحة ومنظمة، واعتمدت أنماطاً متكررة، وأن لجنة التحقيق استطاعت جمع عدد كبير من الأدلة والوثائق حول الانتهاكات التي حدثت في تلك المناطق.
وأشار إلى أن التقرير يمكن أن يؤسس لخطوات لاحقة، لا سيما قبول الضحايا الحديث لهذه اللجنة، وكذلك تعرف المنظمات الدولية والحكومات على نوع تلك الانتهاكات وحجمها.
وأضاف أن الكرة بملعب المنظمات الدولية والحكومات لاتخاذ موقف واضح إزاء تلك التعديات، معتبراً أن ما أدلت به المفوضة السامية يشكل دليلاً إضافياً على ما ورد في التقرير ويدعم ما توصلت إليه لجنة التحقيق المستقلة، كما رأى الأحمد أن إعلان قبول الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية التقرير الصادر من اللجنة المستقلة "خطوة جيدة، على ألا يكون إعلامياً فحسب، بل يجب أن تكون التحقيقات علنية ومُتاحة للاطلاع"، على حد تعبيره.