اللقاحان الوشيكان والواعدان اللذان أعلنت عنهما مختبرات رائدة مثل فايزر وبيون تيك من جهة، وموديرنا من جهة أخرى، لا يشبهان لقاحات القرن الماضي. فهما ليسا مستخرجين من نسخة أضعف من الفيروس تحقن في جسم الإنسان فتتوالد فيه وتطلق رداً مناعياً. هذا النهج التقليدي تتبعه شركة "ميرك أند كو" Merck &co. وأعلنت الأخيرة أن أثر لقاحاتها يدوم أطول ويؤمن حماية مستدامة أكثر من المستندة إلى تكنولوجيا مختلفة، لكن تطويرها أبطأ. إذ تقتضي من الباحثين زرعهم فيروساً أو بروتيناً يتحدر من الفيروس يطلق الرد المناعي في الجسم. على سبيل المثل، لقاح الحصبة يلجأ إلى فيروس ضعيف أو غير ناشط ليحمل الجسم على تطوير مناعة تخوله التعرف عليه ومكافحته وتحييده. وتطوير جرعات فعالة وناجعة عملية طويلة قد تدوم أكثر من عقد.
اللقاحات قيد التطوير في مختبرات شركتي "أسترا زينيكا بي أل سي" و"جونسون أند جونسون" تعوّل على تكنولوجيا تستخدم فيروس الزكام العادي للتوصل إلى تعليمات جينية توجه النظام المناعي إلى إطلاق رد دفاعي. إذ تدخل تعديلات عليه لتقضي على قدرته في التسبب بالالتهابات. علماً أن هذه الطريقة استخدمت في لقاح إيبولا الذي صادق الاتحاد الأوروبي هذا العام على استخدامه.
كيف يعمل اللقاح المتطور؟
يتوسل مشروع اللقاحين بتكنولوجيا جينية جديدة تعرف بـ mRNA. وقدمت وول ستريت جورنل بالتعاون مع مجلة "ناتشير" شرحاً للعملية ننقله هنا على وجه مقتضب وموجز: بعد تحديد العلماء الكود الجيني الذي يستخدمه فيروس كورونا لإنتاج بروتينات شوكية spike proteins، يستعينون بجزيئيات تسمى RNA لتنقل هذه المعلومات الجينية إلى داخل خلايا الإنسان. وتحمي هذه الجزيئيات طبقة دهنية. وعوض اللجوء إلى الفيروس كله لإطلاق رد مناعي، هذه اللقاحات الجديدة تعتمد على البروتينيات الشوكية في الفيروس نفسه، فتتعرف عليها الأجسام المضادة وتكافحها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحين تحقن جزيئيات RNA في المريض، تساعد الخلايا السليمة على تنسيق إنتاج بروتينات فيروس كورونا الشوكية مثل قائد أوركسترا. وحين تصدر الخلايا هذه البروتينات الشوكية، تطلق رداً دفاعياً مثلما يفعل اللقاح التقليدي.
والمعلومات عن استخدام اللقاح الجديد تعديلاً جينياً هو وراء سيل من المعلومات الكاذبة تسري على شبكة الإنترنت ورسائل الواتسآب، وتدق ناقوس الخطر من إدخال خلايا جذعية هجينة من مخلوقات غريبة على جسم الإنسان. وفي أحد هذه الفيديوهات، على سبيل المثل، تحذر طبيبة اسمها كريستيان نورثروب، طبيبة أمراض النساء والتوليد وصاحبة كتب من أكثر الكتب مبيعاً في لائحة نيويورك تايمز على ما تعرف عن نفسها، من تغيير هذا اللقاح " الحمض النووي البشري بشكل جذري" وهو "يحتوي على حمض نووي غير بشري مثل أحماض القرود وربما خلايا خنازير جينية". وتنسب اللقاح إلى مختبر "أم آي تي" MIT، وتتكلم عن صباغ في اللقاح يظهر حين توجيه الضوء إلى شعر الشخص، ويحدد من تلقاه ومن لم يتلقه. ومن مزاعمها أن المعادن في اللقاحات التقليدية تحول البشر إلى لواقط بشرية "لتكنولوجيا الجيل الخامس" (ِشبكة الهواتف الخلوية الجديدة). ومثل هذه المعلومات الكاذبة راجت حين دعوة أمثال بيل غيتس إلى تطوير لقاح.
خلاصة القول إن البشرية قادمة على مرحلة جديدة من العلاجات، فالتوسل بتكنولوجيا mRNA واعد في علاج أمراض السرطان والقلب والالتهابات. وقد تؤذن هذه اللقاحات المتطورة بحقبة من العلاجات المتطورة أمام فيروسات مثل كورونا، كوفيد-19، لم يملك البشر أمامها سوى وسائل حماية من القرن التاسع عشر مثل العزل الاجتماعي والتباعد والكمامة.