على الرغم من وجود مخاوف عديدة من حدوث اضطرابات وفوضى بعد بدء ظهور النتائج الأولية للانتخابات الأميركية، واحتمال إثارة أزمة دستورية في البلاد، إذا لم يعترف الرئيس دونالد ترمب بالنتائج إن خسر الانتخابات، فإن هناك ضوابط قانونية ومكابح لن يكون من السهل تجاوزها. فما هي أسوأ الاحتمالات، وما طرق مواجهتها؟ ولماذا تبدو فرص الفوضى بعيدة عن الواقع؟
يخشى كثير من الديمقراطيين أن يسرق الرئيس ترمب الانتخابات. ولأن القلق يساورهم كلما اقترب الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني)، يوم الاقتراع، تتزايد أسئلتهم عن الدعاوى القضائية المتعلقة بالانتخابات، والمواعيد النهائية للطعون، وتقنيات عمل المجمع الانتخابي، اعتقاداً منهم، أن ترمب لن يقبل نتيجة الانتخابات إذا ما خسرها، وسيفعل أي شيء ليبقى في السلطة.
ولا يبدو هذا القلق مستغرباً، في ظل ما كشفه استطلاع للرأي أجراه ياهو نيوز مع يوغوف في سبتمبر (أيلول) الماضي، بأن 22 في المئة فقط من الأميركيين يعتقدون أن الانتخابات ستكون حرة ونزيهة، بينما اعتبر 46 في المئة منهم أنها لن تكون كذلك.
أسباب انتشار هذا الاعتقاد بين الأميركيين لم تظهر من فراغ، فقد زرع الرئيس ترمب شكوكاً عبر ادعاءات متكررة بأن الانتخابات ستكون مزورة، فضلاً عن رفضه المتكرر الالتزام بالتداول السلمي للسلطة باستثناء مرة وحيدة قال فيها، إنه يلتزم ذلك إذا ما كانت الانتخابات نزيهة. كما أن الإقبال الهائل على التصويت المبكر، وعبر البريد بسبب جائحة كورونا، جعل المناخ السياسي المشحون أصلاً يركز على آليات النظام الانتخابي، وما يمكن أن يفرزه من توترات إذا ما تقاربت نتائج التصويت بين المرشحين، وأنه سيكون من السذاجة بالنسبة إلى كثيرين توقع أن تمر هذه الفترة الصاخبة بسلام.
حقيقة مُغايرة
لكن هذه المخاوف تفاقمت وتحولت من مجرد احتمالية إلى فزع مكتوم من أزمة دستورية محتومة توشك أن تتحقق، بما يجعل الصراع الانتخابي الذي عايشته الأمة الأميركية في فلوريدا عام 2000 بين المرشح الديمقراطي آل غور والمرشح الجمهوري جورج بوش الابن تبدو كأنها نزهة. لكن الحقيقة ليست كذلك، حسب ما يشير إليه باحثون في واشنطن.
ويعتقد بنيامين غينسبرغ الذي مثل المرشح الجمهوري في الإشراف على إعادة عد الأصوات في ولاية فلوريدا عام 2000، أن سلوك الرئيس ترمب جعل الناس تفكر في أسوأ السيناريوات المحتملة بعد الانتخابات، التي تُعد فرص تحقيقها بعيدة المنال من الناحية الواقعية. لهذا، فإن تضخيم هذه السيناريوات هو ما يسبب الهلع السائد الآن.
السيناريو الأسوأ
تتمثل أسوأ السيناريوات في غياب نتيجة واضحة ليلة الانتخابات عقب فرز الأصوات، ونظراً لأن عدداً من الولايات ستكون مضطرة إلى التعامل مع زيادة هائلة في الاقتراع بالبريد وأصوات الغائبين حسبما تدل المؤشرات، سوف تستغرق العملية وقتاً أطول لمراجعة هذه الأصوات وفرزها، مقارنة مع عملية فرز أصوات المقترعين شخصياً في اللجان الانتخابية.
وبينما تُظهر استطلاعات الرأي أن تشكيك ترمب في الاقتراع عبر البريد أدى إلى انقسام حزبي كبير حول أسلوب التصويت، من المتوقع أن يصوت عدد أكبر بكثير من الجمهوريين في يوم الانتخابات. بينما من المرجح أن يكون الديمقراطيون هم أكثر من يصوت عبر البريد. وإذا أظهرت النتائج الأولية غير الرسمية تقارباً بين ترمب وجو بايدن، فإن التأخير المحتمل في فرز أصوات المقترعين بالبريد الذين قد تصل أوراق اقتراعهم بعد يوم أو اثنين، ربما يسمح للرئيس ترمب أن يدعي أن زيادة عدد المؤيدين لبايدن والديمقراطيين عبر البريد في الأيام التي أعقبت 3 نوفمبر هو احتيال، وبالتالي يجب عدم احتساب هذه الأصوات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتعلق الأنظار في هذه الانتخابات بثلاث ولايات متأرجحة وحاسمة لإعلان الفائز، هي ميشيغن وويسكونسن وبنسلفانيا، التي وسعت جميعها من عمليات التصويت بالبريد هذا العام ولديها حكام ديمقراطيون ومجالس تشريعية جمهورية دخلت في معارك قانونية حول قواعد إجراء الانتخابات في محاكم الولايات والمحاكم الفيدرالية، ولا تستطيع بموجب قانون كل ولاية منها من عد الأصوات عبر البريد قبل إغلاق عمليات الاقتراع يوم الانتخابات.
وقد تتسبب مراوغات أخرى في شأن الأختام البريدية والأظرف المستخدمة في مزيد من الشكوك حول صحة هذه الأصوات، ومن ثم قد يتسبب ذلك في تأجيل حسم النتيجة لأيام عدة وربما لأسابيع إذا كانت النتائج متقاربة. وما يجعل هذا السيناريو محتملاً هو أن محكمة في بنسلفانيا قضت هذا العام بعدم احتساب مثل هذه الأصوات التي تحيطها شكوك، وهي ولاية حاسمة فاز بها ترمب بأغلبية 44 ألف صوت فقط عام 2016.
ثلاثة افتراضات
ولكن، هذا السيناريو وتأخر فرز الأصوات بالبريد في الولايات الثلاث، يتوقف على عوامل عدة قد لا تتحقق، إذ إنه يفترض أولاً تأخر وصول بطاقات الاقتراع بالبريد وفرزها. وهو أمر لا يوجد دليل أنه سيحدث قطعياً، ويجب أن تكون الأصوات متقاربة جداً في هذه الولايات. وهو ما لا تشير إليه استطلاعات الرأي الحالية، إذ ظلت الهوة بين بايدن وترمب ثابتة ومستقرة لأسابيع. ما يعني أن احتمالات تقارب النتائج ما زالت غير متوقعة إلى حد بعيد، خصوصاً مع وجود عدد أقل بكثير من الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم، مقارنة بانتخابات عام 2016.
وحتى إذا ما حصل هذا التقارب خلال الأيام المتبقية قبل الانتخابات، فإن الأمر يتطلب أن يتوقف السباق الرئاسي على تلك الولايات الثلاث، حيث يمكن لولايات أخرى تجري فيها عمليات فرز الأصوات بالبريد بشكل أسرع كما تشير تجارب سابقة مثل فلوريدا وأريزونا، أن تقرر مصير الانتخابات. ما يجعل أي شكوك حول نتائج بنسلفانيا وميتشيغن وويسكونسن لا قيمة لها.
تضخيم المخاوف
مع ذلك، يواصل البعض تضخيم المخاوف ويحذرون من أن الأمر قد ينتهي إلى السيناريو الأسوأ حين تكون نتيجة الانتخابات غير واضحة بعد أيام أو أسابيع، ومن ثم يتوقعون أن يضطر الرئيس ترمب والجمهوريون إلى رفع دعاوى قضائية، وأن يستمر الجدل حول عمليات فرز الأصوات، وأن يتهم ترمب خصومه بالتزوير ويقنع قطاعات كبيرة من الناخبين بأن ثمة عمليات احتيال تجري وراء الكواليس. وبينما يُرجح أن تتوقع وسائل الإعلام الرئيسة فوز بايدن، فإن ترمب سيصف ذلك بأنه انقلاب يساري ويرفض الإذعان والاعتراف بالهزيمة، فيما تواصل وسائل الإعلام المحافظة وأعضاء الكونغرس الجمهوريون، وحتى وزارة العدل دعم موقف الرئيس ترمب. ووسط هذا الاستقطاب العنيف، ينزل الحزبيون وربما الجماعات المتشددة المسلحة من الجانبين إلى الشوارع، وتغرق الولايات المتحدة في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.
ولكن، حتى لو حدث ذلك السيناريو، يؤكد مختصون في الانتخابات أن ليس لدى الرئيس ترمب قدرة على التحايل على إجراءات الانتخابات المعقدة من خلال تغريداته النارية، إذ إن مسؤولي الولاية والمسؤولين المحليين والقانونيين هم في الواقع من يدير الانتخابات، ومعظمهم من المهنيين ذوي الخبرة الذين يتمتعون بسجل طويل من الحياد والنزاهة.
ضوابط وقيود
أكثر من ذلك، فإن المخالفات والانتهاكات والتحديات تخضع لضوابط وقيود وعمليات مراقبة ومراجعة تم اختبارها جيداً في السابق، ولا يمكن على سبيل المثال أن يطالب المرشح بإعادة الفرز، ما لم تكن النتيجة متقاربة مع أقرب المتنافسين وضمن هامش معين يختلف من ولاية لأخرى، ولا يوجد للمرشحين أي دور أو سلطة في تحديد نتيجة الانتخابات.
وسواء اعترف ترمب بالنتيجة أم لا، لن يكون لذلك تأثير يذكر على قرار الانتخابات، ولا يمكنه وبايدن أو أي مرشح آخر أن يفرض على المحكمة العليا الأميركية مصير الانتخابات، الأمر الذي أشار ترمب سابقاً إلى إمكانية حدوثه. وقد أثار قلق الديمقراطيين، ذلك أن هناك إجراءات قانونية ينبغي توافرها قبل أن يصل خلاف قضائي ما إلى المحكمة العليا، مثل قضية بوش ضد غور عام 2000 في ولاية فلوريدا، التي كانت قضية تختص بحالة معينة في مكان معين، ذهبت إلى المحكمة العليا بعد انقضاء الموعد النهائي لحسم القضية داخل الولاية.
دور القضاة
يتخوف البعض من سيناريو آخر يستمر فيه عدم الإعلان عن فائز بالانتخابات في ولاية أو أكثر، بينما يقترب الموعد النهائي لتحديد قائمة أسماء أعضاء المجمع الانتخابي الذين يمثلون الولاية في الاقتراع الذي يتم لاحقاً في الكونغرس، لاختيار الرئيس وفقاً لما ينص عليه الدستور الأميركي، فيحاول المشرعون الجمهوريون تجاوز الطريقة الديمقراطية المتبعة وتعيين قائمة أسماء خاصة بهم لتمثيل الولاية في المجمع الانتخابي، وليس أولئك الذين اختارهم الناخبون في بطاقات الاقتراع، بحيث يُجبر الكونغرس أو المحاكم على حل تلك المعضلة.
وفي حين لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال بالكامل، نظراً لولاء الجمهوريين للرئيس ترمب، من المرجح أن يتصدى القضاة لمثل هذه المحاولة ويفشلونها لمخالفتها القانون الفيدرالي وانتهاكها الحقوق الدستورية.
أما إذا كان الأمر في يد الكونغرس، كما ألمح الرئيس ترمب قبل أسابيع، فسوف يخضع لقانون العد الانتخابي الذي أقره الكونغرس عام 1887، بعد أزمة خلافية بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي في انتخابات 1876. ويمنح هذا القانون الكونغرس حق عد الأصوات المختلف عليها أو استبعاد الأصوات كلها إذا ما اقتضى الأمر.
وعلى الرغم من أن غالبية السيناريوات تبدو بعيدة التحقق حتى الآن، إلا أن إثارة المخاوف والقلق حول العملية الانتخابية من شأنها أن تترك ضرراً باهظاً على الديمقراطية الأميركية. فهي تقوض ثقة الناس في أن تصويتهم سيحتسب ويؤثر، وتخلق مشكلة حقيقية تتمثل في عدم إيمان الناس بالنظام الذي يختارون من خلاله قادتهم.