انفضت طاولة الحوار الليبي، في العاصمة التونسية، في يومها الأخير، من دون توصل أطرافها إلى صيغة توافقية حول آليات تولي المناصب التنفيذية، وأسماء المرشحين لها، متسببة بخيبة أمل كبيرة في الشارع الليبي، وتساؤلات عدة حول مستقبل الأزمة في بلادهم، ومخاوف من تداعيات فشل المسار السياسي، على تفاهمات لجان التفاوض في المسارين العسكري والاقتصادي، التي أنجزت خلال الأشهر الماضية.
وبعد أيام من حديثها عن إمكانية التوصل لحل شامل، نهاية جلسات الملتقى السياسي الليبي في تونس، اعترفت المبعوثة الأممية بالإنابة إلى ليبيا ستيفاني ويليامز، بصعوبة المهمة قائلة إنه "لا يمكن إنجاز حلول لصراع استمر 10 سنوات، خلال أسبوع واحد ".
وكانت مصادر ليبية مطلعة على كواليس الملتقى السياسي، تحدثت عن خلافات كبيرة نشبت في اليومين الأخيرين، بين المشاركين فيه، لا سيما بعد تناول النقاش ملفات مركزية متعلقة بتشكيل المجلس الرئاسي المعدل والحكومة الموحدة، بعدما اشتعل تنافس شديد على اقتسام المناصب القيادية فيهما، بين شخصيات وتيارات سياسية وجهوية عدة.
نهاية مخيبة للآمال
وأعلنت وليامز، في مؤتمر صحافي، فجر الاثنين 16 نوفمبر (تشرين الثاني)، انتهاء ملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس، من دون نجاح المشاركين فيه في الخروج باتفاق نهائي حول المعايير الخاصة بالأجسام التنفيذية، في المرحلة الانتقالية وشاغليها، وكشفت عن أن "المشاورات ستتواصل، من خلال اجتماع افتراضي عبر الإنترنت، بعد أسبوع، وستخصص لبحث آلية اختيار شاغلي المناصب، وإنهاء القضايا الخلافية"، مشددة على أن المحصلة النهائية للملتقى لم تكن سلبية تماماً، بقولها "لدينا الآن خريطة واضحة لإجراء الانتخابات "، وأضافت "لقد أنجزنا الكثير، وأنا مسرورة جداً بنتائج المحادثات، لكن لا يزال أمامنا عمل كبير".
مكاسب للمرأة والشباب
وأعلنت وليامز، في معرض تعديدها للإنجازات التي أحرزت أنه "تم الاتفاق على تمثيل المرأة الليبية، في المناصب السيادية، بنسبة الثلث وكذلك الشباب".
وكانت النساء الليبيات المشاركات في ملتقى الحوار السياسي في تونس، أصدرن، في اليوم الأخير من فاعلياته، بياناً نادين فيه بمطالب عدة، في مقدمها حصول المرأة على نسبة تمثيل في الحكومة الجديدة، لا تقل عن 30 في المئة، مع توفير كل ضمانات الكفاءة، وأيضاً تكليف عنصر نسائي، لمنصب نائب رئيس الحكومة الجديدة، إضافة إلى إعادة تشكيل وحدة تمكين المرأة وتفعيلها. لتتكون من ثلاث نساء من ذوات الخبرة.
وشدد البيان، على ضرورة توفير حماية خاصة للنساء الفاعلات، خصوصاً الناشطات والحقوقيات والسياسيات، وضمان احترام حقوق المنتميات إلى مختلف المكونات الثقافية للمجتمع الليبي، وانخراطهنّ في العملية السياسية، واتخاذ التدابير اللازمة للتصدي للتمييز ضد المرأة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كواليس اليوم الأخير
وحول ما دار من أحداث، في اليوم الأخير من الحوار الليبي، أفادت مصادر مطلعة بأن أعضاء ملتقى الحوار قاموا بالتصويت بـ "لا" ضد مشروع مقترح باستبعاد كل من تولى منصب في البلاد، منذ أغسطس (آب) 2014، من الترشح إلى المجلس الرئاسي والحكومة الجديدين، وأكدت المصادر أن مادة منع ترشح شاغلي المناصب، خلال هذه الفترة، إلى الحكومة الجديدة رفضت من قبل 45 عضواً، ولم تنل إلا تأييد 29 صوتاً، من المشاركين في المنتدى، بينما امتنع عضو واحد عن التصويت.
كما فشلت الجلسة الختامية بالخروج بتوافق على بنود مقترح الباب الخاص باختصاصات السلطة التنفيذية الموحدة، "المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية" التي نوقشت فيها على الرغم من طرح ثلاثة مقترحات، في محاولة أخيرة للتوصل إلى تفاهمات من دون نجاح يذكر.
المال الأسود
في الأثناء، ربطت مصادر ليبية متطابقة، بين فشل منتدى الحوار الليبي، وأنباء متواترة، تحدثت عن تجاوزات وقعت في يومه الختامي، من بعض الأعضاء، بمحاولتهم شراء أصوات من داخل القاعة، بإغراءات مالية ضخمة، للحصول على منصب رئيس الحكومة تحديداً، ما أدى إلى احتجاجات واسعة من أعضاء آخرين، ضغطوا على البعثة الأممية لإيقاف الجلسة لهذا السبب، ونجحوا في تحقيق مطلبهم، ولفتت المصادر نفسها إلى أن تأجيل جلسات الحوار جاء بناء على طلب 42 عضواً، من أعضاء الملتقى، من مختلف مناطق ليبيا، تقدموا بعريضة تطالب بتأجيله حتى 18 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، احتجاجاً على توجيه المال السياسي لقرارات الحوار.
واعترفت المبعوثة الأممية ويليامز في المؤتمر الصحافي بعلمها بهذه التجاوزات، قائلة إن "تحقيقاً سيفتح للتأكد من معلومات وردت إليها، عن دفع رشاوى وشراء أصوات على هامش الجلسة، وتعهدت بعقوبات دولية ضد من يثبت تورطه في هذا الأمر".
وكانت معلومات كشف عنها الصحافي والباحث الليبي محمد الجارح، قال إنها وردت إليه من أعضاء مشاركين في الحوار الليبي في تونس، تفيد بتقديم رشاوى لهم، ولأعضاء آخرين للتصويت لبعض المرشحين بعينهم لرئاسة الحكومة الموحدة، ما أثار جدلاً كبيراً، ودعوات لإيقاف التصويت، حتى التحقق من صحتها.
واتهم الجارح، في سلسلة تغريدات، عبر حسابه الرسمي على "تويتر"، المرشح لرئاسة الحكومة عن مدينة مصراتة، التاجر الثري عبد الحميد ادبيبة، برشوة أعضاء آخرين، للوصول إلى منصب رئيس الوزراء، بمبالغ بقيمة 200 ألف دولار، وقال الجارح إن "مخاطر تأثير الأموال السياسية الفاسدة في مجريات الحوار، كانت حقيقية وخطيرة على الدوام، وحثّ العديد من الليبيين بعثة الامم المتحدة على دفع المشاركين إلى الالتزام بتقديم تدقيق رسمي لأصولهم، كإجراء لتقليل المخاطر ".
ولاحقاً، نفى المرشح لرئاسة الحكومة عبد الحميد الدبيبة هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً، قائلاً، "لدي خصوم في هذا السباق يصدرون الإشاعات لأمر لن نستطيع التحكم فيه، لأنه من الخصم المباشر"، معتبراً أن "تلك تحاول اغتياله سياسياً، وإسقاطه في هذه المرحلة الصعبة"، مؤكداً أن "أسلوب رشوة الأشخاص لأغراض كهذه لا يناسبه، لأنه بيع للنفس".
شاهد من تونس
والأنباء عن تحرك المال الفاسد في كواليس جلسات الحوار السياسي الليبي، لم تأت من صحافي ليبي فقط، بل أكدها نظير له من تونس، حيث وصف الكاتب والصحافي التونسي المهتم بالشأن الليبي غازي معلى الحوار الليبي في بلاده، بأنه "تحول الى سوق أو حتى أسواق وبورصات، وقال ، في سلسلة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، "سعر الصوت يختلف من فندق إلى آخر، والترهيب والترغيب شغالان"، في إشارة منه للفنادق الجانبية، التي يجتمع فيها مرافقو أعضاء الحوار، ومندوبو المرشحين، ووصف الكاتب التونسي المبالغ التي يتلاعب بها المترشحون لشراء الأصوات، بأنها أرقام فلكية.