رشحت أنباء عن إمكان تولّي الرئيس الجزائري السابق اليمين زروال، دوراً بارزاً في قيادة "المرحلة الانتقالية"، امتثالاً لدعوات من جهات يصفها البعض بـ"السيادية". إلا أن طرح اسم زروال ولو افتراضياً، أفرز جدلاً بين فاعلين في الحراك الشعبي، بين من رفضه وهم كثر، ومن طالب بدفعه للموافقة في غياب حلول قابلة للتجسيد في الفترة الحالية.
ونقل عن مصادر عدة أن زروال التقى بـ"وسطاء" في مسؤوليات عليا في الجيش وشخصيات مستقلة.
وتردد اسم زروال في بداية الحراك الشعبي، لكن فاعلين في المسيرات انتقدوا إمكان لعب زروال أي دور سياسي في المرحلة الانتقالية، على الرغم من أنه يحظى بدعم جهات في السلطة وأحزاب معارضة. وغادر زروال حكم البلاد في العام 1999 مسلّماً مقاليد الحكم لمرشح الجيش عبد العزيز بوتفليقة.
فترة انتقالية برئاسة جماعية
في شكل متسارع، وجهت دعوات لشخصيات مستقلة بينها زروال، إلى لقاءات "مغلقة" لبحث إمكان تفعيل مقترح يقوم على "قيادة جماعية" لفترة محددة، إذ تفصل الجزائر، فترة شهر بالضبط، لتكون أمام واقع دستوري غير مسبوق في تاريخ استقلال البلاد، وذلك في حال غادر الرئيس بوتفليقة، قصر الرئاسة، من دون أي سند دستوري.
وقال النائب في البرلمان الجزائري حسن عريبي، السبت، "بعد هذا الحراك التاريخي الذي صنعه الشعب الجزائري، علمت من بعض المصادر أن اجتماعاً عالي المستوى يجمع عدداً من الشخصيات الوطنية الجزائرية يتقدمهم زروال وأحمد طالب الإبراهيمي وعبدالمجيد تبون وشخصيات أخرى مع عدد من القيادات. وهو الاجتماع الأكبر منذ زمن". وتابع إنني أحيّي هذه القيادات والشخصيات على تلبية دعوة الشعب إلى الخلاص من العصابات التي عاثت في البلاد فساداً".
ويعتقد عريبي بأن "الحل يمكن أن يكون هيئة رئاسية من ذوي الكفاءة والنزاهة، تعبد الطريق في فترة لا تتجاوز 5 أشهر للخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد".
الشارع يتحفظ والمعارضة ترحب
يدعم معارضون فكرة "هيئة رئاسية" بفترة محددة لا تتعدى الستة أشهر، على أن يمنع المشاركون فيها من الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ويُعتقد بأن زروال قد التقى شخصيات عسكرية ومدنية، بينها تبون والإبراهيمي، فيما قالت أنباء غير مؤكدة إنه التقى قائد المخابرات السابق الفريق محمد مدين (توفيق).
ودعا النائب في البرلمان لخضر بن خلاف إلى "ترك الحيل وتكليف هيئة رئاسية من ذوي الكفاءة والنزاهة، تعبد الطريق خلال 6 أشهر للخروج من الأزمة التي صنعتها العصابة".
زروال داس على الدستور
يميل كثيرون من الجزائريين إلى اسم زروال، لدافع وحيد هو أنه فضل الاستقالة على أن ينهي ولايته الرئاسية (1995- 2000)، وأعلن انتخابات رئاسية مبكرة في نهاية العام 1998، لكنه استمر رئيساً لسبعة أشهر أخرى من دون سند دستوري بعد استقالته، وأشرف زروال على الانتخابات الرئاسية التي أجريت في أبريل (نيسان) العام 1999، والتي فاز بها بوتفليقة.
ويعيب سياسيون على زروال تسليمه السلطة إلى بوتفليقة في تلك الفترة، على الرغم من انسحاب منافسيه بحجة "غياب النزاهة"، وهم الراحل حسين أيت أحمد، مقداد سيفي، عبدالله جاب الله، أحمد طالب الإبراهيمي ومولود حمروش.
رأي زروال في بوتفليقة
منذ ابتعاده عن السلطة، أصدر زروال بيانين اثنين فقط، أولهما العام 2009 عندما حاول مناضلون إقناعه بالترشح للرئاسيات ضد بوتفليقة، والثاني العام 2014، حينما أدلى برأيه في ترشح بوتفليقة "المريض" لولاية رابعة، إذ وصف استمرار بوتفليقة في الحكم بأنه "استمرار في تعكير النقلة النوعية التي كان يقتضيها التداول على السلطة" والذي بدأ بتعديل الدستور في العام 2008.
ومما قاله زروال "من المعروف أن الانتخاب الرئاسي قد شكل دوماً لحظة قوية في حياة الأمة... الأمر يعتبر شرفاً عظيماً بقدر ما يعد مهمة ثقيلة ودقيقة سواء من الناحية المعنوية أم من الناحية البدنية بالنسبة إلى كل من يتطلع إلى الارتقاء إلى منصب القاضي الأول في البلاد". بل إن زروال ذهب أبعد من ذلك ملمحاً إلى شكوك حول مدى دستورية ترشح الرئيس نفسه قائلاً "غير أن هذه المهمة (رئاسة البلاد) لكي يتم أداؤها أداء مشرفاً، تتطلب أن تحاط بجملة من الشروط ومنها خصوصاً تلك التي يمليها الدستور رسمياً من جهة، وتلك التي تفرضها قواعد الأخلاق البروتوكولية المرتبطة بممارسة الوظيفة من جهة أخرى".
وحذر الرئيس السابق مما سماه "الاستخفاف بالوضع الراهن"، منتقداً إحدى سمات حكم بوتفليقة في اعتماده على خزينة الدولة لإخماد المطالب الاجتماعية، "يجب الحذر من الاعتقاد بأن الوفرة المالية يمكن وحدها أن تتغلب على أزمة ثقة هيكلية". لكن أبرز ما حملته رسالة زروال الذي تسلم بوتفليقة الرئاسة منه في حفل شهير أقيم العام 1999، انتقاده إلغاء مبدأ التداول على السلطة من جانب الرئيس الذي حكم البلاد بعده إن "مراجعة الدستور الجزائري في العام 2008، ولا سيما تعديل المادة 74 منه، المتعلقة بتحديد العهدات الرئاسية في عهدتين، قد أدت في شكل عميق إلى تعكير النقلة النوعية التي كان يقتضيها التداول على السلطة وحرمت مسار التقويم الوطني من تحقيق مكاسب جديدة على درب الديمقراطية". ومعلوم أن فتح مادة الترشح مكنت الرئيس بوتفليقة من الترشح لولاية ثالثة و رابعة. ويختتم زروال قائلاً "من الأهمية بمكان التذكير بأن التداول على السلطة يكمن هدفه في التضامن ما بين الأجيال وتعزيز التماسك الوطني ووضع الأسس المهيكلة لاستقرار مستدام".
الجيش والمادة 102
في هذه الأجواء، جدد الفريق أحمد قايد صالح قائد الجيش الجزائري، السبت، الدعوة لتطبيق المادة 102 من الدستور لإعفاء الرئيس بوتفليقة من منصبه لعدم أهليته للمنصب.
وقال صالح في بيان أصدرته وزارة الدفاع "غالبية الشعب الجزائري رحب من خلال المسيرات السلمية، باقتراح الجيش الوطني الشعبي، إلا أن بعض الأطراف ذوي النوايا السيئة تعمل على إعداد مخطط يهدف إلى ضرب صدقية الجيش والالتفاف على المطالب المشروعة للشعب".
أضاف أن هؤلاء المعارضين التقوا السبت "من أجل شن حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ضد الجيش وإيهام الرأي العام بأن الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور".
وقال إن "كل ما ينبثق عن هذه الاجتماعات المشبوهة من اقتراحات لا تتماشى مع الشرعية الدستورية أو تمس بالجيش، الذي يعد خطا أحمر، هي غير مقبولة وسيتصدى لها الجيش بكل الطرق القانونية".
ويقضى الدستور أن يتولى عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة الجزائري السلطة رئيساً مؤقتاً لمدة 45 يوماً على الأقل في حالة تنحي بوتفليقة.