ارتفع سعر صرف العملة البريطانية، الجنيه الإسترليني، صباح اليوم إلى أعلى مستوى له أمام اليورو والدولار الأميركي منذ مارس (آذار) الماضي تقريباً، وذلك في ضوء استئناف مفاوضات الاتفاق الشامل بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي لما بعد الفترة الانتقالية لخروج بريطانيا من أوروبا (بريكست).
ويعد سعر صرف الإسترليني أهم مؤشر على بريكست منذ الاستفتاء على الخروج في 2016. وتجاوز أمام الدولار 1.315 دولار للجنيه، بينما تعدى سعره 1.086 يورو، قبل أن يهدأ ارتفاعه قليلاً نحو ظهر الخميس، وإن ظل مرتفعاً نحو واحد في المئة تقريباً.
مفاوضات مكثفة
ويتوجه كبير المفاوضين الأوروبيين في مباحثات اتفاق بريكست ميشيل بارنييه إلى لندن الخميس، لبدء جولة مشاورات مكثفة، على أمل إنهاء تفاصيل الاتفاق قبل القمة الأوروبية المقبلة منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وبما يسمح بالتصديق على الاتفاق من البرلمان الأوروبي ومجلس العموم البريطاني (البرلمان) قبل نهاية العام. وتنتهي الفترة الانتقالية لخروج بريطانيا من أوروبا، الذي بدأ رسمياً أول يناير (كانون الثاني) من هذا العام، بنهاية الـ31 من ديسمبر (كانون الأول) 2020.
وغيّرت لندن موقفها الذي أعلنه رئيس الوزراء بوريس جونسون قبل أيام بأن على بريطانيا الاستعداد لبريكست من دون اتفاق، متهماً الاتحاد الأوروبي بعدم المرونة في المفاوضات، ما فُهم منه أن بلاده انسحبت، لكن التصريحات الرسمية لم تتضمن إشارة واضحة على استبعاد اتفاق مع أوروبا. وقال كبير المفاوضين البريطانيين ديفيد فروست إن المناقشات لن تستأنف إلا إذا "غيّرت أوروبا موقفها".
وعندما أعلن بارنييه، الأربعاء، أن الاتحاد الأوروبي مستعد لمشاورات مكثفة، وبدء بحث النصوص القانونية للاتفاق، رحبت لندن باستئناف التفاوض الذي سيستمر بشكل مكثف، حتى خلال عطلات نهاية الأسبوع يومي السبت والأحد، حتى الانتهاء من النصوص القانونية للاتفاقية.
وقال المتحدث باسم رئيس الحكومة البريطانية، في بيان، "من الواضح أنه لا تزال هناك اختلافات كبيرة بين مواقفنا حول المواضيع الأكثر صعوبة، لكننا مستعدون برفقة الاتحاد الأوروبي لبحث إمكانية التقريب بينها خلال المفاوضات المكثفة".
حسم القضايا الخلافية
ويأمل الجانبان، الأوروبي والبريطاني، الانتهاء من حسم القضايا الخلافية المتعلقة بحقوق الصيد في القنال الإنجليزي وبحر الشمال وبند مساواة القواعد والقوانين الذي يتضمن حلاً وسطاً بشأن الدعم الحكومي للشركات والأعمال وآلية فض المنازعات التجارية في حال انتهاك بنود الاتفاقية. أما بقية بنود الاتفاق فقد شهدت الجولات السابقة من المفاوضات التفاهم على إطار عام حولها، وبقيت بعض النقاط البسيطة قبل وضع الصيغ القانونية.
وتضمنت تلك البنود في أغلبها حلولاً وسطاً على مدى جولات التفاوض العشر الماضية. فمثلاً في بند تجارة السلع والخدمات يمكن حل مسألة "شهادة المنشأ" لبعض المنتجات التي يدخل في إنتاجها مكونات من خارج بريطانيا بسرعة خلال مناقشة النصوص القانونية. الأمر نفسه مع بنود أخرى كتلك المتعلقة بإنفاذ القانون، وتبادل المعلومات الأمنية، وتصاريح النقل البري والتعاون في مجالات الطيران المدني والطاقة وغيرها.
وربما يكون من الصعب التوصل إلى حسم كل النقاط العالقة في الاتفاق قبل نهاية هذا الشهر، كما هو الموعد الأصلي المحدد في الفترة الانتقالية، لكن يمكن التوصل إلى مسودة وثائق الاتفاق في غضون أسبوعين. بالتالي تكون هناك فرصة كافية لإطلاع قادة كل دول أوروبا عليها قبل القمة الأوروبية المقبلة الشهر المقبل، التي سترفعها للبرلمان الأوروبي للتصديق عليها، وكذلك لمجلس العموم.
مناورة بريطانية
وكما توقع كثيرون، لم يكن التشدد الحكومي البريطاني أكثر من مناورة تستهدف الضغط على الجانب الأوروبي، لتقديم تنازلات من ناحية ومن ناحية أخرى تهدئة خلافات داخلية بريطانية، حتى داخل حزب المحافظين الحاكم. ففي الوقت الذي دفع المتعصبون للخروج من أوروبا باتجاه بريكست من دون اتفاق، يرى كثير من قيادات حزب المحافظين أن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن بريكست من دون اتفاق "يصعب تحمّلها" مع استمرار ضعف فرص الانتعاش الاقتصادي من أزمة وباء كورونا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أن قطاعات كثيرة في الاقتصاد ترغب في اتفاق مع الشريك التجاري الرئيسي لبريطانيا، الاتحاد الأوروبي، على أسس أفضل من معايير منظمة التجارة العالمية التي ستحكم العلاقة بين بريطانيا وأوروبا في حال بريكست من دون اتفاق. أما الاتفاق فسيسمح بتفادي كثير من الرسوم والتعريفة الجمركية على تبادل السلع والخدمات، وأيضاً تفادي وضع حدود للحصص من السوق.
وانتقدت قيادات الأعمال الحكومة البريطانية وطريقتها في التعامل مع بريكست بشدة، بعد اجتماع رُتب على عجل بين ممثلي الشركات والأعمال ورئيس الحكومة بوريس جونسون ووزير شؤون مجلس الوزراء مايكل غوف. ووصفت المناقشات في الاجتماع الذي شارك فيه 250 من قادة الأعمال بأنها "غير ناجحة، وكشفت عن توترات قوية".
وأعرب ممثلو الشركات والأعمال عن أسفهم "لعدم وجود معلومات حول ما يمكن توقعه، سواء بشأن الإجراءات الجمركية، أو العلاقة مع مورديها على الجانب الآخر من القنال" الإنجليزي.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن تيموثي أدلر، رئيس موقع الاستشارات "سمولبزنس" قوله بعد اجتماع الثلاثاء، "قد تمثل الشركات الصغيرة 99 في المئة من الإجمالي، ويكاد لا يوجد شخص في الحكومة لديه خبرة في الأعمال، وعندما يتحدث إلى الشركات فهو يتحدث إلى أعضاء جماعات الضغط ضمن مؤشر الشركات الكبيرة في البورصة".
وأضاف، "الحكومة ربما تحاول إلقاء اللوم على الشركات في عواقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق"، لكن معظمها خصوصاً الصغيرة والمتوسطة "ليست لديها القدرة على التعامل مع الاضطرابات، وهي منشغلة تماماً في محاولة النجاة" من تبعات الأزمة الصحية.