ما إن أعلن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن فوزه في الانتخابات حتى بدأ السجال بين المحللين، حول ما إذا كان شريك أوباما في الحكم والحزب، سيكون وفياً لماضيه، أم سيخط طريقه المستقل؟ وهل سيتحرر من كل إرث غريمه دونالد ترمب أم سيُبقي على الضروري منه، مثل توثيق العلاقة بحلفاء أميركا في الشرق الأوسط؟
لكن هذا النوع من التساؤلات ليس بعيداً من اهتمام ساكن البيت الأبيض المنتظر، فهو قبل خوضه الانتخابات شرح اتجاه سياسته الخارجية بتفصيل ظل فيه أوباما الذي غادر الرئاسة حاضراً، فكثيراً ما أورد بايدن في مقالته المطولة في "فورين أفيرز" الأميركية اسم شريكه السابق، على الرغم من اعتقاد كثيرين أن الظروف اختلفت، حتى وإن بقي النهج نفسه والأفكار ذاتها.
يرى بايدن أن الأولوية في سياسته ستكون لاستعادة صدقية بلاده التي قال إنها "تضاءلت منذ أن تركنا أنا والرئيس أوباما مناصبنا. لقد قلل الرئيس ترمب من شأن حلفاء الولايات المتحدة وشركائها، وقوضهم، وفي بعض الحالات تخلى عنهم. لقد انقلب على خبراء المخابرات ودبلوماسيينا وقواتنا. لقد شجع خصومنا وبدد نفوذنا لمواجهة تحديات الأمن القومي من كوريا الشمالية إلى إيران، ومن سوريا إلى أفغانستان إلى فنزويلا، مع عدم وجود أي شيء عملياً لإظهاره. لقد شن حروباً تجارية غير حكيمة ضد أصدقاء الولايات المتحدة وأعدائها على حد سواء".
ومع أن هذا الحديث يأتي في سياق انتخابي، إلا أن الكاتب في أبريل (نيسان) الماضي عندما تناول الأمثلة، كشف عن نقط اختلاف جوهرية لحزبه مع سياسات ترمب، خصوصاً مسائل "الخروج من اتفاق المناخ، والانسحاب من منظمة الصحة العالمية، والتضاد مع الحلفاء الأوروبيين، والمواجهة المسلحة مع إيران"، فهي قضايا قطع الرئيس الجديد بأنه سيعالجها بطريقة مختلفة خلال حكمه.
البناء على نصر الحربين العالميتين
ولم ينكر بايدن أن التحديات على مستوى العالم تزداد تعقيداً بسبب الحزبية المفرطة (الشعبوية)، إلا أن ذلك الزمن الذي رأى أن سمته "الخوف من الآخر" سيكون ولى بمجرد وصوله الرئاسة، بغية إنقاذ النظام الدولي "الذي بنته الولايات المتحدة بعناية شديدة، وبدأ يتفكك".
وأضاف، "كرئيس سأتخذ خطوات فورية لتجديد الديمقراطية والتحالفات الأميركية، وحماية المستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة، ومرة أخرى نجعل أميركا تقود العالم"، في إشارة إلى أنه لن يتجه ببلاده نحو سياسة العزلة التي يتهم سلفه بانتهاجها، على الرغم من أنه أبقى على شعار قريب من شعاره، لكن بايدن لفت إلى أن تاريخ أميركا يمنحها الثقة ولا يستدعي أن تخشى من شيء، أليست هي صاحبة الانتصارات العسكرية الهائلة في القرن الماضي؟
وتابع "هذه ليست لحظة خوف. هذا هو الوقت المناسب للاستفادة من القوة والجرأة التي دفعتنا إلى النصر في حربين عالميتين وأسقطت الستار الحديدي. أدى انتصار الديمقراطية والليبرالية على الفاشية والاستبداد إلى خلق العالم الحر، لكن هذا السباق لا يحدد ماضينا فقط، ولكن سيحدد مستقبلنا كذلك".
التلويح بالديمقراطية
وفي شق التلويح بعصا "الديمقراطية" التي كانت محوراً في نقاشات أميركا خلال عقود سبقت مع دول في العالم والمنطقة العربية، يؤكد بايدن أن "تجديد الديمقراطية" مهمة يعتزم النهوض بها، ليس في الشأن الذي يخص بلاده وحسب، ولكن سيسعى إلى الدفع بها عالمياً.
وأضاف "خلال السنة الأولى في منصبي ستنظم الولايات المتحدة وتستضيف قمة عالمية من أجل الديمقراطية، لتجديد الروح والهدف المشترك لدول العالم الحر، وستجمع بين ديمقراطيات العالم لتقوية مؤسساتنا الديمقراطية، ومواجهة الدول التي تتراجع بصدق، وصياغة أجندة مشتركة".
وأكد أن القمة ستضم أيضاً منظمات المجتمع المدني من جميع أنحاء العالم التي تقف في الخطوط الأمامية للدفاع عن الديمقراطية، وسيصدر أعضاء القمة دعوة إلى العمل من أجل القطاع الخاص، بما في ذلك شركات التكنولوجيا وعمالقة وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يجب أن تعترف بمسؤولياتها واهتمامها الكبير في الحفاظ على المجتمعات الديمقراطية، وحماية حرية التعبير.
ومع أن ترمب هو الذي اشتهر بعلاقته المتوترة مع شبكات التواصل الاجتماعية، إلا أن بايدن هو الآخر توعدها بأن "حرية التعبير لا يمكن أن تكون بمثابة ترخيص لشركات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لتسهيل انتشار الأكاذيب الخبيثة. يجب أن تعمل هذه الشركات على ضمان أن أدواتها ومنصاتها لا تعمل على تمكين دولة المراقبة أو تقويض الخصوصية أو تسهيل القمع في الصين وفي أي مكان آخر، أو نشر الكراهية والمعلومات المضللة أو تحفيز الناس على العنف أو البقاء عرضة لإساءة الاستخدام".
كي لا يأخذ شخص آخر مكاننا
وأشارت المقالة المرجعية للرجل السبعيني إلى أنه لا يرى أن القوة العسكرية لواشنطن هي الرهان الوحيد، فبالنسبة إليه يمكن للدبلوماسية أن تلعب دوراً قوياً أيضاً، مؤكداً أنه سيضع أجندة السياسة الخارجية على رأس الطاولة مرة أخرى، "في وضع يمكّن أميركا من العمل مع حلفائها وشركائها لتعبئة العمل الجماعي في شأن التهديدات العالمية".
ويجدد النظرية السائدة بأن الولايات المتحدة ينبغي أن تبقى شُرطي العالم، وأعرب عن اعتقاده بأن "العالم لا ينظم نفسه، فعلى مدى 70 عاماً لعبت الولايات المتحدة في ظل الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين دوراً رائداً في كتابة القواعد وصياغة الاتفاقات، وتنشيط المؤسسات التي توجه العلاقات بين الدول، وتعزز الأمن الجماعي والازدهار"، في حين يؤمن بأنه إذا واصلنا ما سماه "تنازل ترمب عن تلك المسؤولية، فسيحدث أحد أمرين: إما أن يأخذ شخص آخر مكان الولايات المتحدة، ولكن ليس بطريقة تعزز مصالحنا وقيمنا، أو لن يفعل أحد وستنشأ الفوضى. في كلتا الحالتين، هذا ليس جيداً لأميركا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي شأن الحرب على الإرهاب، تشير المقالة إلى أن الرئيس المقبل يراهن على أنه "حان الوقت لإنهاء الحروب الأبدية التي كلفت الولايات المتحدة دماء وأموالاً لا توصف. كما جادلت منذ فترة طويلة، يجب علينا إعادة الغالبية العظمى من جنودنا إلى الوطن من الحروب في أفغانستان والشرق الأوسط، وتحديد مهمتنا بدقة على أنها هزيمة القاعدة و"داعش". يجب أن نحافظ على تركيزنا على مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم وفي الداخل، لكن البقاء في صراعات لا يمكن كسبها يستنزف قدرتنا على القيادة في قضايا أخرى تتطلب اهتمامنا، ويمنعنا من إعادة بناء الأدوات الأخرى للقوة الأمريكية".
لا تغاضي عن سياسات ايران
لكن الزعيم السياسي المخضرم حتى قبل أن يصبح رئيساً منتخباً في البيت الأبيض، لفت إلى أن ذلك لا يعني التخلي عن شركاء واشنطن في المنطقة، فإنه "كرئيس سيفعل أكثر من مجرد استعادة شراكاتنا التاريخية". وتابع، "سأقود الجهود لإعادة تصورهم للعالم الذي نواجهه اليوم. يخشى الكرملين من وجود حلف شمال أطلسي قوي، وهو التحالف السياسي العسكري الأكثر فعالية في التاريخ الحديث".
وعن التعامل مع إيران التي يعتقد الإقليم أنها المعضلة الأكبر، يقوّم بايدن سياسة سلفيه أوباما وترمب، ويقول إنه سيبني على ما اعتبره نجاح مبادرة الأول، مرجحاً أن "هناك طريقة ذكية لمواجهة التهديد الذي تشكله إيران لمصالحنا، وهو طريقة أن تهزم إيران نفسها، وقد اختار ترمب الخيار الآخر، فمع أن مقتل قاسم سليماني أزاح طرفاً خطراً، لكنه أثار أيضاً احتمال تصاعد دائرة العنف في المنطقة، ودفع طهران إلى التخلي عن الحدود النووية التي تم وضعها بموجب الاتفاق النووي".
وخلُص إلى أنه "يجب على طهران العودة إلى الامتثال الصارم للاتفاق، فإذا فعلت ذلك فسأعود للانضمام إلى الاتفاق وأستخدم التزامنا المتجدد بالدبلوماسية للعمل مع حلفائنا لتقويتها وتمديدها، مع التصدي بشكل أكثر فعالية لأنشطة إيران الأخرى المزعزعة للاستقرار".
إلى ذلك، يقر بايدن بأن أياً من أهدافه التي وصفها بـ "الطموحة" لا يمكن تحقيقها من دون قيادة الولايات المتحدة إلى جانب الديمقراطيات الشقيقة، "فنحن نواجه خصوماً، خارجياً وداخلياً، على أمل استغلال الانقسامات في مجتمعنا وتقويض ديمقراطيتنا وتفكيك تحالفاتنا، وتحقيق عودة النظام الدولي، حيث يمكن أن يقرر الصواب. الجواب على هذا التهديد هو المزيد من الانفتاح والصداقات وليس العكس، والمزيد من التعاون والتحالفات والديمقراطية".
الإدارة الجديدة لن تحل مشكلة أميركا
لكن على الرغم من النظرة المتفائلة للرئيس المنتخب، فإن الكاتب معه في المجلة الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركية نفسها لاري دايموند، أكد في رؤية تفاعل بها مع الجدل الانتخابي في بلاده، أن "الإدارة الجديدة لن تعالج الديمقراطية الأمريكية، فالتعفن في المؤسسات السياسية الأمريكية أعمق من دونالد ترمب" على حد وصفه.
وقال، "بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، فإن الديمقراطية الأمريكية لن تتعافى قريباً. على مدى العقد الماضي، وبخاصة على مدى السنوات الأربع الماضية. لقد تابع علماء الديمقراطية التدهور التدريجي في جودة الديمقراطية في الولايات المتحدة، وبدأ هذا التراجع المتأصل جزئياً في تعميق الاستقطاب الحزبي والعرقي قبل فترة طويلة من انتخاب دونالد ترمب رئيساً في العام 2016".