بعد عقود على إنشاء "أرامكو"، عملاق النفط السعودي، فتحت الرياض قوائم الشركة المالية أمام نظيرتها الاستثمارية المحلية والعالمية عن طريق سوق الأسهم المحلية في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. وبعد أن قرع أمين الناصر، كبير إداريي الشركة، جرس التداول في ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته، كانت القيمة السوقية للشركة فور الإدراج وفق سعر الاكتتاب 32 ريالاً (8.5 دولار أميركي) نحو 1.71 تريليون دولار، لكنها ما لبثت أن ارتفعت بالنسبة القصوى في أول أيام تداولها لتغلق عند 35.2 ريالاً (9.39 دولار)، ما رفع قيمتها السوقية إلى 1.88 تريليون دولار متفوقة على عملاق الاتصالات الأميركي "أبل"، الذي كان يحتل مركز الصدارة عالمياً.
أداء سهم "أرامكو" خلال العام
مر سهم شركة أرامكو بعدد من التغيرات خلال مسيرته بالسوق السعودية "تداول"، قفز خلالها في أولى جلساتها بالحدود القصوى عند 10 في المئة، مضيفاً نحو 3.2 ريال (0.85 دولار) إلى رصيده، ليغلق عند مستوى 35.20 ريال (9.39 دولار)، قبل أن يصل إلى 38.70 ريال (10.32 دولار)، وهو الأعلى له منذ الإدراج.
وعن أداء السهم في عامه الأول قال المحلل المالي، بسام العبيد، إن السهم تأرجح خلال عام بين 38.70 (10.32 دولار)، وهي القمة التي حققها بداية الطرح في نوفمبر 2019، وبين 27 ريالاً (7.20 دولار) في مارس (آذار) 2020"، وما زال يتحرك ضمن هذه المسافة على الرغم من أنه يتداول بالقرب من مستويات القمة مبتعداً عن مستويات القاع أكثر فأكثر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال محلل الأسواق المالية، محمد قيس عبد الغني "لاحظنا بعد الاكتتاب تراجع سهم شركة أرامكو من سعر 38.10 ريال (10.16 دولار) بتاريخ 15 ديسمبر 2019، واستمر الزخم السلبي مسيطراً على تداولات السهم مستغلاً تراجع الطلب على النفط مع الإغلاق العالمي بسبب جائحة كورونا، بالإضافة إلى تعثر اتفاق (أوبك+) في تخفيض الإنتاج، الذي هوت بسعر السهم إلى مستويات 27 ريالا ً(7.20 دولار) في تاريخ 8 مارس، ومن ثم عاود السهم الصعود محاولاً إنهاء الموجة الهابطة، مستغلاً الاتفاق بتخفيض الإنتاج من مجموعة (أوبك+) وبدء فتح الحظر جزئياً، ما أدى إلى زيادة تنامي الطلب على النفط الخام"، الأمر الذي عزز صعود السهم إلى 33 ريالا (8.80 دولار) في 1 يونيو (حزيران) حتى استعادة المكاسب صعوداً قرابة ثلاثة أشهر.
ومع أن السهم قد وصل في هذه الفترة إلى 37 ريالاً (9.87 دولار)، ما اعتبر مؤشراً للتعافي، فإن بدء الموجة الثانية من كورونا ودخول الاقتصاد الأميركي في سيناريو الانتخابات، دفع به إلى التراجع مع القلق الذي حام بشأن سوق الطاقة، ما أدى إلى وصوله لمستوى الدعم بالقرب من 33 ريالاً (8.80 دولار)، قبل أن يبدأ بالارتداد. ووفق متابعة عبد الغني "بدأ السعر بالارتداد في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، ونجح بإنهاء التصحيح واستعادة المسار الصاعد مجدداً، وحالياً يتوجه السعر إلى استهداف 37 ريالاً (9.87 دولار) مجدداً بشرط ثباته على مستويات 33 ريالاً (8.80 دولار)"، التي تعبر عن الحاجز النفسي لسهم أرامكو بالنسبة لمتداوليه.
مؤثرات في سهم "أرامكو"
بات من السهل اليوم، وبعد عام من متابعة حركة السهم، معرفة المؤثرات التي تلعب دوراً في تحديد مسار السهم صعوداً ونزولاً، فسهم "أرامكو" القيادي ليس استثناءً عن بقية الشركات المدرجة التي تتأثر بعوامل سياسية أو اقتصادية في تذبذبها.
وقال بسام العبيد بهذا الشأن، إن "سهم أرامكو تأثر سلباً خلال مارس الماضي بتخمة المعروض النفطي، التي جاءت بسبب ضعف الطلب على النفط بعد إغلاق عديد من المصانع والشركات وخطوط الإنتاج وخطوط الطيران، وتوقف حركة النقل بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومات حول العالم لوقف انتشار كورونا"، ما دفع أسعار النفط إلى الانهيار، حيث هبطت من 60 دولاراً إلى 15 دولاراً للبرميل خلال أبريل (نيسان).
وتسبب هذا التحرك السلبي لسوق النفط في إفلاس عديد من الشركات النفطية وشركات النفط الأحفوري وامتلاء المصافي وخزانات الاحتياطي النفطي، وشهدت أسواق النفط ما هو أكثر سوءاً من ذلك، حيث وصل سعر البرميل في الولايات المتحدة بالعقود الآجلة للسالب في أحد أكثر الأسابيع سوداوية لعدم وجود مراكز لتسلمه.
يقول العبيد، إن سعر سهم أرامكو متماسك على الرغم من الهبوط المفاجئ الذي أصابه، إذ لم يهبط بالنسبة ذاتها التي هبط بها سعر البرميل، ويأتي ذلك بسبب "ثقة المستثمرين بشركة أرامكو ورغبتهم بتوزيعاتها السنوية الجذابة، وكذلك في قدرتها على إدارة الأزمات"، التي أثبتت فيها دورها القيادي بعد توقيع الاتفاق التاريخي بتخفيض الإنتاج ودعم أسعار النفط، ما رفع سعر البرميل لأكثر من 200 في المئة من 15 دولاراً للبرميل إلى 45 دولاراً خلال أشهر فقط.
مستقبل السهم
إلا أن هذا الأداء في إحدى أحلك الفترات على قطاع الطاقة لا يجب أن يكون مؤشراً على سلامة أدائه مستقبلاً، فالسهم الذي واجه تحديات كبيرة في عامه الأول تنتظره فترات لا تقل صعوبة إن لم تتداركها في العام المقبل، وفق محللين. فالعبيد، الذي وجد أن أداء السهم كان قادراً على التعامل مع الظروف خلال 2020، يخشى من قدرته على مواصلة المعركة المقبلة بالقوة ذاتها، و"يتوقع أن يواجه سهم أرامكو انخفاضات مستقبلاً مع عودة بعض الدول إلى الإغلاق مجدداً بسبب موجة كورونا الثانية، التي ضربت عدداً من الدول المستوردة للنفط". وينذر بتراجع استهلاكها أن "استمرارها في الاستهلاك يتوقف على ما ستتخذه هذه الدول من إجراء، فإن اختارت العودة إلى الإغلاق سيضعف الطلب بلا شك، ما سيؤثر بالضرورة في أسعار أسهم الشركات النفطية"، وهو ما لن تكون أرامكو بمنأى عنه، ما لم يتم احتواء الجائحة بشكل نهائي عن طريق الوصول إلى اللقاح.
ويعلق العبيد الجرس حول مشكلة أخرى قد تؤثر في أداء السهم "لو حدث أي فشل باتفاق (أوبك) مستقبلاً، ستتأثر أسعار النفط هبوطاً بلا شك، وستعود موجة تخمة المعروض للأسواق، وبالتالي تنعكس الخسائر التي ستتكبدها شركات النفط جراء انخفاض سعر البرميل على سعر السهم"، وحول أثر سيناريو كهذا في أداء السهم، ذكر أنه "من الصعب تحديد الأثر، فلكل أزمة ظروف وأسباب مختلفة، لكن ننظر إلى تصريح وزير الطاقة السعودي عندما أكد أن الأسوأ قد مضى كمؤشر لنظرة مستقبلية مستقرة".
لماذا كان اكتتاب "أرامكو"؟
يستمد إدراج "أرامكو" أهميته من كونه مرحلة مهمة في خريطة عدد من المفاصل الاقتصادية السعودية؛ كونها كانت شرطاً في خطة تطورها، فعلى صعيد السوق السعودية أسهم في توسيع القاعدة المالية للسوق، بالإضافة إلى زيادة عدد الشركات القيادية الضخمة القادرة على قيادة رأس المال داخلها، كما أن مالك الشركة، صندوق الاستثمارات العامة، الذي يقود استثمارات ضخمة داخل البلاد وأخرى خارجها، يعتمد على رأس المال الذي ضخه المكتتبون في تمويلها، وفق تصريحات مسؤولين.
ولا يبدو أن هذه الأهداف قد تم تحقيقها بالكامل، فلا تزال الشركة تنوي الإعلان عن طرح آخر، ولكن دولي، فبحسب وزير المالية السعودي في تصريح لوكالة "بلومبيرغ"، فإن الشركة التي يشغل منصب عضو مجلس إدارتها "لا تزال تدرس إدراج أسهمها في سوق عالمية".
وكان من المقرر طرح "أرامكو" 5 في المئة من قيمتها في شكل أسهم يتم تداولها محلياً وعالمياً وفق الإعلان الأول في 2016، على أن يكون حصة البورصة المحلية 1.5 في المئة، وهو ما تم فعلاً، في حين يشكل الطرح الدولي المنتظر 3.5 في المئة، لكن الشركة أكدت أنها لا تملك خططاً في الوقت الحالي للإقدام على هذه الخطوة.