بينما يعرض الرئيس دونالد ترمب ونائب الرئيس السابق جو بايدن حججهما الختامية على الناخبين في الولايات الحاسمة، يواجه الناخبون الأميركيون المنقسمون، بل والعالم الذي يراقب من الخطوط الجانبية، سؤالاً مقلقاً: ماذا لو لم تُعِد انتخابات 3 نوفمبر (تشرين الثاني) ضبط المشهد السياسي كما يأمل العديد من الناخبين والمحللين والحلفاء؟
وبغض النظر عمّن سيشغل البيت الأبيض لاحقاً، فإنه سيرث دولة منهكة بسبب المأساة الصحية والاقتصادية المرتبطة بكوفيد-19، ومرهَقة بسبب عواصف التغريدات، ومستاءة على الأقل جزئياً من نتيجة الانتخابات نفسها.
تشير الشواهد المتزايدة إلى أن انتخابات نوفمبر على الأرجح لن تقدم علاجاً لكل ما تعانيه البلاد من آلام.
لقد أظهر استطلاع أخير أن أربعة من كل عشرة طلاب جامعيين يخططون للاحتجاج إذا أعيد انتخاب ترمب في نوفمبر. لكن الدّافع نحو الاضطراب لا يتعلق فقط بترمب، حيث ذكر ما يقدر بستة من كل عشرة طلاب شملهم الاستطلاع، أنهم سيواجهون أقرانهم الذين بإمكانهم التصويت في الانتخابات ولكنهم لن يُصوّتوا. وتأتي هذه الآراء بعد استطلاع أكثر حدة وجد أنه من بين الأميركيين الذين يُعرّفون أنفسهم إما كديمقراطيين أو كجمهوريين، يَعتقد واحد من كل ثلاثة بإمكانية تبرير العنف لتحقيق أهداف حزبهم السياسية.
وعلى الرغم من عدم ارتباطه مباشرة بأي من الحزبين السياسيين، إلا أننا رأينا بالفعل أعمال عنف سياسية مذهلة في هذا الموسم الانتخابي، بما في ذلك عملية القتل التي نفذها في مدينة كِينُوشَا مسلح يبلغ من العمر 17 سنة باستخدام بندقية (حربية) من طراز AR-15 خلال احتجاجات ضد عنف الشرطة، وحادثة إطلاق النار التي أودت بحياة متظاهر من مجموعة "باتريوت موستر" Patriot Muster في دنفر، وإحباط مخطط لاختطاف حاكمة ميشيغان غريتشن ويتمر. ويحدث كل هذا في ظل تقارير تتحدث عن "ارتفاع" مبيعات الأسلحة والذخيرة في الولايات المتحدة خلال الفترة التي سبقت الانتخابات، بما في ذلك من قبل المشترين الجدد وفئات السكان التي لا ترتبط تقليدياً بامتلاك السلاح.
وبطبيعة الحال، لم يمر العنف من دون ملاحظة، فهناك أصوات متزايدة تحذر من أن انتخابات نوفمبر قد لا تنهي حالة الغموض السياسي، بل إنها ستجلب بداية لحظة أكثر تقلباً وشؤماً في التاريخ السياسي للولايات المتحدة. وللاستعداد لجميع الاحتمالات، يخطط "فيسبوك" لنشر أدوات طوارئ تم تطويرها للبلدان "المعرضة للخطر،" بما في ذلك إبطاء المحتوى الذي ينتشر بسرعة في الولايات المتحدة لمواجهة الاضطرابات والعنف المرتبط بالانتخابات.
وبصفتي باحثة لمدة طويلة في العنف الانتخابي، ما أعرفه هو أنه إذا استمر الرابحون في الفوز واستمر الخاسرون في خسارة الانتخابات بشكل متكرر - أو إذا كان يُنظر إلى الفائزين على أنهم يفوزون بشكل متكرر ويُنظر إلى الخاسرين على أنهم يخسرون بشكل متكرر - فقد يتّبع الخاسرون استراتيجيات بديلة للوصول إلى السلطة.
إن إجراء انتخابات حرة ونزيهة أمر أساسي وقديم قِدم أميركا نفسها. لكن، مع تطور المعنى المقصود بإجراء انتخابات حرة ونزيهة بمرور الوقت، تطوّرت كذلك محاولات تقويضها. (جدير بالذكر، على سبيل المثال، التعديل الدستوري 15 الذي يمنح الرجال الأميركيين من أصل أفريقي الحق في التصويت والتعديل 19 الذي وسّع حق التصويت ليشمل النساء).
ومع إجراء الولايات المتحدة انتخابات محورية في خضم جائحة عالمية، كان الناخبون الأميركيون يتلقون معلومات مضللة متعلقة بالانتخابات، بما في ذلك حملة تأثير من قبل إيران عبر رسائل الكترونية مزيفة، وشاهدوا الهجمات ضد عمليات التصويت عبر البريد وخدمة البريد الأميركية. كما تتصدر عناوين الأخبار بشكل يومي ادعاءات جديدة حول تزوير التصويت عبر البريد، وحصاد الأصوات (جمع الأصوات من الناخبين من قبل أطراف ثالثة وإيداعها جُملةً في مراكز الاقتراع) وممارسة التخويف ضد مراقبي عملية الاقتراع، والتصويت المزدوج ومخاوف التأخير في إعلان النتائج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يمكن للحديث حول عدم شرعية انتخابات نوفمبر ونتائجها أن يؤدي إلى مزيد من التمزق في نسيج البلد المتآكل أصلاً، وبذلك يزيد من احتمالية لجوء الناخبين إلى استراتيجيات بديلة غير انتخابية، لفرض وجودهم وإسماع أصواتهم.
بحسب أحدث البيانات المتاحة من مؤسسة غالوب Gallup، فإن 40 في المئة فقط من الأميركيين الذين شملهم الاستطلاع يثقون في نزاهة الانتخابات الأميركية. وبصيغة بديلة، فإن غالبية الأميركيين الذين شملهم الاستطلاع لا يثقون في نزاهة تلك الانتخابات. فهل هناك أي شك في أن الاحتجاجات التي أعيد تنشيطها بالفعل (من جميع الأطياف السياسية) وتراجع الثقة في الانتخابات الأميركية - مع وجود رئيس يزرع بذور الشك ويتردد في نبذ الجماعات المتطرفة أو التعهد بانتقال سلمي للسلطة - كل هذه العوامل توفر وصفة قوية لزعزعة الاستقرار؟
علاوة على ذلك، ستنتقل الشكاوى حول نزاهة الانتخابات عبر خطوط الصدع الحالية في المشهد السياسي الأميركي (طيف اليسار واليمين؛ عدم المساواة العرقية؛ والانتعاش "على شكل حرف K" [حيث تتراجع بعض القطاعات بشكل حاد بينما تزدهر قطاعات أخرى]؛ والولايات الساحلية في مواجهة الولايات الوسطية؛ والولايات الحمراء مقابل الولايات الزرقاء)، ما سيؤدي إلى ازدياد حدة التوترات، ورفع احتمالية حدوث اضطرابات مدنية وردود فعل عنيفة عبر المدن الأميركية، في أعقاب انتخابات نوفمبر.
سيبدو هذا على شكل قيام متظاهرين مناهضين لارتداء الكمامة في أوهايو بالاحتشاد في مقر الولاية ضد فوز بايدن وخطته المكونة من ثماني نقاط لمكافحة كوفيد-19، أو على شكل مواجهات بين نشطاء أنتيفا المحتجين في بورتلاند أو سياتل على إعادة انتخاب ترمب مع الشرطة الفيدرالية، أو مواجهات بين عناصر مجموعة "براود بُويْز" Proud Boys المسلحين ونشطاء العدالة العرقية خلال مسيرات الاحتجاج التي قد تندلع على خلفية صراع حول نتائج الانتخابات في تكساس أو نيو جيرسي أو ميشيغان.
بالنسبة للأميركيين الذين بدأوا العد التنازلي لموعد 3 نوفمبر على أمل أن يضع حداً للاضطراب، وبالنسبة للحلفاء الذين ينتظرون لمعرفة ما إذا كان الناخبون الأميركيون سيختارون ترمب للمرة الثانية ويتوقون إلى معانقة النهج المتعدد الأطراف وإعادة تنشيط العلاقات عبر الأطلسي وعودة الأمور إلى طبيعتها، فإنه من غير المرجح أن تلتئم تصدعات المؤسسة الأميركية حتى لو خرج ترمب من منصبه. وسيكون هناك خاسرون في هذه الانتخابات، وبوجود الكثير على المحك، وانكشاف الكثير من الأمور أمام العالم، فإنه من المرجح أن ترتفع المخاطر السياسية في الأشهر المقبلة عوض أن تتلاشى.
( الدكتورة ليندسي نيومان، باحثة جامعية ومحللة سياسية بارزة)
© The Independent