تستأثر كتلة الأجور بأكثر من 45 في المئة من حجم ميزانية الدولة التونسية، وهو ما أصبح يشكل تهديداً جدياً للتوازنات المالية العامة، لا سيما في ظل تداعيات كورونا على الاقتصاد والاستثمار في البلاد.
ميزانية وأجور
فما أسباب هذا التضخم في كتلة الأجور، وكيف يمكن الخروج من هذا الوضع؟
تضاعفت كتلة الأجور أكثر من ثلاث مرات مقارنة بسنة 2010 إذ لم تتجاوز ستة مليارات دينار (نحو ملياري دولار) سنة 2010، لتبلغ اليوم أكثر من 20 مليار دينار (نحو 6.6 مليار دولار)، وسبق لصندوق النقد الدولي أن حذر من التداعيات الخطيرة لتضخم كتلة الأجور في ميزانية الدولة، ودعا تونس إلى الحد من هذا النزيف.
وتحملت الميزانية العامة للدولة وحدها، وزر الضغط الاجتماعي، من خلال فتح باب الانتدابات بشكل عشوائي في القطاع العام لتفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي، كما تحملت تداعيات اتفاقيات الزيادة في الأجور مع الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة شغلية)، من دون أن يقابل ذلك نمو اقتصادي، قادر على امتصاص الأعداد المتزايدة للعاطلين عن العمل، وهو ما أثر على التوازنات العامة للمالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إيقاف النزيف
ودعا الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان إلى إيقاف هذا النزيف، عبر جملة من الإجراءات التي تعيد إلى المالية العمومية توازناتها، عبر إصلاحات هيكلية تمس الاقتصاد، والسياسة النقدية، إضافة إلى إجراءات مؤلمة في القطاع العام.
أضاف أن الزيادة في الأجور كانت بنسق مرتفع في حدود ثمانية في المئة سنوياً، وهو رقم مرتفع مقارنة بالأوضاع الاقتصادية في تونس، وخصوصاً في ظل تدني نسبة النمو الاقتصادي، مشيراً إلى أن أكثر من 80 في المئة من النفقات العمومية توجه إلى الأجور، وشدد على أن كتلة الأجور في تونس، تعتبر من أعلى النسب في العالم، إذ إنها تمثل 45 في المئة، من حجم الميزانية العامة.
الدولة عاجزة على الإيفاء بتعهداتها
واعتبر سعيدان أن الوضع خطير لأن الدولة التونسية اليوم في وضع لا تحسد عليه، لأنها وصلت إلى لحظة عدم قدرتها على الإيفاء بتعهداتها للمزودين، ودفع مستحقات المؤسسات العمومية، كما أنها تطلب من البنوك العمومية تأجيل مستحقات الخزينة بالدينار التونسي، مضيفاً أن الحكومة تقدمت بمشروع ميزانية تعديلية لسنة 2020 إلى مجلس نواب الشعب، يحتوي على عجز بنسبة 13.4 في المئة، معتبراً إياه رقماً غير مسبوق في تاريخ تونس، وقال "هناك حالة من الانفلات ونوع من عدم السيطرة على نفقات الدولة".
مراجعة سياسة الإنفاق
من جهة أخرى، أكد عز الدين سعيدان أن تونس، لم تحسن التعاطي مع تداعيات كورونا، لأنها لم تحافظ على النسيج الاقتصادي، وخصوصاً المؤسسات الصغرى والمتوسطة، كما خسرت آلاف مواطن الشغل، مشيراً إلى أن النزيف متواصل إلى اليوم، داعياً إلى ضرورة مراجعة سياسية الدولة في مجال الإنفاق العمومي.
وفي وقت دعا محافظ البنك المركزي مروان العباسي إلى مراجعة ميزانية 2020، وخفض الإنفاق العمومي بعد أن طلبت الحكومة من البنك شراء سندات خزينة لتمويل العجز المالي، طلبت لجنة المالية في مجلس نواب الشعب، رسمياً سحب مشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020، ودعت إلى إعادة دراسته والتنسيق في إعداده مع محافظ البنك المركزي.
ووصف كاتب الدولة المكلف بالمالية العمومية والجباية خليل شطورو في تصريح صحافي على إثر طلب اللجنة البرلمانية سحب مشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020، وصف وضع المالية العمومية في تونس بالصعبة والحرجة.
وبينما تعول الدولة على الاقتراض الداخلي لتمويل عجز متوقع بلغ 14 في المئة من الناتج المحلي، أبلغ العباسي لجنة المالية في البرلمان أن البنك المركزي يمكنه تمويل الخزانة بنسبة ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي كحد أقصى، محذراً مما سماها "مخاطر عالية" في حال اعتماد الشراءات الضخمة لسندات الخزينة.
تراجع القدرة الشرائية
وبين سعيدان أن دور البنك المركزي هو الحفاظ على السياسة النقدية في البلاد، وعلى مستوى الأسعار، وقيمة العملة الوطنية، وكان عليه أن يتدخل في وقت سابق، عندما اقترضت الدولة التونسية في خمس مناسبات متتالية من البنوك العمومية بالعملة الصعبة، معتبراً تدخله الآن متأخراً.
وأشار إلى أن تونس اقترضت عشرات مليارات الدنانير منذ عام 2011، إلا أن ذلك لم ينعش الاقتصاد، كما لم تتحسن ظروف التونسيين، بل إن القدرة الشرائية للمواطن التونسي تراجعت نحو 50 في المئة مقارنة بسنة 2010.
وسط هذه الأجواء، تعمل المنظمات الوطنية الكبرى على صياغة مبادرة لاحتواء أزمة شاملة في البلاد قد تنسف المسار الديمقراطي برمته.