على سلسلة من الجبال الشاهقة تصل إلى ارتفاع ثلاثة آلاف متر عن سطح البحر، تزرع أشجار البن اليافعي من فصيلة البن العربي، الذي يتصدر أنواع البن اليمني ضمن قائمة المنتجات الزراعية الأكثر شهرة على مستوى العالم، ويحظى بإقبال كبير مقارنة مع بقية الأنواع الأخرى التي تزرع في بلدان العالم، ما جعله منافساً قَوياً، وعلامة بارزة للجودة في الأسواق العالمية.
واشتهرت يافع منذ القدم بزراعة البن، وتعود بدايات زراعته إلى القرن الـثالث عشر الميلادي، واكتسب هذه الشهرة العظيمة متفوقاً على أصناف البن اليمنية الأخرى، بسبب طعمه ونكهته المميزة، على الرغم من أن جميعها ينتمي لمجموعة البن العربي، وهذا ما دعا كثيرين من التجار إلى شراء البن اليافعي وخلطه بأصناف البن اليمنية والأجنبية وبيعه على أنه يافعي.
مناطق زراعة البن
بحسب رئيس المجموعة الزراعية في يافع يوسف القعيطي، فإن يافع منطقة واسعة تقع إلى الشمال من العاصمة اليمنية المؤقتة (عدن)، وتنقسم إدارياً إلى ثماني مديريات موزعة على محافظتي لحج وأبين، وتميزها سلسلة الجبال والهضاب المرتفعة، ومجموعة من الأودية الزراعية المهمة لزراعة البن، أشهرها أودية يهر وذي ناخب والعرقة وحطيب، وعديد من المناطق الأخرى التي تحتل موقعاً مميزاً في زراعة البن، فإلى جانب الوديان الثلاثة الشهيرة بزراعة البن في يافع، هناك مناطق كثيرة تنتشر فيها زراعة البن أهمها العياسي، وحمومة، وطسه، وتلب، وخيران، وشعب العرب، وشعب البارع، ومعربان، والحنشي، وذي عسيم، وحمومة، والصعيد، وحدق، والمفلحي، وهي مناطق توفر المناخ المعتدل الدافئ الرطب بعيداً عن الرياح الجافة وأشعة الشمس الحارة، وتتراوح درجات الحرارة من 18 إلى 30 درجة مئوية.
ويزرع البن اليافعي كشتلات على جوانب الأودية والجبال، حيث درجات الحرارة والرطوبة والتربة ملائمة لإنبات أشجاره بالشكل المثالي، والأرض التي يزرع فيها هي (جلول) يبنيها الفلاحون بنقل التربة من الوادي ووضعها في شكل مدرجات زراعية.
أصناف البن اليافعي
يوضح القعيطي أن تسمية أصناف البن اليافعي تعود إلى أسماء المناطق التي تزرع فيها، فالعيسائي ينتشر في العيسائي، ويهر وتلب، والبن الطسوي ينتشر في طسه وسباح والعرقة والصعيد، والقطي في شعب العرمي وما جاورها، والحمومي في وادي حمومة، والناخبي في وادي ذي ناخب.
تدهور زراعة البن
تدهور زراعة البن في يافع ازداد بوتيرة عالية، لا سيما في السنوات القليلة الماضية، ما أدى إلى انخفاض صادرات البن خلال الأعوام الـ 60 الماضية من 40 ألف طن سنوياً إلى سبعة آلاف طن.
ويعزو القعيطي هذا الانخفاض إلى مجموعة من الأسباب والعوامل المتداخلة، قائلاً، "انتشار زراعة نبتة القات التي يمضغها نحو 70 في المئة من السكان اليمنيين، تأتي في مقدم أسباب تراجع زراعة البن، مع أن البن أكثر ربحاً بنحو خمسة أضعاف، وأقل تكلفة مقارنة بالقات، بالإضافة إلى موجات الجفاف التي تتعرض لها مناطق زراعة البن منذ فترة زمنية طويلة، وكان لهجرة أبناء يافع عن مناطقهم انعكاس سلبي، لما سببته من نقص الأيدي العاملة، وإهمال كثير من مزارع البن، وفقدان كثير من المزارعين للخبرة التي امتاز بها آباؤهم وأجدادهم، حتى صار الخبراء في زراعة هذا المحصول قلة قليلة، بالإضافة إلى ندرة المياه، وتخلف الأساليب المعتمدة في زراعته، وقدم عمر الأشجار وعدم كفاءة المكافحة الحيوية والكيماوية للآفات تؤثر سلباً على نمو أشجار البن، وانعدام التمويل المناسب والدعم الحكومي، وصعوبة نقل المحصول من مناطق إنتاجه إلى الأسواق، وصغر حجم الحيازات الزراعية التي يمتلكها المزارعون، وانعكاس ذلك على زيادة تكلفة الإنتاج، وقلة أبحاث تقنيات الحصاد المائي التي تحفظ الرطوبة للمحصول، خصوصاً في الفترات الحرجة من مراحل نموه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
معالجات لزيادة الإنتاج
ويقترح القعيطي حزمة من المعالجات التي يمكن اتباعها لتحسين وتطوير زراعة وإنتاج البن من خلال توجيه الدراسات لبحث واقع زراعته، والعمل على معالجة مشكلات المزارعين التي لا يستطيعون معالجتها من دون مساعدة من الحكومة، وتقديم التسهيلات للاستثمار في مجال الزراعة، من خلال إنشاء صندوق لدعم وتشجيع المزارعين على التوسع في زراعته وإنتاجه، وتوفير المستلزمات التي يحتاجون إليها أثناء موسم الإنتاج، وما بعد الحصول لتحسين عمليات تجهيز المنتج والحفاظ على الجودة، واتخاذ إجراءات منظمة لمساعدة المزارعين تضمن تقديم الدعم لهم في عملية التسويق.
ومن أجل الحفاظ على التاريخ العريق للبن العربي اليافعي، يشدد القعيطي على أهمية تشجيع الأجهزة الحكومية لمراكز البحث العلمي والجامعات ومراكز الإرشاد الزراعية للقيام بدراسة ما يمكن لهم القيام به من دراسات وفق برنامج زمني، للعمل على تحسين وتطوير الأنواع والأصناف المحلية المرغوبة من نباتات البن، وإكثار الأصناف شبه المنقرضة والمنقرضة من الأصناف النباتية للبن، وإنتاج الأصناف البرية من أشجار البن العربية ذات القيمة الوراثية الغنية، وحفظ الأصول الوراثية لكل أنواع وأصناف البن العربي، وإنتاج الأصناف النباتية النادرة والصعبة التكاثر، وإنتاج أصناف جديدة مقاومة للظروف البيئية القاهرة وذات مواصفات عالمية وخالية من الأمراض.
ثروة قومية
يتفق الباحث اليافعي علي الخلاقي، مع ما قاله القعيطي في أن شجرة القات تعد المنافس الأول لزراعة البن، ما تسبب في حرف اهتمام كثيرين من مزارعي البن، والاتجاه إلى زراعة شجرة القات التي تستأثر بمعظم المخزون المائي، لا سيما وأن القات يدر عائداً مالياً سريعاً، على الرغم من تشبعه بالأدوية السامة التي تُكثِر من إنتاجيته، ما يشكل خطراً على صحة متعاطيه ومدمنيه، ويشير الخلاقي إلى الأهمية الكبيرة للبن كثروة قومية ثمينة تزداد قيمتها بمرور السنين، خصوصاً بعد أن تزايد الطلب على القهوة عالمياً، وتزايد عدد مستهلكيها.
ويتابع الخلاقي، "ظهرت في الآونة الأخيرة مبادرات مجتمعية قيمة لإعادة الاهتمام بزراعة البن في مناطق يافع، ولقيت تجاوباً كبيراً وتحركاً مكثفاً، ونأمل ألا يكون هذا الاهتمام موسمياً، وأن يتواصل مستقبلًاً ضمن عمل مؤسسي للاعتناء بزراعة البن، الذي يتزايد الإقبال عليه في السوق الداخلية والخارجية، وتوعية وتنوير المزارعين بطرق الري الحديثة التي تساعدهم في تجنب مخاطر الجفاف، وتشجيعهم ومساعدتهم عبر الجهات الحكومية والمنظمات الدولية لبناء السدود والحواجز الأرضية في أودية زراعة البن، التي أعطت نتائج إيجابية في أودية ذي ناخب، والعرقة، وحفزت المزارعين هناك على التوسع في زراعته، وعدم الالتفات إلى أشجار القات، نظراً للعائد المادي الذي أعاد الاعتبار لثمار البن".
اهتمام مجتمعي
شهدت الأيام القليلة الماضية اهتماماً ملحوظاً من قبل المجتمع المحلي في منطقة يافع لتشجيع هذه الزراعة من خلال عدد من الأنشطة والفعاليات التوعوية، وفي هذا الصدد عقد عدد من ورش العمل والدورات التدريبية المجتمعية المتعلقة ببرنامج المسح المقرر تنفيذه لأشجار البن ومسح مياه الري ومصادرها، وأوصت هذه الدورات والورش بضرورة إيجاد قاعدة بيانات خاصة بهذا المحصول لوضع الخطط اللازمة للتغلب على التدهور الذي يعيشه محصول البن في يافع.
إستراتيجية وطنية
إجمالاً، تسعى وزارة الزراعة والري اليمنية إلى رفع إنتاجية وتحسين جودة جميع أنواع البن اليمني والوصول بصادراته إلى نحو 50 ألف طن بحلول العام 2025، من خلال إستراتيجية تنمية هذا المحصول النقدي المهم، وبحسب موقع الوزارة، تهدف الإستراتيجية إلى زيادة المساحات المزروعة بالبن ورفع إنتاجيتها، وتوجيه البحوث نحو هذا المحصول لتحقيق أعلى إنتاجية، والحفاظ على جودة المنتج بخلاف تحسين طرق التصدير، وزيادة الكميات المصدرة، بالتالي زيادة العملة الصعبة لفائدة الاقتصاد الوطني.
وتتضمن الإستراتيجية تنمية إنتاج محصول البن خلال الفترة من 2019-2025، من خلال إنتاج وزراعة 13 مليون شتلة، ما يعمل على زيادة المساحة نهاية الفترة بمقدار خمسة آلاف و200 هكتار، وزيادة حجم الإنتاج من 19 ألفاً و286 طناً حالياً، إلى 50 ألفاً و424 طناً بحلول العام 2025، وبموجب الإستراتيجية، سترتفع مساحة زراعة البن في اليمن من 34 ألفاً إلى 43 ألف هكتار خلال الفترة نفسها، كما سترتفع الصادرات من ثلاثة آلاف طن إلى 40 ألفاً و441 طناً بحلول 2025.
ووفقاً للإستراتيجية، تواجه تنمية وإنتاجية البن في اليمن عديداً من التحديات، أبرزها شح مياه الأمطار، ومحدودية الأراضي الزراعية في المرتفعات، وتحول كثير من أراضي زراعته إلى زراعة القات، كما أن هناك صعوبة في نقل التكنولوجيا الحديثة لإنتاج البن، والاستثمار محدود في هذا الجانب، إضافة إلى عدم وجود أبحاث متخصصة في مجال البن.