أثار اعتزام الحكومة المغربية فرض ضريبة جديدة على مواطنيها جدلاً واسعاً. وفي حين برّرت الحكومة تلك الخطوة بالحدّ من تداعيات جائحة كورونا على خزينة الدولة، اعتبر مغاربة كثر أنها تعمل دائماً على ملء خزينتها من جيوبهم عبر فرض الضرائب.
ضرورة مرحلية
في تفسيره لتفاصيل الضريبة المحتملة، قال وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة محمد بنشعبون إنه سيتم إقرار مساهمة تضامنية بقيمة 2.5 في المئة بالنسبة إلى الشركات التي تحقق أرباحاً سنوية تتراوح بين 4 ملايين (حوالى 430 ألف دولار أميركي) إلى 40 مليون درهم (حوالى 4 ملايين و300 ألف دولار)، في حين تصل تلك النسبة إلى 3.5 في المئة للشركات التي يفوق ربحها الصافي 40 مليون درهم.
وأضاف أن تلك المساهمة التضامنية ستقتصر فقط على الأشخاص الذاتيين الذين يفوق دخلهم الإجمالي الصافي 120 ألف درهم سنوياً (13 ألف دولار) أي 10 آلاف درهم شهرياً (أكثر من ألف دولار). وستسهم هذه الفئة من الموظفين والأجراء في حالة المصادقة على مشروع قانون المالية، بـ1.5 في المئة من رواتبها الشهرية، وهو ما يعادل أجر نصف يوم عمل في الشهر، على حدّ تعبير الوزير.
واعتبر بنشعبون أن تلك المساهمة التضامنية ستمكّن الخزينة من تحصيل حوالى خمسة مليارات درهم، ستخصص لتمويل مشاريع صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي الذي أطلقته الحكومة عام 2012. كما سيتم دعم الحماية الاجتماعية للعاملين في القطاع غير المهيكل، وهي الفئة الأكثر تضرراً من الإغلاق الذي تسبب به الوباء.
الحل في جيب المواطن
عبّر عدد كبير من المغاربة عن اعتراضهم على خطوات الحكومة الحالية التي تجتهد بحسب كلماتهم، في وضع الضرائب لملء خزينة الدولة، في الوقت الذي يشكو كثيرون منهم من تداعيات جائحة كورونا. وتسبب الإغلاق المستمر منذ أشهر في تضرر قطاعات عدة. وعبّرت ابتسام عزاوي، النائب عن حزب الأصالة والمعاصرة (المعارض)، عن أسفها لكون الحكومة كعادتها تلجأ إلى الحلول السهلة، التي تجعل المواطن يتحمّل التكلفة.
وأكدت أن المغاربة شعب متضامن، إلا أنه لا يمكن أن نحمّل الموظفين أكثر من طاقتهم، لأن الموظف الذي يبلغ راتبه الشهري 10 آلاف درهم ليس شخصاً غنياً، خصوصاً إذا كان لديه أطفال، بالتالي من غير المقبول الضغط عليه عبر تحميله ضرائب جديدة، عوض العمل على دعمه لكي يحافظ على قدرته الشرائية.
تضامن وليس عقاباً
على الرغم من تنديد مواطنين كثر بخطوة الحكومة، إلا أن الخبير الاقتصادي المغربي رشيد ساري اعتبر أن الأمر لا يعدو كونه مساهمة تضامنية أكثر منه ضريبة على الأجر الشهري الصافي، الذي يعادل أو يتعدى 10 آلاف درهم.
وأشار إلى أن الهدف المتوخّى من تلك المساهمة هو الحدّ من العجز الذي يرتقب أن يبلغ نسبة 6.5 في المئة في قانون المالية لعام 2021، في حال بلغ حجم المداخيل من هذه الضريبة 30 مليار درهم.
ودعا ساري المغاربة إلى التعامل مع الأمر بطابع تضامني واجتماعي، وليس بطابع عقابي، لأن المرحلة تتطلب تعبئة شاملة للوطن بكل مكوّناته من دون استثناء.
وأعرب الخبير الاقتصادي عن أمله في أن يصادق البرلمان على المشروع مع تعديلات تمسّ بالأساس الجانب الذي يخص المقاولات، إذ "لا يجب إعفاء هذا القطاع الذي ينشط في مناطق التسريع الصناعي".
إجبار وليس خياراً
لكن اسماعيل، أحد المعلقين على المشروع على شبكة الإنترنت، اعتبر أن الحكومة في حقيقة الأمر لا تبحث عن موارد للمساهمة في واجبات التضامن، إنما تبحث عن موازنات هيكلية تغطي بها فشلها الذريع في تدبير الشأن العام، وتناست أن غالبية المستهدفين من الموظفين هم أكثر المساهمين عملياً في الدورة الاقتصادية.
وأضاف "لعل من الإجراءات الاحترازية التي سيلجأ إليها هؤلاء، المقتطع لهم قسراً، تخفيض نفقاتهم إلى الحدّ الأدنى، ما سيؤدي إلى زيادة احتباس الدورة الاقتصادية. قامت الحكومة مع بداية الجائحة باقتطاع أجر يوم على مدى ثلاثة أشهر من أجور عموم الموظفين، وأكدت أنها ستفتح منصة في وجه كل من يرغب في استرداد الأجر المقتطع، لكنها أخلّت بوعدها. واليوم، تستهدف فئة معينة على وجه الإجبار".
ضعف مشروع المالية
بعد مصادقتها على مشروع قانون المالية للعام المقبل، ستعرضه الحكومة على البرلمان للتصويت عليه، في حين انتقدته أحزاب المعارضة، معتبرة أنه يفتقر إلى الإبداع بخصوص وضع حلول عملية للتخفيف من الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الوباء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكدت عزاوي أن مشروع قانون المالية الجديد لم يحمل حلولاً عملية وبراغماتية للصعوبات التي تشهدها البلاد. وأوضحت "نتحدث عن نسبة نمو 0.5 في المئة، ومعدل بطالة ارتفع من 8.1 إلى 12.3 في المئة. وهذه الأرقام ليست نهائية، بل هي مرشحة للأسوأ، لأن الجائحة لم تنتهِ بعد. لا يعلم أحد في العالم مدى التأثيرات أو التداعيات التي ستحدثها في القطاعات الاقتصادية وعلى المستوى الاجتماعي".
وعبّرت عن استنكار بعض أحزاب المعارضة لتوجه الحكومة، آملة أن يخلص البرلمان خلال مناقشة قانون مشروع المالية، إلى حلول أخرى أكثر إبداعاً، لتجنّب هذا النوع من الضرائب على الموظفين.
واعتبرت أن تطبيق الضرائب يمكن أن يقتصر على كبار الموظفين الذين يتقاضون أجوراً عالية جداً، مشيرة إلى أن الوقت حان للتفكير في الضريبة على الثروة بشكل معقول. وأضافت أنه لا يجب الضغط على القطاع الخاص، لكن في المقابل من واجب هذا القطاع أن يكون متضامناً مع بلده وأن يقدّم يد العون والمساعدة لتحقيق التنمية وحماية الاقتصاد الوطني.