بدأت البنوك الكبرى في بريطانيا التواصل مع الشركات المتخصصة في تحصيل الديون لترتيب اتفاقات لتحصيل مليارات الدولارات من الشركات والأعمال التي أقرضتها البنوك ضمن برامج الدعم الحكومي للاقتصاد لمواجهة تبعات أزمة فيروس كورونا.
وتخشى البنوك ارتفاع نسبة الديون المشكوك في تحصيلها بما يُعرّض ملاءتها المالية للمخاطر، وخاصة أن الانتعاش الاقتصادي المأمول لم يتحقق، وهناك احتمال متزايد بحدوث ركود اقتصادي عالمي جديدة بسبب الموجة الثانية من الوباء.
وتوقع تقرير لمكتب مراجعة الإنفاق في مجلس العموم (البرلمان البريطاني) أن تصل الديون المعدومة والمشكوك في تحصيلها من بين القروض التي قدمت في الأشهر الماضية لمساعدة الشركات والأعمال على مواجهة تبعات الأزمة الصحية إلى نحو 34 مليار دولار (26 مليار جنيه إسترليني).
والنسبة الأكبر من تلك القروض المشكوك في تحصيلها هي من القروض الصغيرة التي تضمنها الخزينة العامة بنسبة 100 بالمئة، وبلغ حجم تلك الحزمة من القروض ما يصل إلى 40 مليار دولار (30 مليار جنيه إسترليني). ويعني توقع مكتب المراجعة المالية الوطني أن النسبة الأكبر من تلك القروض قد لا تتمكن البنوك من تحصيلها، مع احتمال عودة الأعمال والشركات لنشاطها السابق واستمرار معاناتها أزمة كورونا.
العقارات التجارية
لا تقتصر مخاوف البنوك على عدم تحصيل القروض التي قدمت في إطار حزم الدعم الحكومية، وإنما تخشى كذلك خسارة المليارات من القروض الشخصية، وتخلف الأسر عن تسديد قروض بطاقات الائتمان، وغيرها.
ونشرت مؤسسة "أوكسفورد إيكونوميكس" هذا الأسبوع تقريراً عن خسائر البنوك المحتملة نتيجة ضعف النشاط التجاري الذي أدى إلى انهيار أسعار العقارات التجارية في الاقتصادات المتقدمة. ومن بين اقتصادات 13 دولة شملها التقرير خلصت إلى أن الديون المعدومة، أو القروض المشكوك في تحصيلها نتيجة ضعف النشاط الاقتصادي وانهيار سوق العقار التجاري، ستكون أكبر في اقتصادات، مثل الولايات المتحدة، وأستراليا، وبريطانيا، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية.
وتوقع التقرير أن يتكرر سيناريو ما حدث في الأزمة المالية العالمية، وربما بشكل أكبر وعلى مدى أطول، بسبب تأثيرات أزمة كورونا التي قدر البعض في البداية أنها ستنتهي في غضون أشهر، ويبدأ التعافي، لكن ذلك لم يحدث، ويتجه العالم إلى فرض إجراءات وقيود جديدة للوقاية من الموجة الثانية من انتشار الفيروس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الأزمة المالية العالمية عام 2008 كانت نسبة الديون المعدومة من الإقراض لقطاع العقارات التجارية في الولايات المتحدة بين 20 و30 في المئة من إجمالي الديون المعدومة في أميركا. وتوقع تقرير "أوكسفورد إيكونوميكس" أن تكون هذه النسبة أكبر مع الوباء الحالية. والمثال على وضع العقارات التجارية واضح في هبوط الإيجارات والأسعار لمساحات المكاتب وغيرها من العقارات التجارية في هونغ كونغ وسنغافورة بمعدل هو الأسوأ منذ 11 عاماً.
ضعف الائتمان
تُعد القروض للعقارات التجارية مجرد مثال على ما تتوقعه البنوك من خسائر نتيجة ارتفاع معدلات الديون المعدومة والقروض المشكوك في تحصيلها، وخاصة أن الاقتصاد العالمي لم يشهد التعافي المنتظر حتى مع حزم التحفيز والدعم المالي الحكومي للشركات والأعمال.
اصدرت مؤسسة "موديز للتصنيف الائتماني"، الأسبوع الماضي، تقريراً عن مخاطر الائتمان للبنوك الرئيسة الخاضعة للتصنيف، مع تحذيرات جدية من خسائر هائلة للبنوك نتيجة تخلف الأعمال في مختلف القطاعات الاقتصادية عن سداد ديونها.
وأشار التقرير إلى أن ذلك سيؤدي إلى ضعف سوق الائتمان العالمي، ما يجعل من الصعب على الشركات الاقتراض لتمويل النشاط واستعادة القدرة على الربحية حتى بعد انتهاء الأزمة، أو انخفاض حدّتها.
وتوقع التقرير أن يكون القدر الأكبر من خسائر البنوك في بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا، مع زيادة احتمالات الركود المزدوج. وسيزيد الانكماش الاقتصادي من خسائر البنوك نتيجة ارتفاع نسبة الديون المعدومة في دفاتر حساباتها واضطرارها لتغطية ذلك من رأسمالها. وقدّر تقرير "موديز" انكماش الناتج المحلي الإجمالي البريطاني عام 2020 في المتوسط بنسبة 10.1- في المئة، أي تقريباً ضعف نسبة الانكماش في الاقتصاد الأميركي الذي يُتوقع أن ينمو سلبياً بنسبة 5.7- في المئة هذا العام، بينما يتوقع انكماش الاقتصاد الأسترالي بنسبة 5.3- في المئة.
إلا أن تقرير "موديز" توقع أن تكون خسائر البنوك من الديون المعدومة والقروض المشكوك في تحصيلها في بريطانيا أقل منها في أميركا وأستراليا. وأرجع التقرير ذلك إلى القدر الأكبر من القروض التي قدمتها البنوك مضمونة من الخزينة البريطانية بنسب تتراوح بين 60 و100 في المئة. ويعني ذلك أن البنوك ستحصل على نسبة معقولة من القروض المعدومة من الضامن: الحكومة، حتى لو تخلف المقترضون عن السداد، أو أعلنوا إفلاسهم.
تظل المشكلة أن فرص التعافي الاقتصادي تعتمد إلى حد كبير على صحة وانتعاش سوق الائتمان، أي قدرة البنوك على إقراض الأموال لتستعيد نشاطها بعد خسائر أزمة وباء كورونا، ومع زيادة نسبة القروض المشكوك في تحصيلها وتحولها إلى ديون معدومة تثقل دفاتر حساب البنوك، ويضعف سوق الائتمان، وتتراجع قدرتها على مزيد من الإقراض، وهذا ما يدفع البعض الآن لمطالبة الحكومات والبنوك المركزية بالاستمرار في تقديم الدعم وحزم التحفيز الاقتصادي لتفادي الركود الاقتصادي العميق. وكانت تلك خلاصة رسالة صندوق النقد الدولي في اجتماعاته السنوية هذا الشهر، حين طالب الحكومات حول العالم بالاستمرار في الإنفاق وعدم التفكير في ضبط الاقتراض العام حالياً قبل الانتعاش الاقتصادي.