أدت الموجة الأولى من الإغلاقات إلى أعمق ركود على الإطلاق منذ ثلاثينيات القرن العشرين. والآن تنتشر موجة ثانية من القيود بسبب فيروس كورونا ليس فقط في المملكة المتحدة بل في أجزاء كثيرة من أوروبا. فهل تعني القيود أن مرحلة إضافية من الركود ستحصل قبل استدامة التعافي على شكل الحرف W [ركود مزدوج يفصل بينهما نمو ضئيل ثم هبوط] وليس V [ارتفاع بعد هبوط].
لا نستطيع أن نعرف تماماً لأننا نشهد للتو فرض إجراءات جديدة ولا نعرف مدى العمق الذي ستصل إليه وطول المدة التي ستستغرقها. لكن كل يوم يمر يجلب قيوداً في مكان ما. فباريس ومدن رئيسة أخرى كثيرة تخضع لمنع التجوال. وأعلنت إسبانيا حال الطوارئ. وأغلقت هولندا الحانات والمطاعم والمقاهي كلها. وتفرض إيطاليا سلسلة من القيود المناطقية... وهكذا.
وفي المملكة المتحدة، تخضع إيرلندا الشمالية وليفربول لقيود مشددة في شكل خاص، وثمة ضغوط سياسية تمارس من أجل تمديد هذه الإجراءات وضد تمديدها في آن.
فلنتبعد عن العمل السياسي، حيث تكثر الجعجعة ويقل الطحن في المملكة المتحدة، ونقترب من الاقتصاد، حيث الغموض ليس سيد الموقف.
نعرف أن تعافياً قوياً حصل في الفصل الثالث، فاستعاد الاقتصاد نحو ثلثي ما خسره. ونعرف أن توقفاً حصل حتى قبل فرض هذه الإجراءات الأخيرة. ويمكننا أن نكون على ثقة كبيرة بأن الفصل الرابع سيشهد استقراراً، على الرغم من أننا لا نستطيع أن نكون متأكدين لأن الفصل بدأ للتو. وسيحصل على الأرجح بعض النمو لكنه لن يكون كبيراً. وفي تقييم عام، يبدو أن الإغلاقات (عمليات الحجر) في أوروبا ستؤجل التعافي ثلاثة أشهر.
وتتلخص المشكلة في تقييمات كهذه في أنها ولو أثبتت صحتها تتجاهل الأثر التفصيلي. فبالنسبة إلى بعض الناس، لا يهم على الإطلاق تأخر التعافي. هم يستطيعون مواصلة العمل من المنزل وخفض تكاليف تنقلهم وغيرها. وتستفيد كذلك بعض الشرائح من التأخر هذا. فهو يكرس عادة التسوق عبر الإنترنت، ما يعزز موقع "أمازون" أو "أوكادو" إزاء الشركات المنافسة التقليدية. فاليوم تعد ألمانيا السوق الأحدث الثاني لـ"أمازون" بعد الولايات المتحدة وقبل المملكة المتحدة. وتفوقت "أوكادو" على "تيسكو" باعتبارها جهة البيع بالتجزئة الأعلى قيمة في بريطانيا.
لكن بالنسبة إلى قطاعات أخرى، ستكون الموجة الثانية من الحجر مدمرة. وهذا واضح، مثلما سيعرف أي شخص يتحادث مع مالك مطعم محلي. ومن الواضح أيضاً أن مراكز المدن ستعاني مزيداً من الأضرار. ويدرك رئيس بلدية مانشستر أندي بورنهام ذلك حين يعارض إجراءات حجر أقسى حتى لمدينته.
وتعود الصعوبة، في جزء منها، إلى أن بعضاً من الضرر واضح– المطاعم المغلقة– في حين أن الشطر الأكبر منه مستتر. فلا يمكنكم رؤية الدين. في وقت يمكنكم رؤية مبنى تجاري وهو مهجور أو مركز تسوق يقع خارج المدينة وهو فارغ، لكنكم لا تستطيعون أن تروا أن المستأجرين لا يدفعون أي إيجار أو أن المالكين يفلسون. ويعني توقف التعافي لثلاثة أشهر أن بعض الأعمال التي كانت لتعاني خلالها لن تتمكن من الاستمرار.
وبعيداً قليلاً عن التداعيات الاقتصادية للأمر، هناك الأثر البشري: الناس العاملون باجتهاد، وهم شباب في الأغلب، الذين تبددت آمالهم وأحلامهم. وثمة عامل يتعلق بالعمر هنا. للإغلاق الثاني أثر اقتصادي أقل في المتقدمين في السن مقارنة بالشباب.
فما الذي يجب أن نبحث عنه؟
العامل الأول والأكثر وضوحاً، هو المهلة المعطاة لهذه الإجراءات الجديدة. فلو حصلت نقطة تحول في حالات العدوى [تراجعها] والإجراءات التالية على صعيد سياسات الحجر خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، لن يكون الأثر المباشر أصغر فحسب بل سيجري أيضاً احتواء الضرر في المناطق وفي مختلف القطاعات. ولو استطاعت شركة أن ترى التغيير مقبلاً فستكون لديها حجة قوية تشرحها للمقرضين ليساعدوها على تجاوز المرحلة. وهذا ينطبق في شكل خاص على قطاع الضيافة، الذي تكيف عموماً في شكل مذهل مع التحديات. وإذا مددت الحملة ستتأخر نقطة التحول.
وهناك تالياً الاستجابة المالية للحكومة. فعند مستوى عام، تستطيع الحكومات أن تمد يد المساعدة. وربما لم تكن استجابة وزارة المالية مثالية، لكن الأمر لا يتعلق بالسياسات الأمثل بل بالسياسات الجيدة بما يكفي. وتتلخص المشكلة في أن أي برنامج حكومي تنازلي لن يتمكن من مساعدة بعض الضحايا. ويمكننا أن نفترض أن مزيداً من المال العام سيخصص للدعم في حال تشديد الحجر. وعلينا أن نأمل في أن السياسات ستستمر في أن تكون جيدة بما يكفي، حتى ولو بلغت الفاتورة مستوى أعلى حتى مما بدا محتملاً قبل بضعة أسابيع.
وأخيراً، نحتاج إلى النظر في الاستجابة البشرية. فكيف سيتصرف الناس خلال الخريف؟ عند المستوى الأولي، هل سيبدأ الناس في الإنفاق مجدداً حين تخفف الضوابط؟ فنسبة الادخار، التي تبلغ عادة نحو سبعة في المئة من الدخل (وهي متدنية في الواقع، نظراً إلى الخصائص السكانية للبلاد) قفزت إلى 29 في المئة خلال الفصل الثاني. وهذا يعني كمية ضخمة من النقود تنتظر من ينفقها، وهي كمية ستدعم الاستهلاك خلال العام المقبل حين سنتمكن من إنفاقها.
يبدو الاقتصاد دائماً مرتبطاً بالأرقام وهي بالتأكيد الطريقة التي نقيس بها ما يجري. لكن إذا نظرتم في الواقع إلى ما وراء الأرقام سيتعلق الأمر إجمالاً بالسلوك– أو مزاجنا، وآمالنا ومخاوفنا، واستعدادنا للمخاطرة، ورغبتنا في بناء مهاراتنا، وما إلى ذلك.
وإذا رغبتم في معرفة مدى جدية الركود الثنائي المتوقع، فجواب السؤال هذا، في شطر منه، يكمن في كيفية استجابتنا للعروض المقبلة في يوم الجمعة الأسود الذي يقع في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) والذي نشرنا تقريراً عنه الأسبوع الماضي. وإلى ذلك الحين فلنأمل بأن المنعطف يلوح في الأفق وآت.
© The Independent