انتشرت خلال الفترة الماضية قصص نسوية على مواقع التواصل الاجتماعي وشغلت الرأي العام في الجزائر. أبطال تلك القصص نساء جزائريات قرّرن الخروج إلى العلن والتعبير عما يفكرن فيه وإعلان إرادة تغيير الواقع المجتمعي، من خلال المطالبة بتقلّد مناصب كانت في وقت سابق حكراً على الرجل، أو إعلان "حراك ناعم" ضد العنف على جنسهن من جانب الجنس الآخر، كما يقُلن.
التقطت عدد من الفنانات والإعلاميات الجزائريات صوراً، يرتدين فيها اللباس الأسود، وظهرن عابسات يمسك بعضهن بأيدي بعض. واستنكرن "التعدي على حقوق الإنسان والمجتمع من خلال التبرير للاعتداءات الوحشية التي سجلتها صفحات الحوادث في الفترة الأخيرة ضد نساء"، بحجة أن "المرأة هي التي استفزّت الجلاد".
وتنطلق هذه الحركة النسوية من قصص الشابات اللائي تعرّضن للعنف، وقد وصل الأمر إلى القتل والحرق والتنكيل، مثلما حصل مع الشابة شيماء ذات الـ19 ربيعاً، التي تعرّضت للاغتصاب وحرق جثتها والتنكيل بها. وعلى الرغم من ملايين رسائل التعاطف مع الفتاة وعائلتها، إلا أن بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي برّروا للجاني بحجة أن شيماء لم تكن محجبة وأنها "أثارت غريزته".
توالت بعدها القصص المشابهة، في ولايات متفرّقة من البلاد، وتم تداولها على نطاق واسع، وعلت الأصوات المبرّرة لـ"الجناة"، بحجة أن "النساء الضحايا"، أسهمن في تلك الجرائم بالتحريض عليها من خلال لباسهن وعدم احترام التقاليد المجتمعية.
الشكل مقياس لكن الرد في العمل
لم يتوقف التنمّر ضد بعض النساء في الجزائر عند التعليق على ما يقُلنه وما يرددنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل تجاوز الأمر ذلك، إذ "ثارت حفيظة" عدد كبير من مستخدمي "فيسبوك" و"إنستغرام" حينما أُعلن عن فوز امرأة برئاسة أحد مجالس البلديات في شرق البلاد.
وقررت رئيسة بلدية ميلة، شرق البلاد، زهية قارة، التي عُرفت بلقب "امرأة ميلة"، أن تشمّر عن ساعديها وتثبت أن "القيادة" مسؤولية تستطيع تحقيقها النساء كما الرجال. وخرجت لتصرّح في عدد من اللقاءات الإعلامية أن "الميدان هو من يرد على من انتقد وصولي إلى رئاسة البلدية واعتبرني عورة".
ولم يتوقف التنمر ضد زهية قارة عند التشكيك في قدرتها كسيدة ترأس بلدية، بل تعدى ذلك إلى التنمر على شكلها، وليس من بعض الرجال فحسب إنما من طرف النساء أيضاً. وتم تناقل صور لها وصفت بـ"القبيحة". الأمر الذي ردّت عليه قارة بـ"أعلم أن الشجرة المثمرة ترجم... وأنا سيدة مثمرة"، مؤكدة أن العمل هو المقياس الوحيد للحكم عليها لأنه بيدها وهي قادرة على إثبات ذلك.
بن فغول
خرجت مدونة الموضة، التي تظهر عبر إحدى الشاشات الجزائرية في برنامج نسائي، مونيا بن فغول، عبر صفحتها على "إنستغرام"، لتعبّر عن استيائها من التحرش الذي تتعرض له النساء والتبرير له، قائلة "نحن نعيش في مجتمع مكبوت، ينظر إلى المرأة باعتبارها قطعة لحم، يكفي أن تخرج الأنثى بجينز وتظهر القليل من جسمها حتى تلاحقها عيون الذكور".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم يمر فيديو فغول عبر مواقع التواصل الاجتماعي مرور الكرام، بل شهدت حملة هجوم واسعة، إذ فتح عدد من الصفحات النار ضدها. ووصل الأمر إلى التهديد بتشويهها أو التحريض على التعرض لها في الشارع، معتبرين أن كلامها "تجاوز منها على مجتمع الذكور". في الوقت الذي يتم تداول توقيف البرنامج الذي تقدّمه فغول وزميلات لها، على خلفية الفيديو الذي سجلته وحملة التنمر التي أعقبته.
واعتبر البعض أن طريقة فغول في التعبير عن رأيها في التحرش، هي ما جعلها عُرضة للهجوم والانتقاد، لكونها اختارت عبارات مستفزة، كما أنها استخدمت أسلوب التعميم، بينما كان يمكنها الحديث بطريقة أكثر موضوعية عن فئة من الرجال بدلاً من وضع الذكور في سلة واحدة. ويعيب البعض عليها أنها لم تتقدم باعتذار رسمي، أو توضيحات عما بدر منها بشكل يضمن لها حق الرد وقد يُنصفها، وفق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
السهام تطاول المتفوقات
حتى المتفوقات في شهادة البكالوريا لم يسلمن من التنمر بعد إعلان نتائج شهادة البكالوريا التي تم اجتيازها في ظروف غير عادية هذه السنة. فقد شهدت الجزائر حملة تنمر على نطاق واسع، طاولت طالبتين متفوقتين في ولايتين مختلفتين، إذ تعرضت إحداهما، التي حصلت على أعلى معدّل في ولايتها، لحملة "رجم" إلى "حد وصفها بالداعشية"، وذلك بسبب ارتدائها الجلباب. في حين تركّزت على زميلتها المتفوقة في ولاية أخرى حملة "شعواء". وقد وصفها البعض بـ"المتبرجة" وبـ"أن نجاحها ليس له معنى" ما دامت لم تلتزم بما وصفوه بـ"الستر"، بعدما تم تداول صورها وهي ترتدي "جينزاً وسترة بنصف كم". ودعا البعض إلى "إعادة ترتيب أولويات التربية وتغليب التربية الدينية على العلم".