لا يشكّل بلوغنا عتبة المليون وفاة جرّاء "كوفيد- 19" حقيقة قاتمة فحسب. إنها أيضاً إدانة لقصر نظر الاستجابة العالمية وتشتّتها ووهنها.
وعلينا كذلك أن نعتبر الرقم إنذاراً قوامه أنه فيما يساعد الدعم العلاجي في الدول الثرية على إنقاذ الأرواح، تتفاقم المخاطر بالنسبة للشعوب والدول الأفقر. إذ تمثّل جائحة فيروس كورونا حالة طوارئ ثلاثية. لا شكّ أن هناك الآثار الصحية، سواء تلك التي يسببها المرض بشكل مباشر أو تلك التي يسببها انقطاع الخدمات الصحية الاخرى.
وتتمثّل حالة الطوارئ الثانية في الأضرار الاقتصادية الجانبية. وبينما تكرّس دول كالمملكة المتحدة طاقة هائلة، بما فيها عجز [في الميزانية] يصل إلى 20 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، من أجل تخفيف الأضرار، لم يُخصّص الجهد العالمي في مساعدة الدول الأفقر سوى جزء يسير من تلك الطاقة. وكذلك [تشكّل الجائحة حالة] طوارئ سياسية بكل وضوح. وفيما تتعرض المؤسسات الدولية التي نعتمد عليها جميعاً كـ"منظمة الصحة العالمية"، للهجوم، وتصدح صفارة إنذار القومية في عدد من الدول بشأن مسائل تبدأ عند العلاج وتصل إلى اللقاح.
ولا تشكّل مقولة "إما الغرق أو النجاة" رسالة شافية بالنسبة إلى ملياري شخص في العالم يقبعون في الفقر. وفيما خصّصت الدول الثرية ما يزيد على 11 تريليون دولار (حوالي 8.5 تريليون جنيه استرليني) للاستجابات المحلية لـ"كوفيد- 19"، ما زالت خطة الاستجابة الإنسانية العالمية لمواجهة فيروس كورونا التي أطلقتها الأمم المتحدة تعاني نقصاً كبيراً في التمويل، مع التعهّد بسداد ما لا يزيد على 2.8 مليار دولار من أصل الـ10 مليارات الذي تحتاجه الخطة.
وفي ذلك الصدد، لو خصّص كل زعيم دولة من أعضاء مجموعة العشرين جزءاً ولو يسيراً من المبلغ الذي استثمره محلياً للجهود العالمية، قد يتسنّى لنا رؤية ضوء في نهاية النفق. وسيُنفق هذا المبلغ على معدات الوقاية الشخصية ومحطات غسل اليدين وفحص الحرارة ومراكز العزل، ونشر معلومات واقعية وحقيقية من أجل التصدّي للمعلومات الكاذبة الموجودة في كل الأماكن التي تعمل فيها المنظمات غير الحكومية على غرار "لجنة الإنقاذ الدولية" التي أترأسها وأشغل منصب مديرها التنفيذي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الإطار الواسع، تُظهر الأرقام المسجّلة عالمياً وجود حاجة إلى فعل المزيد. فقد تخطّت القارة الأفريقية عتبة المليون إصابة، وسط قلق جدي من قصور الفحوصات. ووصل عدد الحالات في جنوب شرق آسيا إلى 6.5 مليوناً؛ بينما سُجّلت أخيراً حوالي 16 مليون حالة، والعدّ مستمرّ، في الأميركيتين حيث تتركز 50 في المئة من إجمالي الإصابات العالمية.
في المقابل، ثمة حقيقة تتمثّل في أنّ عدد الفحوصات التي تُجرى لا يكفي لإعلامنا بمدى انتشار المرض في نواحٍ كبيرة من العالم. ويبلغ عدد سكان جمهورية الكونغو الديمقراطية 100 مليون، لكنهم لم يُجروا سوى ما يزيد قليلاً عن 60 ألف فحص. وبينما تخطّى معدّل الإصابات المؤكدة في اليمن 30 في المئة، لأنّ نظام الفحص هناك غير موجود تقريباً.
في سياق متصل، أمام بريطانيا مشاكلها الخاصة التي يتوجب عليها مواجهتها خلال فترة الأشهر الستة القادمة. في المقابل، باعتبارها عضواً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإنها بحاجة إلى منظور عالمي شامل. لقد سجّلت سوريا قفزة بنسبة فاقت الـ400 في المئة في إصابات "كوفيد- 19" خلال الأسابيع الثمانية الماضية. وشهدت ليبيا من ناحيتها تضاعف الحالات خلال الأسابيع الأربعة الماضية مقابل معدّل حالات إيجابية بـ20 في المئة. وكذلك شهد لبنان ارتفاعاً في الإصابات بمقدار 500 في المئة منذ وقوع انفجار بيروت. وفي هذه الأثناء، تسجّل المكسيك 5 آلاف إصابة جديدة يومياً، وبلغ معدل الحالات الإيجابية فيها نسبة صاعقة هي 51 في المئة.
كخلاصة، يشكّل فيروس "كوفيد-19" أول جائحة تضرب العالم المتّصل ببعضه بعضاً. وكذلك تشكّل جرس إنذار عليه إيقاظنا لأنها لن تكون آخر كارثة تحلّ بنا وتفرض علينا التعامل معها.
إذاً، علينا التصدّي لها بصلابة متجددة، وتعلُّم الدروس الصحيحة من أجل المستقبل.
( يشغل ديفيد ميليباند منصب الرئيس والمدير التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية)
© The Independent